لم يُشغل الأميركيون ـــ كما فعل العرب ـــ بمسألة «مَن اتصل بمَن أولاً؟»، بل احتفلوا بحذر بـ «الاتصال التاريخي» بين الرئيسين الأميركي والإيراني. «خطوة تاريخية من شأنها أن تحدث تغييراً في العلاقات بين واشنطن وطهران»، على هذا أجمع معظم المحللين والمعلّقين الأميركيين منذ يوم الجمعة الماضي. ظروف ما حدث بعد ظهر ذلك اليوم كانت واضحة في الصحف الاميركية، وفق روايتين. الرواية الأولى تقول إن مسؤولين في البيت الأبيض أبلغوا الرسميين الايرانيين الموجودين في نيويورك رغبة الرئيس الاميركي لقاء روحاني، لكنهم «دهشوا» باقتراح الإيرانيين إجراء اتصال هاتفي بدلاً من اللقاء، ثم سارعوا الى ترتيبه.
أما الرواية الثانية، فتقول إنه قبل أن يغادر أعضاء الوفد الرسمي الإيراني أروقة الأمم المتحدة، بعثوا برسالة الى نظرائهم الاميركيين تفيد أن الرئيس حسن روحاني «منفتح للتحدّث مع الرئيس باراك أوباما هاتفياً قبل أن يغادر الأراضي الاميركية». سارع المعنيون الى نقل الرسالة الى البيت الأبيض، الذي رتّب اتصالاً هاتفياً دام 15 دقيقة بمشاركة مترجمين، تولّوا نقل مضمون الكلام بين طرفي الخطّ «كما تقتضي المخابرات الدبلوماسية العالية المستوى». هنّأ أوباما روحاني بفوزه في الانتخابات الإيرانية أولاً، ثم كان حديث مطوّل عن الأزمة النووية وكيفية حلّها. وعلى حسابيهما الرسميين على «توتير» أفرج الرئيسان عن بعض تفاصيل المخابرة بعد ساعات: «أعرب عن احترامي لك وللشعب الإيراني، وأنا مقتنع بأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران ستؤثر في المنطقة بأكملها. إذا استطعنا إحراز تقدم في الملف النووي، فذلك سينعكس إيجاباً على مسائل اخرى مثل سوريا... أتمنى لك رحلة آمنة ولطيفة، وأعتذر عن زحمة السير الخانقة في نيويورك» قال أوباما. فردّ روحاني بالفارسية: «في ما خصّ الملف النووي، أعتقد أنه، بوجود نية سياسية، هناك طريقة لحلّ المسألة سريعاً. ونتطلّع بأمل الى ما سيحدث خلال قمة الخمسة زائداً واحداً والى حكومتكم على نحو خاص في الأسابيع والأشهر القادمة. أشكر حسن الضيافة وأشكر اتصالك». يذكر أن أوباما أنهى مكالمته بوداع روحاني باللغة الفارسية، والرئيس الإيراني بادله بالمثل. مصادر داخل إدارة أوباما أضافت إن الحديث بين الرئيسين تطرّق الى مسألة المواطنين الأميركيين المسجونين في إيران أيضاً، وأشاروا الى أن قادة الكونغرس كما الحكومة الإسرائيلية أُعلموا بأمر الاتصال قبيل حدوثه. وفي الانطباعات الأولى، أجمعت بعض مصادر البيت الأبيض على أن أجواء الاتصال كانت «ودّية وبنّاءة».
«لم يتصافحا لكنهما عوّضا عن ذلك باتصال تاريخي» علّق عدد من الصحافيين الاميركيين على الحدث، مشيرين الى أن الاتصال الهاتفي «أعاد التفاؤل الى تقارب الطرفين في خضم المحادثات حول النووي الإيراني، بعدما كانت العزيمة قد تراجعت بسبب عدم حضور الرئيس الايراني مأدبة الامم المتحدة، حيث كان متوقعاً أن يلتقي أوباما ويصافحه».
«الاتصال هو خطوة رمزية فقط، لكنه يبقى تطوراً بالغ الأهمية في المواجهة بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الإيراني» كتب مايكل كراولي في مجلة «ذي تايم». كراولي عدّد الأسباب التي تعطي تلك الخطوة أهمية كبيرة، ومنها: أنها لم تكن لتحصل لو لم يوافق عليها المتشددون في النظام الايراني. السبب الثاني أن روحاني يسعى بذكاء إلى التخلص من العقوبات أو تخفيفها حتى لو لم يكن صادقاً بالكامل حول نيّته التخلص من برنامجه النووي. والتقدّم الثالث هو، حسب كراولي، تسهيل الدبلوماسية أمام أوباما بعدما تصاعدت الضغوط من قبل الكونغرس والإسرائيليين بشأن ضرورة التوصل الى اتفاق دبلوماسي في أسرع وقت ممكن. لا يمكن التأكد من نوايا روحاني بعد، يقول الكاتب كما عدد كبير من المحللين، لكن ما حصل أخيراً «يشير الى بداية القصة (الإيرانية ــــ الاميركية) لا الى نهايتها»، يردف كراولي.
هل هو انتصار للدبلوماسية إذاً أم هي حيلة ذكية اخرى من الإيرانيين؟ لم يستطع المحللون الاميركيون الإجابة عن ذلك، وخصوصاً أن العمل على الخطوات المقبلة ما زال قيد الإعداد وهو يجري في سرية تامّة.
والى جانب المتفائلين برز المشككون المعتادون، الذين حذّروا من «الوقوع في الفخّ الإيراني»، ودعوا أوباما الى «التيقظّ» و«الحذر» من «حيلة إيرانية» ما قد تبقي البرنامج النووي الإيراني مع تقديم تنازلات بسيطة من قبل طهران، ومع تعريض علاقات واشنطن بحلفائها الخليجيين والإسرائيليين لأزمة جديدة.
وعن هذه النقطة تحدّثت مديرة مكتب «ذي نيويورك تايمز» في القدس المحتلة جودي رودورن، التي قالت إن اتصال أوباما ــــ روحاني كان بالنسبة إلى إسرائيل والسعودية كمن «اكتشف أن أعزّ أصدقائه يغازل غريمه الأول».
رودورن لفتت الى «ردّ الفعل الحذر» والسلبيّ الذي استقبل به الإسرائيليون والخليجيون خبر الاتصال الرئاسي الأميركي ـــ الإيراني، والخشية التي أبدوها من «تهديد رهيب» يتمثّل حتى في «إيران غير نووية لكن مستعيدة قواها الاقتصادية بعد رفع العقوبات عنها ومنخرطة على نحو أساسيّ في السياسة بعد إحياء علاقاتها بالولايات المتحدة». رودورن تنقل تعليق أحد الأكاديميين الخليجيين، الذي شبّه الاتصال بين أوباما وروحاني بـ «سقوط جدار برلين»، وقول الصحافي السعودي «المقرب من العائلة الحاكمة» جمال الخاشقجي إن «هناك خوفاً بل رهاباً من اتفاق سري حصل بين واشنطن وطهران، يسمح للأخيرة باستكمال سياستها التوسعية والعدائية». مقال الـ «تايمز» يشير أيضاً الى تعليق أحد المحللين في الامارات العربية المتحدة، الذي تحدّث عن «سذاجة أوباما التي ظهرت في تعامله مع الإخوان المسلمين ومع بشار الأسد والآن مع إيران».
معظم الإعلام الاميركي واكب أيضاً عودة روحاني الى طهران، والانقسام الذي بدا في الشارع الايراني حول ما جرى في نيويورك. مقال في «ذي نيويورك تايمز» من طهران، نقل تندّر الإيرانيين بشأن الاتصال التاريخي بين روحاني وأوباما ممازحين بأنه، في النهاية، اتصال «بين حسن وحسين»!



يمكنكم متابعة صباح أيوب عبر تويتر | SabahAyoub@