باريس | أفرزت الهزة السياسية التي أحدثها قرار وكالة «ستاندارد أند بورز» بخفض التصنيف الائتماني لفرنسا، تحوّلاً جديداً في الاستراتيجية الانتخابية للفريق الموالي للرئيس نيكولا ساركوزي، تمثل في العودة إلى المراهنة مجدداً على الإسلاموفوبيا، بغرض اجتذاب أصوات اليمين المتطرف في انتخابات الرئاسة التي ستجري بعد أقل من 90 يومياً. وكان ساكوزي قد قرّر، مع مطلع العام الجديد، كبح تيارات «اليمين الشعبي» التي تُعَدّ الأكثر تطرفاً في الائتلاف الرئاسي الموالي له، وذلك بعدما توافقت آراء غالبية المحلّلين على أن مخزون الأصوات الذي سيرتكز عليه المعترك الانتخابي الرئاسي يتمثل في ناخبي الوسط ويسار الوسط. وتُرجم ذلك التحوّل في استراتيجيا ساركوزي الانتخابية من خلال عدد من المبادرات المُفاجئة، مثل إعلانه تأييده لزاوج المثليين، ووقوفه إلى جانب النقابات اليسارية التي طالبت بتحويل بعض الشركات المهددة بالإفلاس إلى تعاونيات يتقاسم العمال أسهمها.
لكن خفض التصنيف الائتماني لفرنسا قلب موازين القوى الانتخابية، حيث قفزت شعبية مرشح الوسط، فرنسوا بايرو، من 6 إلى 14 بالمئة في أقل من أسبوع. وبذلك اقترب بايرو من الثلاثي ساركوزي وهولاند (مرشح اليسار) ومارين لوبان (اليمين المتطرف). وبدأ بعض المحلّلين يرجحون أن بايرو سيكون بمثابة «رجل ثالث» مؤهل لخطف الرئاسة من مرشحي الحزبين اللذين يتقاسمان الحكم تقليدياً في فرنسا، أي الاشتراكيين والديغوليين.
وسمحت تنبيهات بايرو من آثار مشكلة الدين العام، وإصداره قبل عامين كتاباً مدوّياً حذّر فيه من عواقب السياسات التي اعتمدتها حكومة ساركوزي لمواجهة الأزمة المالية، بأن يكون المرشح الأكثر استفادة من الهزة الناجمة عن خفض التصنيف الائتماني، حيث التفَّت حوله غالبية أصوات تيارات الوسط ويسار الوسط. وبالتالي تراجع «المخزون الوسطي» الذي كان الرئيس ساركوزي يتطلع إلى استقطابه، الشيء الذي أعاده مجدداً إلى أحضان «اليمين الشعبي» المنادي بالتقرّب من ناخبي اليمين المتطرف. ويتزعم تيار «اليمين الشعبي» في الائتلاف الرئاسي الموالي لساركوزي، وزير النقل تيري مارياني. ويمثل وزير الداخلية، كلود غيون، أحد الرموز الأكثر تشدداً في هذا التيار. وكان لافتاً، فور منح الضوء الأخضر من قبل ساركوزي للفريق الانتخابي المحيط به لمغازلة ناخبي أقصى اليمين، أن وزير الداخلية غيون سارع إلى اللعب مجدّداً على وتر الإسلاموفوبيا، حيث أعلن خلال زيارة لمدينة مانت لاجولي المأهولة بغالبية من المهاجرين، أنه اتخذ «جملة من الإجراءات الحاسمة لمواجهة الإسلام الراديكالي». تمثلت تلك الإجراءات بقرار من وزارة الداخلية بطرد إمام تونسي من البلاد، حيث قال غيون إن «التقارير الأمنية أشارت إلى أن الإمام محمد الهمامي يتبنى خطاباً متطرفاً، حيث أطلق خلال مواعظه الدينية تصريحات معادية للسامية، ودعا إلى جلد النساء اللواتي تثبت عليهن تهم الخيانة الزوجية في فرنسا». وأعلن أيضاً حلّ «تنظيم سلفي متطرف» يدعى «فرسان العزة»، قائلاً إنه كان يعدّ لـ«عمليات مسلحة في فرنسا». لكن رئيس جمعية «فرسان العزة»، محمد الشملان، نفى أي منحى عنيف أو جهادي لتنظيمه، وقال إن نشاطاته «تقتصر على التضامن مع النساء المنقبات في فرنسا».