مع انطلاق موسم الحملات الانتخابية للرئاسة الاميركية، بدأت جردات الحساب لعهد باراك أوباما تُعدّ، والصحافيون الجمهوريون والمحافظون يتلذذون بتعداد «نقاط الفشل» وكشف الثغر وانتقاد السياسات التي اعتمدت على مدى أربع سنوات. العالم العربي، بما شهده من تغيرات وتحركات تاريخية، لم يغب عن الجردة الانتخابية تلك، بل استحوذ على الجزء الأكبر منها، رغم اعتراف الجميع بأن أولويات الحملات لهذا العام يجب أن تكون اقتصادية بحتة.

بعض الصحافيين حمّل أوباما مسؤولية «فشل الثورات العربية» وانتقالها الى يد الاسلاميين، البعض الآخر لامه على توقّف مفاوضات السلام وتوتر العلاقات مع بنيامين نتنياهو، آخرون بيّنوا «مساوئ» الانسحاب من العراق، وكثيرون انتقدوا طريقة تعامله «المتساهلة» مع إيران، حتى أن البعض استذكروا، بحسرة، أيام الرئيس السابق جورج والكر بوش، ونسبوا اليه «التنبّؤ بالربيع العربي»!
خلال عام الثورات العربية لم يكثر باراك أوباما الكلام، وبدا متردداً مع بداية التحركات، لا يقف الى جانب الثوار تلقائياً. حتى في الحرب على ليبيا، لم نره، كسلفه، يستعرض ويتلو الخطابات الحربية، لكنه نفّذ وفعل. وليس السبب لأن الرئيس الاميركي الديموقراطي غير مقتنع بما فعله، بل هو يهوى «الحرب الصامتة»، كما وصفها البعض، وانتقدوه عليها.
حالياً، ينقسم المحللون الاميركيون، بين مَن يقول إن السياسة الخارجية لا ينبغي أن تكون في قلب حملات أوباما الانتخابية، لأنها أولاً فاشلة، ولأنه يجب أن يركّز على الأزمة الاقتصادية في مشاريعه، وبين مَن يرى أن الرئيس قد يستخدم الشقّ الخارجي لصالحه في الدعاية الانتخابية.
والى جانب قتل أسامة بن لادن، والانسحاب من العراق، يحتل «الربيع العربي» الجزء الأكبر في بازار الانجازات والاخفاقات الاعلامي، حتى أن المحافظين الجدد نسبوا اليهم إطلاق فكرة الثورات العربية خلال عهد بوش السابق.
وفي هذه الأثناء، تواكب استطلاعات الرأي الانقسامات والقراءات، وتقوم بنشرها معظم وسائل الاعلام، وآخرها، لـ«سي بي إس نيوز» يظهر أن ٤٨٪ من الأميركيين المستطلَعين يؤيدون سياسة أوباما الخارجية. بينما كشف استطلاع آخر لـ«إي بي سي نيوز» أن «جزءاً كبيراً من المواطنين الاميركيين غير راضين عن سياسة الرئيس تجاه إيران».
جايمس ليندساي على موقع مجلة «فورين أفيرز» يقول إن «أوباما يمكنه الحديث عن السياسة الخارجية من موقع قوة، بعكس الملف الاقتصادي». ليندساي يستند الى الاستطلاعات التي تدعم فكرة أن الأميركيين بمعظمهم موافقون عن كيفية قيادة رئيسهم للسياسات الخارجية. وعن «فشل» أوباما حيال الملف النووي الايراني، ويرى أن «على الرئيس أن يكون حاسماً في موقفه من إيران، لكنه على الارجح سيميل الى خيار الدبلوماسية والحوار في هذا الشأن، وهنا أيضاً يمكنه أن يتباهى بأنه نجح بضمّ بكين الى جوقة المحذرين من النووي الايراني». نقطة إضافية لأوباما، يحتسبها له الكاتب، وهي سياسته الانسحابية من أفغانستان، وهنا يشير الى استطلاع «أو آر سي» الذي يظهر أن ٢/٣ من الأميركيين يعارضون الحرب على أفغانستان.
حتى بشأن الانسحاب من العراق، يرى الكاتب الاميركي أن أوباما يستطيع الردّ على انتقادات الجمهوريين له، بالقول إنه «أتمّ الانسحاب كما يجب، وسلّم العراقيين أمن وحماية بلادهم، وهو الامر الذي طالما أرادوه وطالبوا به».
لكن آخرين لا يشاركون ليندساي ايجابيته تلك، وينظرون الى الامور بعيون محافظة ساخطة على «سياسات ضعيفة وقرارات متهورة». هؤلاء، يرون أن الانسحاب الكلي من العراق، هو «خسارة كبرى للولايات المتحدة، وخصوصاً أن إيران هي التي ستفوز بالبلد». كذلك استراتيجيا أوباما في أفغانستان، إن من حيث سحب الجنود، أو من حيث تنفيذ اغتيالات عبر طائرات من دون طيّار، هي خاطئة. طبعاً، هم لا يعترضون على اغتيال من اغتيل، بل يشرحون أن أوباما «لم يترك مجالاً لفتح قنوات سياسية واقتصادية مع الرئيس الافغاني أو الباكستاني بعد تنفيذ الانسحاب العسكري».
«الربيع العربي» لنا
لكن ماذا عن ربيع الديموقراطية والحرّيات في العالم العربي؟
يتسابق بعض الصحافيين على نعي الثورات العربية، مركّزين على واقع أن الحكم انتقل من أنظمة قمعية الى أنظمة إسلامية متشددة. ويتهمون أوباما بأنه أخفق في كل خطوة اتخذها تجاه التحركات العربية.
مارتين بيريتز، في «ذي نيو ريبابليك»، تعلن أنها لا تحتفل بأي انجاز في العالم العربي. والسبب الاول لسخطها، هو «وصول الاسلاميين الى الحكم في مختلف بلدان الثورات، وانخداع بعض الصحافيين والسياسيين الأميركيين بوعودهم، ما يشكل خطراً حقيقياً على إسرائيل». «لطالما كانت توقعات الاميركيين من العرب بريئة»، تقول بيريتز. وتردف «وفي عهد أوباما انسحب ذلك على غير العرب أيضاً مثل الايرانيين والباكستانيين والافغان». «إن فكرة أن تحكم الدول العربية قوى علمانية هي مجرد وهم»، تعلّق الكاتبة، وتسأل «لماذا قد تتعاون واشنطن مع إسلاميين متشددين أو سلفيين في مصر مثلاً؟». وبنظر بيريتز، يجب على أوباما أن يعترف بأنه «قد أعجب وسُحر بالعالم العربي نتيجة لمعتقدين خاطئين: الاول هو توهمه بأن القادة العرب يحكمون بعقلانية وحسابات منطقية وليس بالقوة والفساد والزبائنية. والثاني هو اعتقاده مخطئاً أن فلسطين هي أساس المآسي العربية وأنه يجب على إسرائيل أن تتنازل للتوصل الى حلّ».
وعن الشأن الاسرائيلي ـ الفلسطيني، يشير الكاتبان ستانلي غرينبرغ وسوزان غلاسر، في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى»، إلى أن «من مصلحة أوباما أن يجمّد حالياً أي تحرك باتجاه إحياء مفاوضات السلام، فالأزمة الاخيرة مع نتنياهو قد أثرت على شعبية الرئيس الاميركي لدى الناخبين اليهود، كما يعقتد البعض، لكن لا شيء أكيد ومحسوم بعد».
اما عن إيران، فينقل الكاتبان عن مسؤولين كبار في الادارة الاميركية قولهم، إن «٢٠١٢ هو عام إيران»، لكنهما يشرحان أن أوباما سيتجنّب اتخاذ «أي خطوة تصعيدية الآن تجاه النظام الايراني قد تهدد برفع أسعار النفط العالمية وزيادة حدّة الازمة الاقتصادية في الداخل الأميركي».
أما المضحك المبكي، فهو محاولة صقور المحافظين الجدد تبنّي إطلاق الثورات العربية وتحرير الشعوب من الديكتاتوريات التي سقطت العام الماضي، رغم إبداء الحذر مما آلت اليه الأمور، في ما بعد. إليوت أبرامز، مستشار الأمن القومي ومساعد نائب الرئيس السابق جورج والكر بوش، كتب في «فورين بوليسي»، كيف أن «سقوط الحكام العرب أعلن عنه بوضوح قبل عام ٢٠١١ بسنوات». أبرامز استشهد بتقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية الصادر عام ٢٠٠٢ وبكلام بوش في أحد خطاباته عام ٢٠٠٣ وبكلام لوزيرة الحارجية السابقة كوندوليسا رايس، ليقول إن «طروحات المحافظين الجدد رأت منذ زمن أن نهاية القادة العرب القمعيين باتت وشيكة». لكن أبرامز، وبعد نسب مجد الثورات العربية الى تيار المحافظين الجدد الذي ينتمي اليه، يسأل بحذر: «هل ستحقق تلك الثورات أهدافها بنشر الديموقراطية والحقوق المدنية أم أنها ستشهد على عهد إسلامي متشدد وعودة الانظمة القمعية؟». أبرامز يجيب أن «المتشائمين لهم كل الحق في إبداء بعض التوجّس حول الحكومات العربية الجديدة، لكن لا شيء مستحيلاً، ربما علينا إعطاء الاسلاميين بعض الوقت لنرى كيف سيحكمون. وفي هذه الأثناء، يجب على الادراة الاميركية أن تتهيّأ للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وللحفاظ على حلفائها هناك، إذا باتت معرّضة للخطر».



«هنا تعيش القوة الخارقة»

المحافظون الجدد، مروّجو نظرية التدخل العسكري الوقائي لحماية أمن الولايات المتحدة، مستاؤون كثيراً من السياسة الدفاعية التي انتهجها باراك أوباما خلال فترة حكمه. توماس دونالي في مجلة «ذي ويكلي ستاندرد» يقارن بين اعتراف أوباما أن «الجيش الاميركي لم يعد يكفي لخوض حربين في نفس الوقت» وبين كلام كولن باول عام ١٩٨٩ عندما قال «اللوحة التي وضعناها على بابنا تقول هنا تعيش القوة الخارقة». دونالي يلوم التقاعس الذي أصاب السياسات الدفاعية «الذي سيؤثر على مكانة الولايات المتحدة في العالم، ودورها في تقديم الحماية لمصالحها وحلفائها من الديمقراطيات». الكاتب الذي يعبّر عن استهجان المحافظين الجدد خفض الميزانية الدفاعية، يظهر قلقاً حيال مستقبل «الشرق الاوسط الكبير». ويقول «لا أحد يعرف كيف ستنتهي الثورات العربية وعندها ما الذي سحلّ بمصالحنا وحلفائنا هناك، وخصوصاً بعد تمزّق الغطاء الامني الاميركي عن الشرق الاوسط الكبير».