برلين | ينتظر الألمان يوم الأحد المقبل ليدلوا بأصواتهم في الانتخابات التشريعية، حيث دعي زهاء 60 مليون ناخب الى اختيار أعضاء البرلمان الثامن عشر لجمهورية ألمانيا الاتحادية، حيث ترشّح 4451 شخصاً. وعلى الرغم من ترشح أكثر من 34 حزباً للانتخابات، التي تجرى في 22 ايلول الجاري، إلا أن الأحزاب الرئيسية لا يتعدى عددها الستة، من بينها حزبان يمثلان قطبي السياسة الألمانية (الاتحاد المسيحي الديموقراطي (CDU) بزعامة المستشارة الحالية أنغيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديموقراطي (SPD) بزعامة زيغمار غابرييل)، لكنّ أيا من الحزبين لم يكن قادراً على تأليف حكومة وحده على مستوى ألمانيا بسبب عدم حصوله على الغالبية، التي تمكنه من ذلك، فيلجأ الى التحالف مع أحزاب أخرى. فالاتحاد المسيحي الديموقراطي وشقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي (CSU) في ولاية بافاريا (جنوب)، اللذان يوصفان بالمحافظين، يتحالفان مع الحزب الديموقراطي الحر (FDP) «الليبراليين» بزعامة وزير الخارجية الحالي غيدو فيسترفيلي، إذ ان وزارة الخارجية تقليدياً مناطة بهم. كما كان الحال في حكومة هلموت كول وديتر غينشر.
أما الـ «SPD»، فتحالفه كان دائماً مع حزب الخضر، وآخر حكومة بينهما كانت برئاسة المستشار السابق غيرهارد شرودر، حيث كان يوشكا فيشر وزيراً للخارجية عن «الخضر». ويخوض الـ «SPD» الانتخابات الحالية بوزير المالية السابق بيير شتاينبروك مرشّحاً لمنصب المستشار.
خارج هذا الاصطفاف يقف حزب اليسار، الذي تأسس على أنقاض حزب الاشتراكية الديموقراطية (PDS)، أو ما كان يعرف بالحزب الشيوعي في جمهورية ألمانيا الشرقية، ولا تزال شعبية هذا الحزب محصورة في الغالب في مناطق المانيا الشرقية سابقاً، إذ تتجنب الأحزاب الرئيسية إعلان رغبتها في التحالف معه على مستوى الدولة الاتحادية، لكنها وخاصة الـ «SPD» لا تتورع عن ذلك على مستوى الولايات، كما هو الحال في حكومة ولاية براندنبورغ، أو حكومة ولاية برلين السابقة.
في هذا الوقت، تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبية الـ «CDU» بزعامة ميركل بعض الشيء، لتصل حصته من المؤيدين إلى 40 في المئة. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تفوق ما حظيت به الأحزاب الأخرى، إلا أنها تثير قلق المستشارة، فشريكها في الائتلاف الحاكم، الحزب الليبرالي، سيحظى حسب استطلاعات الرأي بخمسة في المئة في أفضل الأحوال، وهي النسبة الإلزامية لدخول الندوة البرلمانية، مما يعني أن مصير الائتلاف الحاكم بات مهدداً، إذا حصل الحزبان معاً على نسبة 45 في المئة من الأصوات فقط.
في المقابل، تمكن الحزب الاشتراكي من تسجيل بعض التقدم بعد الانطلاقة المتعثرة لمرشحه شتاينبروك، إذ تمنحه استطلاعات الرأي حوالى 25في المئة من الأصوات مقابل 10 في المئة لـ «الخضر» و11في المئة تقريباً لحزب اليسار.
على الرغم من أن السياسة الخارجية لا تؤدي عادة دوراً كبيراً في مزاج الناخبين الألمان، إلا أنهم بطبيعتهم يقفون ضد الحرب، لذا مثّل ملف الأزمة السورية، وخاصة موضوع الضربة الأميركية المزمعة، مادة دسمة للمعارضة للتصويب على أداء الحكومة، التي بدت مترددة وغير قادرة على اتخاذ موقف واضح. فبعد إعلان المستشارة في قمة العشرين رفضها الضربة العسكرية لسوريا، عادت حكومة برلين لتعلن تأييدها لبيان الدول الـ 11، وأثار ذلك مخاوف الكثير من الألمان، لما قد يحمله هذا القرار معه من تكاليف مادية قد تلقي المزيد من الأعباء على كاهل المواطن الألماني، الذي يشكو أصلاً من تحميله تبعات أزمة اليورو، واضطراره إلى مساعدة الدول المتعثرة في الاتحاد.
إلا أن تراجع حدة التهديدات بالحرب على سوريا، وتوافق الجانبين الروسي والأميركي على حل للخروج من المأزق الراهن، جنّبا المستشارة الألمانية مواجهة هذا الاستحقاق، وحالا دون استغلال المعارضة لهذا الملف على نطاق واسع.
وفي الوقت ذاته، فشلت المعارضة في تقليص الفارق بينها وبين الحزب الحاكم في نتائج استطلاعات الرأي، بسبب افتقارها إلى شخصية قادرة على استقطاب أعداد كبيرة من الناخبين غير المنتمين إلى أحد المعسكرين. فمرشح المعارضة خبير اقتصادي يفتقر إلى بعض الدبلوماسية، أثار حفيظة الناخبين مراراً عبر تصريحاته المتعلقة بضرورة رفع راتب المستشار لأنه غير كاف بنظره، أو بمجموعة الصور التي نشرتها الصحف، ويظهر فيها رافعاً إصبعه الوسطى كرد بلغة الجسد على بعض الانتقادات، وذلك في مقابلة مصورة يجيب فيها الشخص عن أسئلة محددة بتعبيرات جسدية غير محكية.
ففيما بنى الاتحاد المسيحي حملته الانتخابية على شخصية المستشارة ميركل، وما حققته على مستوى أوروبا من حضور قوي لألمانيا، اعتمدت الحملة الانتخابية في المقلب الآخر على الحزب والجماعة وشعارات رنانة مثل «القرار لنا ونحن نقرر».
بغض النظر عن شخصية مرشح المعارضة، ومهما يكن من أمر، يبدو الحزب الاشتراكي راضياً عن نتائج الاستطلاعات، فهو يدرك تماماً عدم قدرته على حسم الانتخابات لمصلحته، وأنه لن يتمكن مع حليفه «الخضر» من الحصول على غالبية الأصوات، لذا فهو يراهن على تراجع شعبية «الليبراليين»، مما يعني أن الاتحاد المسيحي سيكون مضطراً إلى تأليف حكومة ائتلافية
معه.
وشهدت جمهورية ألمانيا الاتحادية في تاريخها تأليف حكومتين لما يسمى الائتلاف الكبير، الأولى (1966- 1969) برئاسة كورت غورغ كيسينغر، والثانية كانت عام (2005 - 2009) برئاسة أنغيلا ميركل، التي قد تجد نفسها مجبرة على خوض هذه التجربة مجدداً، وإلا فإنها ستؤلف حكومة أقلية غير قادرة على الحكم.