بروكسل | انتقلت رئاسة البرلمان الأوروبي إلى الكتلة الاشتراكية، بعدما تولّتها لسنوات كتلة اليمين والمحافظين (حزب الشعب الأوروبي). وبموجب اتفاق بين الكتلتين البرلمانيّتين الكبريين، أسندت الرئاسة إلى النائب الألماني مارتن شولتز، الذي يعرف جيداً كواليس البرلمان الأوروبي، لوجوده فيه دون انقطاع منذ انتخابه لأول مرة عام 1994. رئيس البرلمان الأوروبي الجديد بدأ حياته بائع كتب، ولا يزال قارئاً شغوفاً. كما اشتهرت مسيرته في البرلمان الأوروبي بمداخلاته المشاكسة التي جلبت له الكثير من العداوات السياسية، سواء مع ممثلي اليمين كرئيس الحكومة الإيطالية السابق سيلفيو برلوسكوني، أو رموز اليسار كزعيم حزب الخضر الأوروبي، دانيال كوهين ـــــ بنديت. وقد اعتاد الرجل التردُّد باستمرار على القاعات المخصصة للصحافيين، خلال انعقاد القمم الأوروبية، حيث تجد أفكاره وانتقاداته لما يجري داخل القاعات المغلقة بين رؤساء الدول والحكومات الأوروبية صدى إعلامياً كبيراً.
وتتوجه الأنظار إلى القمة الأوروبية المرتقبة في 30 من الشهر الجاري، لاكتشاف الأداء الذي سيظهر به أول رئيس يساري للبرلمان الأوروبي، وما سيطرحه من أفكار ومبادرات، وخصوصاً في ما يتعلق بمواجهة تبعات الأزمة المالية والاقتصادية، إضافة إلى أن استحقاقات كثيرة تنتظره في الأشهر المقبلة للبحث في سبل دعم الاستثمار وخلق فرص العمل واستعادة النمو الاقتصادي في القارة العجوز. شولتز سيجد نفسه أمام تحديات كبيرة، من أبرزها البحث عن تعزيز صلاحيات البرلمان الأوروبي الذي يعاني التهميش منذ تأسيسه من قبل المفوضية الأوروبية، رغم أنه أسهم إسهاماً فاعلاً، كمؤسسة منتخبة اتحادية، في تقوية الصرح الأوروبي. ويعيب شولتز على «تكنوقراط المفوضية» عدم سماحهم للبرلمان الأوروبي بتأدية كامل الصلاحيات التي نصت عليها «اتفاقية لشبونة» الأخيرة، بدليل أن القرار الأوروبي لا يزال يعاني من هيمنة «الهيئات التنفيذية»، كالمفوضية و«المجلس الأوروبي» والحكومات الوطنية لدول الاتحاد. وتقع على عاتق مارتن شولتز مسؤوليات كبيرة، أهمها إيصال رأي الاشتراكيين الأوروبيين إلى مراكز القرار الأوروبية، بعد استحواذ اليمين عليها لعقود. وتختلف نظرة اليسار الأوروبي للسياسات التي يجب اعتمادها لمعالجة الأزمة الاقتصادية، فيساريو القارة يعارضون اعتماد القوى اليمينية على سياسات التقشف، من دون الالتفات إلى عواقبها الاجتماعية بالنسبة إلى الفئات الأوروبية المحدودة الدخل، الضحية الأولى للأزمة. ويُعتبر شولتز من الرموز اليسارية المنادية بسياسات اقتصادية أكثر إنصافاً، والمطالِبة بجعل «المتسببين الحقيقيين في الأزمة» هم من يدفع الثمن، كالمصارف والأسواق المالية.
وعلى صعيد السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، يشتهر شولتز، منذ ترؤسه الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي، على مدى سنين، بموقف أكثر انتصاراً للقضايا العربية؛ فتحت إشرافه احتضنت الكتلة الاشتراكية حركات التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني. وشولتز هو من أيّد مبادرات التضامن المتعددة التي أطلقتها زعيمة الحزب الاشتراكي البلجيكية، فيرونيك دو كايزر. كما أسهم الرجل في فتح أبواب البرلمان الأوروبي لاستقبال العديد من رموز المعارضة السورية، للتعبير عن رأيهم ومواقفهم تحت قبة البرلمان الأوروبي.