يبدو أنّ اليوم سيكون محطّة مفصلية في العلاقات التركية ــ الفرنسية، إذ إنه يتوقع أن يشهد تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على القانون الذي سبق للجمعية الوطنية الفرنسية (إحدى غرفتي البرلمان الفرنسي) أن أقرّته الشهر الماضي، والذي يجرّم إنكار حصول الإبادة الأرمنية عام 1915، وهو نص عرضه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وتسبب بأزمة خطيرة بين فرنسا وتركيا. ولم تكن الضغوط التركية كافية لإقناع المسؤولين الفرنسيين بالعدول عن قرار التصويت، على ما يسمّيه البعض «القانون الانتخابي»، إذ يظنّ مراقبون أنّ قرار التصويت وتوقيته يعودان إلى مصالح انتخابية مرتبطة باللوبي الأرمني القوي الموجود في فرنسا، الذي ستكون كلمته مهمة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة بعد نحو 4 أشهر، وخصوصاً أن المواطنين الفرنسيين المتحدرين من أصل أرمني يبلغ عددهم نحو 600 ألف شخص. ويقضي النص المطروح بفرض عقوبة بالسجن سنة، وبدفع غرامة بقيمة 45 ألف يورو لمن ينكر الإبادات التي يعترف القانون الفرنسي بحصولها، وبينها الإبادة الأرمنية. ورغم تعبئة نحو 15 ألف أوروبي من أصل تركي، أول من أمس، في شوارع باريس، وتهديدات الحكومة التركية بفرض موجة ثانية من العقوبات «الدائمة» ضد فرنسا، فإن التقديرات تشير إلى أن مشروع القانون سيمر اليوم في مجلس الشيوخ بعدما اعتمده النواب في الجمعية الوطنية في 22 كانون الأول الماضي.
ودعا وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو مجدداً أعضاء مجلس الشيوخ إلى رفض نص «يخالف حقوق الإنسان». وقال داوود أوغلو، بعدما ألغى زيارة كانت مقررة له إلى بروكسل تتمحور حول الملفين الإيراني والسوري، «لا تعتقدوا أن تركيا ستبقى صامتة، سيكون هناك عقوبات جديدة وهذه المرة ستكون دائمة حتى تغيِّر فرنسا موقفها». وتابع «آن الأوان ليدافع المثقفون الفرنسيون وأعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي عن قيمنا المشتركة، وهي حرية التعبير. إنها قيم أوروبية، وقيم فرنسية».
وكانت أنقرة قد جمّدت تعاونها العسكري والسياسي مع باريس إثر تصويت الجمعية الوطنية على القانون المذكور، وحذرت من سلسلة ثانية من اجراءات الرد التي يمكن أن تتخذها. وبحسب مصادر تركية، فإن حكومة رجب طيب أردوغان قد تخفض مستوى تمثيلها الدبلوماسي في فرنسا، وتنظّم رداً في المجالين التجاري والاقتصادي، كما يمكنها أن تتّخذ إجراءات انتقامية أخرى أكثر رمزية، كتغيير أسماء شوارع في أنقرة ومدن تركية أخرى تحمل أسماءً فرنسية.
ورغم التقديرات التي تفيد بأن القانون سيمر اليوم في مجلس الشيوخ الفرنسي، لا يزال هذا النص يفتقد الإجماع، بدليل أن وزير الخارجية آلان جوبيه انتقده، ووصفه بأنه «غير مناسب»، كما أن لجنة القوانين في مجلس الشيوخ رفضت يوم الأربعاء هذا النص، مشيرة إلى أنه «مخالف للدستور». غير أنّ الترجيحات بنجاح إقرار المشروع تنبع من كونه مدعوماً من كل من ساركوزي، ومن منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند.
يُذكَر أن وصول ساركوزي إلى قصر الاليزيه في 2007 أسهم جدياً في تضرر العلاقات التركية ــ الفرنسية، وخصوصاً أن ساركوزي ناشط جداً على خطّ الرفض التام لقبول تركيا عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)