إسطنبول | بعيداً عن اهتمامات الإعلام الخارجي، تشهد تركيا نقاشاً مثيراً قد يقرر مصير رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية التي تحكم البلاد منذ نهاية ٢٠٠٢. فبعد سلسلة من المعلومات التي تحدثت طيلة العامين الماضيين عن ملفات وصراعات جدية بين أردوغان وحليفه الإسلامي فتح الله غولن، انفجر هذا الخلاف هذه المرة علناً بعد قرار الحكومة إغلاق المعاهد الخاصة التي تهيّئ الطلبة لامتحانات الإعدادية والثانوية، أي دخول الجامعات. وتنتشر الآلاف من هذه المعاهد في جميع أنحاء تركيا، ويتردد اليها الملايين من الطلبة الذين يمكن كسبهم بطريقة ذكية الى جانب مجموعة غولن الدينية التي تملك حوالى خمسين في المئة من المعاهد المذكورة.
وتفيد تقارير أمنية بأن غولن، وهو زعيم طريقة دينية مقيم في أميركا، قد كسب أعداداً كبيرة من الأنصار عبر هذه المعاهد، حيث تغلغل هؤلاء في المرحلة اللاحقة الى مختلف مؤسسات الدولة، وخاصة الأمن والقضاء والى حد ما الجيش. واستطاع أردوغان من خلال دعم هؤلاء له إحكام سيطرته على مؤسسات ومرافق الدولة عندما كان غولن حليفاً استراتيجياً له طيلة الفترة الماضية.
واستفاد الطرفان من هذا التحالف الذي حقق لهما تفوقاً على أعدائهما في الجيش وباقي مرافق الدولة، لا سيما أن القضاة ووكلاء النيابة الذين حكموا على جنرالات الجيش كانوا من أنصار غولن وأتباعه.
ولفتح الله غولن شبكة واسعة من المصالح الاقتصادية والتجارية يقدر البعض حجمها بما لا يقل عن ٢٥ مليار دولار مدعومة بشكل واسع من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي تشن الآن هجوماً عنيفاً على رئيس الوزراء بسبب قرار إغلاق المعاهد، وتصفه بأنه ديكتاتوري.
ويعتبر البعض هذه التطورات مؤشراً لسلسلة من التغييرات المُحتملة في تركيا على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، بينما يربط آخرون ما يحدث الآن باحتمالات التغيير في السياسة التركية على الصعيد الداخلي،
وذلك باعتبار أن غولن مقيم في أميركا وتحدّث الإعلام سابقاً عن علاقاته الوطيدة مع جهات أميركية مختلفة، بما فيها بعض منظمات اللوبي اليهودي، وسبق له أن انتقد سياسات أردوغان في ما يتعلق بالتوتر مع إسرائيل.
وبرز الخلاف بين الرجلين حين انتقد غولن سياسات رئيس الحكومة، وخصوصاً حين اتهمه بالاستعجال في مواقفه المعروفة ضد سوريا.
ويرى آخرون أن ما يحدث الآن ليس إلا مؤشراً على احتمالات تغيير الموقف الأميركي المؤيد لأردوغان، والبحث عن بديل له، في وقت يقوم فيه وفد من حزب الشعب الجمهوري المعارض بزيارة لواشنطن الآن.
تكتسب كل هذه التطورات أهمية إضافية لأنها: أولاً جاءت قبيل الانتخابات البلدية التي ستجرى في آذار المقبل وستلحق بها الانتخابات الرئاسية في آب، حيث فشل أردوغان في مساعيه لتغيير الدستور وتحويل النظام في البلاد من برلماني الى رئاسي، إذ كان يسعى الى تسلم منصب الرئاسة بعد إضفاء صلاحيات عليه.
يربط البعض بين هذه المعطيات ومؤشرات الخلاف التركي ــ الأميركي بعد اتفاق وزير خارجية روسيا وأميركا سيرغي لافروف وجون كيري في ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية السورية وما أدى اليه هذا الاتفاق حول مؤتمر جنيف.
إضافة الى ذلك، بدت مقاربة السعودية تجاه الأزمة المصرية متناقضة مع المقاربة التركية التي تدعم جماعة الإخوان المسلمين.
لقد دفعت كل هذه المعطيات رئيس الوزراء التركي الى تحرك تكتيكي عاجل عبر مساعي المصالحة مع رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي، وطهران، حيث أراد أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو أن يرسلا عبرها وعبر بغداد إشارات جديدة الى دمشق وعواصم المنطقة الأخرى التي بدأت هي أيضاً بإعادة النظر في مجمل سياساتها الإقليمية والدولية، لا سيما بعد اتفاق كيري ــ لافروف.
يبقى هناك سؤالان أساسيان سيكون الرد عليهما كافياً لتقرير مصير التحركات الأردوغانية:
أولاً: هل سينتهي الصراع الحالي بين أردوغان وغولن وكيف؟ وماذا ستكون انعكاسات ذلك على معادلات السياسة الداخلية وبالتالي الخارجية؟
وثانياً: هل سيقنع أردوغان المالكي والرئيس الايراني حسن روحاني، ومن خلالهما الرئيس السوري بشار الأسد، وكيف، بصدقية نيّاته وقراراته بعد كل من قاله وفعله ضد الدول الثلاث.