ليوناردا ديبراني هو اسم الفتاة التي جلبت الم الرأس الشديد للحزب الاشتراكي الفرنسي. فتاةٌ لم تتعدّ الخامسة عشرة من عمرها، اقتادتها الشرطة الفرنسية من باص مدرستها في باريس كما يلقى القبض على أسوأ المجرمين، في واحدٍ من أبشع المشاهد العنصرية. قرار ترحيل عائلة ليوناردا أثار جدلاً واسعاً داخل الحزب الاشتراكي، إذ إن وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالز اشتراكيٌّ منذ العام 2002، و ما حصل مع الطالبة المطرودة ينافي ما ينادي به الاشتركيون من مساواة وحسن معاملة للأجانب و الغجر. نزل المحتجون الذين يتخللهم الكثير من طلاب المدارس إلى الشارع تعبيراً عن استيائهم وعطّلوا عمل 14 مدرسة داخل باريس، متهمين فالز بالعنصرية. لم يعد خافياً على أحد الشرخ الذي بدأ بالظهور بين قيادة الحزب الاشتراكي وبين مناصريه، بل إن بعض السياسيين الفرنسيين وصفوا الحزب الاشتراكي بالحزب المصاب بانفصام الشخصية. «فـ«فالز» اليساري، و في مفارقةٍ غريبة، بات محبوباً من جانب اليمينيين مسجلاً نسبة تأييد مرتفعة بلغت 70% في صفوف مناصري الأحزاب اليمينية بحسب صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، في حين تتدهور شعبيته داخل حزبه. انفصام الشخصية هذا الذي يعاني منه الحزب الاشتراكي وضع قيادته في صورة الديكتاتور أمام مناصريه الذين طالبوا بإعادة الطالبة وعائلتها إلى فرنسا. ورفض المحتجون رفضاً قاطعاً طريقة التعامل التي تعرضت لها ليوناردا واصفين إياها بـ«اللا إنسانية». وصرح المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الفرنسي كلود بارتولون: «هناك قوانين ولكنْ هناك أيضاً قيم علينا ألا نساوم عليها».
ويغيب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن هذه القضية، فلم تسجل له أي تصريحات إزاء هذا الحدث المهم. والجدير بالذكر هو أن مسألة الغجر أو الـ«روم» كما يطلق عليهم في فرنسا هي من أكثر المسائل حساسيةً، و قد ساهمت المعاملة السيئة لهم من قبل هولاند بانخفاض نسب تأييده لدى الشعب الفرنسي حتى وصلت إلى 24% حسب إحصاء نشرته مجلة «لو بوان» الفرنسية الشهر الحالي، و هي أقل نسبة تأييد تسجل لرئيسٍ فرنسي.
على الصعيد الخارجي لن يجمّل هذا الحدث من صورة فرنسا التي أخذت تبهت في الفترة الأخيرة بسبب تدخلها العسكري في مالي العام الماضي، وإصرارها المبالغ فيه على الدخول في حملةٍ عسكرية ضد سوريا الشهر الفائت، ما أدى إلى ظهور الحكومة الفرنسية بصورة المتعطشة للحرب. و الآن تأتي مشكلة سوء معاملة الأجانب والغجر المقيمين على الأراضي الفرنسية لتزيد الطين بلة بالنسبة لهذه الحكومة. فوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس المشغول بالدعوة إلى نشر الحرية في سوريا والاسترسال في شرح كيفية معاملة اللاجئين السوريين، نسي أن في فرنسا مهاجرين يعانون الأمرّين بسبب العنصرية المتفشية. فابيوس الذي فتح أبواب اللجوء للسوريين الهاربين من جحيم الحرب في سوريا، ووعدهم بتسهيل قبول طلبات لجوئهم إلى فرنسا، بات الان محرجاً، فأي معاملةٍ سيلقى هؤلاء في فرنسا الداعمة للحرية؟ وهل سيتم إنزال أطفالهم من باصات المدارس على مرأى و مسمع المجتمع الفرنسي؟