دعاة شنّ الحرب على إيران على حالهم، منذ عهد الرئيس السابق جورج والكر بوش. يستعجلون قصف إيران اليوم قبل الغد بهدف تأمين حماية إسرائيل مهما كان ثمن الحرب باهظاً. ومن «اعتدل» بين هؤلاء، بات اليوم ينادي بتنفيذ ضربات عسكرية محددة على المواقع النووية الايرانية والقيام بعمليات سرية كاغتيال العلماء وتفجير بعض المحطات. أما الفرضية التي عادت إلى الظهور، فهي التي تقول بإسقاط النظام الايراني من خلال تضييق الخناق عليه اقتصادياً وتأليب الشعب داخلياً ضده.

ويكفي أن نطّلع على ما جاء في مداخلات المرشحين الجمهوريين للرئاسة الاميركية، خلال مناظرتهم الأخيرة، وبعض ما صرّحت به مصادر استخبارية، لنتعرّف إلى تلك السيناريوهات التي بدأ يتناولها الاعلام الاميركي عن قرب. وفي المقابل، تبرز أيضاً بعض الآراء المعاكسة، التي تبيّن فشل أي هجوم عسكري على إيران وتنتقد سيناريو إسقاط النظام الايراني.
بداية مع قارعي طبول الحرب. “حان وقت الهجوم على إيران"، يقول مستشار وزير الدفاع للشؤون الايرانية بين عامي ٢٠١٠ و٢٠١١، ماثيو كرونيغ، في مجلة «فورين أفيرز». كرونيغ يدعو الى تنفيذ ضربات عسكرية على إيران، وينتقد بشدّة من يعارض ذلك. ويقول «هؤلاء لا يقدّرون حجم الخطر الذي تشكّله إيران النووية على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، ويظنون، مخطئين، أن الدواء أسوأ من الداء». وبنظر كرونيغ «إن تنفيذ هجوم دقيق يدمّر النووي الايراني سيزيل خطراً حقيقياً عن المنطقة وعن العالم، كما سيحسّن، على المدى البعيد، الأمن القومي الأميركي».
«الضربات الجوية على إيران لها مبرراتها»، عنوان مقال ماكس بوت على موقع «كومنتري». بوت يردّ على من يعارض خيار ضرب المنشآت النووية الايرانية. ويقول «نحن لا نتحدّث عن ضرب لوكسمبورغ بل إيران التي طالما دعمت المجموعات الارهابية وخطفت مواطنين أميركيين وتشكل تهديداً على جيرانها وتطور سراً برنامجاً نووياً، لذا فإن ضربها مبرر». وعلى من يؤكّد أن ضرب المنشآت لن يمنع إيران من إعادة العمل على برنامجها النووي، يردّ الكاتب بالقول «إذا عاودت إيران تطوير النووي، وهذا أمر صعب، فسنقصفها مجدداً». بوت عرض منافع الخيار العسكري، وقال «أمور كثيرة ستحدث بعد نجاح الهجوم، ومنها تغيير النظام لا عن طريق الغزو بل بقوة الشعب الايراني نفسه». ويشرح أنه بعد تدمير البرنامج النووي الايراني «سيتنبه الايرانيون الى كل المآسي التي يعيشونها في ظل نظامهم الحاكم كالقمع وانعدام الفرص الاقتصادية»، كما سيساهم تدمير النووي، «بكسر هالة الخوف التي يحيط النظام الديني نفسه بها مدعياً أنه نظام لا يقهر ولا يهزم».

أوباما يريد إسقاط النظام؟

مخطط تغيير النظام في إيران، أشارت اليه سوزان مالوي في مجلة «فورين أفيرز»، مبيّنة كيف «تنزلق واشنطن نحوه». مالوي تنطلق من مبدأ أن العقوبات الاميركية الأخيرة، التي أعلنها باراك أوباما على المصرف المركزي الإيراني، «لها نتائج عكسية»، فهي «تعلن نهاية نهج سياسي أميركي استمر منذ ١٩٧٩ والذي يعتمد على قوة الضغط والاقناع، كما تغلق الباب على أي فرصة تفاوض أو حوار أميركي ـ إيراني بشأن النووي». فالقانون الأميركي الجديد الذي يرسي العقوبات على المصرف المركزي الايراني لا يحدد شرطاً لرفعها، اذاً هو، حسب مالوي، يبقي الضغوط على النظام الايراني الحالي قائمة الى أجل غير مسمّى. وهو ما تتخذه الكاتبة دليل اًعلى أن واشنطن متجهة الى إنهاء الأزمة النووية من خلال تغيير النظام في إيران، وليس من خلال التفاوض أو الهجوم العسكري. «لا يريد أي من الطرفين أن يخوض حرباً. لا الولايات المتحدة التي سعت جاهدة لإنهاء حروبها في المنطقة ولا إيران التي تفضّل، كالعادة، العمليات الارهابية والحرب بالوكالة»، تشير مالوي. لذا، تستنتج مالوي، «ما سنشهده في الفترة المقبلة، هو صراع بارد طويل، حيث ترتفع حدّة اللهجة بين الطرفين وتزداد اللعبة الدبلوماسية قساوة».
وفي السياق، برز نقل صحيفة «ذي واشنطن بوست» عن «مسؤول استخباري أميركي رفيع المستوى» قوله إن «هدف العقوبات على إيران هو انهيار النظام»، الأمر الذي نفته مصادر البيت الأبيض للصحفية.
وهنا، حاول بلايك هاونشل، في مجلة «فورين بوليسي»، أن يوضح «ملابسات» الكلام عن إسقاط النظام الايراني، واستند الى نفي المصادر الرئاسية ونفي المستشار السياسي دينيس روس أي مخطط لقلب النظام الايراني. هاونشل استشهد بمن يقولون إن «الادارة الاميركية تأمل أن تُحدث العقوبات شرخاً في الداخل السياسي الايراني»، ليشرح بأن ذلك لا يعني التخطيط لإسقاط النظام في إيران. لكن الكاتب، في المقابل، يبرر لأوباما نيّته تلك، إن وجدت، «لكونه يخضع لضغوط كبيرة من قبل الجمهوريين الذين يلومونه على ضعف مواقفه من إيران وعدم جدوى خططه لإيقاف برنامجها النووي».

الحرب فاشلة والتغيير وهم

لكن لماذا لا ينبغي تبنّي الخيار العسكري ضد إيران ولماذا يعدّ مخطط إسقاط النظام الايراني وهماً ومهمة مستحيلة؟
أولاً، في الخيار العسكري، يشرح المحللان الأمنيان إلبريدج كولبي وأوستن لونغ، في مجلة «ذي ناشيونال إنترست»، الأسباب الموجبة لذلك وهي: غياب المبرر القوي والملموس لشنّ هجمات على بلد آخر وعدم وجود تصوّر واضح حول كيفية انتهاء الأمور؟ هل ستمنع الهجمات العسكرية إيران من إعادة تطوير برنامج نووي آخر في المستقبل؟ كيف ستتصرف الادارة الاميركية حينها؟ هل تغزو إيران أم تستمر بتوجيه ضربات متتالية عليها وسط سقوط ضحايا وتدهور سمعتها في المجتمع الدولي؟ ماذا لو قررت إيران إعطاء سلاحها النووي لحزب الله مثلاً؟ ماذا عن موقف الدول الكبرى مثل روسيا والصين؟
أسئلة اخرى، برزت في مقال الكاتب ميكا زنكو في «مجلس العلاقات الخارجية»، وفي افتتاحية «لوس أنجلس تايمز»، مثل: هل المعلومات الاستخبارية المقدمة لأوباما دقيقة بما يكفي لإصدار أوامر شنّ حرب؟ هل تحدد فعلياً كافة المنشآت النووية السرية وغير السرية على الاراضي الايرانية؟ ما البراهين التي ستقدَّم لإقناع الاميركيين بضرورة ضرب إيران عسكرياً؟ وأخيراً... هل قرر القادة الايرانيون حقّاً المباشرة بتطوير سلاح نووي؟
ثانياً، في ما يتعلّق بإسقاط النظام الحالي في إيران. يوضح الكاتب هومان مجد، في «فورين أفيرز» من إيران، مدى تمسك المجتمع الايراني بالنظام القائم والتفافه حول رموز الثورة ومرشدها وحرسها ومبادئها. «من يعش في إيران يجد صعوبة في فهم ماذا تريد القوى الغربية أن تحقق هناك»، يقول الكاتب، مشيراً الى أن «النووي الايراني هو مسألة وطنية جامعة بين الايرانيين بكافة انتماءاتهم، لذا فإن زيادة العقوبات المصرفية والاقتصادية لن تؤثر بشيء على تمسك الايرانيين ببرنامجهم النووي». أضف الى ذلك «غياب المعارضة الايرانية عن الساحة السياسية والشارع»، فـ«الثورة الخضراء» غير موجودة سوى في الاعلام الغربي، والايرانيون غير مكترثين بمصير زعماء تحركات ٢٠٠٩، «حتى أن بعض من انتخب مير حسين موسوي في الماضي مستعد لانتخاب اسفنديار رحيم مشائي هذه المرة». أما الصراع في إيران الآن، يشرح الكاتب، «فهو صراع رئاسي فقط بين بعض العائلات والرموز داخل كنف الثورة وتحت إشراف وقيادة المرشد علي خامنئي». وفيما يخلص مجد الى القول إن «الربيع العربي لم يصل بعد الى الشواطئ الفارسية»، يتحدث عن شعور لدى بعض الايرانيين باقتراب الحرب، ويقولون «يمكننا أن نشمّ رائحتها هذه المرّة».



الى الحضن اللاتيني

بعد التهديد بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، جاءت جولة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد على بعض دول أميركا اللاتينية لتشغل الصحافة الاميركية. وفيما أجمع معظم المعلقين على أن سبب الجولة هو «الضيق السياسي والاقتصادي الذي يعاني منه النظام الايراني وحاجته إلى إعادة شحذ الدعم من حلفائه اللاتينيين المعادين للسياسة الاميركية»، سجّل البعض الآخر بعض الملاحظات. مايكل شيفتر، في «فورين بوليسي»، رأى أن محاولة النظام الايراني مدّ سلطته الى القارة اللاتينية مصيرها الفشل، لأن الدول اللاتينية، حسب شيفتر، تعيش زهوة انفصال سياساستها عن الولايات المتحدة ولا تريد أن تخضع لسلطة أي نظام خارجي. ويذكّر شيفتر بأن أغلب المشاريع التي وعد النظام الايراني بتنفيذها في الدول اللاتينية الحليفة لا تزال غير موجودة أو ناقصة. أضف الى ذلك أن بعض الدول اللاتينية الكبرى غير مستعدة لمقاطعة الولايات المتحدة بغية إرضاء إيران، مثل البرازيل والمكسيك، اللتين لم تشملهما جولة نجاد.