أن يدور نقاش حاد بين أعضاء في الكونغرس الاميركي في عام 2013 حول «كيفية الاستمرار بمحاربة النظام الشيوعي في كوبا» وحول «اختراق المجتمع الكوبي من خلال الإعلام لإسقاط نظام فيديل كاسترو» لهو أمر سريالي فعلاً! أن يجد النواب الأميركيون وحكومتهم الوقت الكافي والأموال الطائلة للإبقاء على خطة إعلامية سياسية وضعت خلال الحرب الباردة بينما تغرق أهم مدن البلاد في الإفلاس لهو أمر خارج عن المنطق. أن تبلغ كلفة البرنامج البروباغاندي الأميركي ضد النظام الكوبي المحاصر أكثر من 24 مليون دولار خلال السنوات الستّ الأخيرة هو ما يجب أن يحتجّ عليه دافعو الضرائب الاميركيون.
731 مليون دولار هي تكلفة «برامج الإعلام الخارجي» في ميزانية عام 2014 التي قدمها «مجلس حكّام البثّ» للكونغرس أخيراً (بعد أن بلغت 720 مليوناً عام 2013 و 767 مليوناً عام 2012). تلك البرامج مؤلفة من مؤسسات إعلامية بعضها يعود تاريخ تأسيسه لعام 1942 وهي: «صوت أميركا» Voice of America، «راديو وتلفزيون مارتي» Marti، «راديو فري يوروب وراديو ليبيرتي»Free Europe, Liberty، «راديو فري آسيا» Free Asia، «راديو سوا» و«قناة الحرة». وبغض النظر عن مدى نجاح تلك المحطات أو فشلها في استقطاب نسبة متابعة في المناطق التي «تستهدفها»، شكّل «راديو وتلفزيون مارتي» المخصص لبثّ البروباغاندا الأميركية في كوبا مادة نقاش رسمي أميركي أخيراً. إذ إن «مجلس حكّام البثّ»، وهو مؤسسة فدرالية مسؤولة عن مجمل المشاريع الإعلامية المذكورة، يطالب الكونغرس منذ سنتين بإنهاء «مارتي» «لأنه يكلّف مبالغ طائلة من دون أن يكون فعّالاً» (أكثر من 28 ألف دولار لعام 2013). لكن، حتى هذه السنة، يرفض بعض أعضاء الكونغرس التصويت لصالح إيقاف المشروع الذي أنشئ عام 1983 «بهدف اختراق رقابة النظام الكوبي على الأخبار داخل بلاده».
الرئيس السابق رونالد ريغان كان عرّاب «راديو مارتي» الذي بدأ البثّ عام 1984 ليتبعه تلفزيون مارتي عام 1990. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، خُفضت كل ميزانيات الإعلام الخارجي الموجّه ضد الأنظمة الشيوعية والاشتراكية ما عدا «راديو وتلفزيون مارتي» الذي شُكّل له مكتب بثّ خاص ضمن «مجلس حكّام البث»، واسمه «مكتب بث كوبا». وحتى اليوم، يصرّ بعض نواب الكونغرس على «ضرورة التصدّي للخطر الشيوعي الذي يحدق بالولايات المتحدة من خلال نظام فيديل كاسترو في كوبا»، وهذا ما أفشل المساعي التي قام بها «مجلس حكّام البثّ» وبعض النواب الديموقراطيين من أجل خفض ميزانية المشروع أو إلغائه كلياً.
بروباغاندا من الطائرة
بطلة مشروع «مارتي» البروباغاندي هي طائرة تدعى «آيرومارتي»، تقوم بالتحليق فوق سواحل ولاية فلوريدا وتبثّ ترددات إذاعية وتلفزيونية تصل الى الجزيرة الكوبية. لكن الطائرة التي كانت تكلّف سنوياً حوالي 5 ملايين دولار (خفضت الى 2 مليون منذ عام 2011)، تفشل يومياً في تأدية مهمتها الوحيدة أي البث. فالنظام الكوبي يقوم، مع كل طلعة للطائرة الاميركية، بالتشويش على موجات بثّها، ما يصعّب التقاط الصورة والصوت من أي جهاز على الأراضي الكوبية. من مركز البثّ الأساسي في ميامي، تعد مجموعة معظمها من المبعدين الأميركيين من أصل كوبي نشرات أخبار وبرامج دعائية موجهة ضد النظام الشيوعي. معظم الضيوف على هواء «مارتي» هم من معارضي الرئيس كاسترو والنظام بشكل عام. «المحطة تفتقر الى التوازن والموضوعية والصدقية» ذكر مفتشو وزارة الخارجية الاميركية في تقاريرهم الأولى عن «راديو وتلفزيون مارتي» في التسعينيات، وانتقد البعض البرامج الساخرة غير المهنية التي تبثّها المحطة. تقارير اخرى أشارت أيضاً الى أعداد ضئيلة جداً من الكوبيين الذين يستقبلون «مارتي» أو يتابعونها، أولاً بسبب التشويش عليها من قبل السلطات الكوبية وثانياً بسبب «النَفَس البروباغاندي المباشر والمنفّر في الأخبار والبرامج». لكن الداعمين للمشروع يبرّرون الأمر بالقول إن الكوبيين المستطلَعين «لا يعترفون بأنهم يتابعون المحطة خوفاً من النظام». لكن المحطة لم تنجح، رغم الملايين التي تصرف عليها سنوياً، في كسب ثقة المشاهدين والمستمعين الكوبيين في المناطق التي قد «يفلت» فيها البثّ من التشويش.
بعض المحللين الأميركيين يقولون إن «راديو وتلفزيون مارتي» ما زال قائماً رغم فشله، لأن السياسيين في واشنطن لا يجرؤون على إغضاب حوالي 350 ألف ناخب أميركي ــ كوبي في ميامي. وآخرون يؤكدون أن المشروع هو عبارة عن مؤسسة يديرها منفيّون كوبيون متموّلون ولهم علاقات وثيقة مع الحكومة الاميركية.
لكن بعض القانونيين الاميركيين والكوبيين بدؤوا أخيراً الاحتجاج على عدم شرعية ما تقوم به الحكومة الاميركية لجهة «احتلال» موجة بث داخلية في كوبا وبث بروباغاندا لصالح الولايات المتحدة عليها. والاحتجاجات ازدادت أخيراً خصوصاً مع استحداث «مارتي» طريقة للاتصال بالمواطنين الكوبيين من خلال إرسال رسائل الكترونية ونصوص هاتفية وتوزيع «دي في دي» عليه برامج المحطة، وابتكار تطبيق هاتفي لمتابعة أخبار وبرامج «مارتي». مسؤولو المحطة صرّحوا أخيراً بأنه خلال الأحداث الحساسة، مثل تدهور صحة الرئيس الفنزويلي ومقتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وصلت نسبة زيارات الموقع الالكتروني لمحطة «مارتي» الى حوالي 10 آلاف زائر في اليوم.



جدل في الكونغرس حول «مارتي»

طائرة «آيرومارتي» رابضة الآن في ولاية جورجيا المجاورة لفلوريدا. لم تحلّق منذ فترة في الأجواء المحاذية للدولة «المعادية» كوبا، وذلك بسبب الاقتطاعات المالية التي اعتمدها البنتاغون وسياسة التقشّف التي فرضتها الازمة المالية. «لا يمكن أن نوقف برنامج مارتي فيشعر نظام كاسترو بأننا نضعف»، «يجب أن نستمر باختراق حصن النظام الشيوعي الديكتاتوري في كوبا وبثّ الأخبار الصحيحة للكوبيين» يقول المدافعون عن «مارتي».
من جهة اخرى يرى بعض النواب أنه «بات من غير المنطقي الاستمرار بدفع الاموال الطائلة على مؤسسة إعلامية لا تصل صورتها الى المعنيين ولا تحقق أهدافها».
يذكر أن «راديو وتلفزيون مارتي» يبثّ باللغة اللاتينية يومياً لمدة تقارب 8 ساعات على مدى 6 أيام، وبرامجه منوّعة تشمل نشرات أخبار ومباريات البايسبول ونشرات الطقس ومقابلات مع معارضين للنظام الكوبي.