طهران | إنها السادسة صباحاً. الحركة بدأت تدبّ في شوارع طهران، ومعها شمس تجاهد لتأخذ مكانها في السماء. البرد قارس. الحرارة تدنو من الصفر. الحافلات، ومعها طاقم التشريفات، تنتظر الضيوف في فندق «سيمورغ» ليجهزوا. الأشجار على جانبي الطرق عارية. الازدحام أخف وطأة من المعتاد. المذياع في السيارات تشغله قضية المخطوفين الإيرانيين في سوريا، وطبيعة الرد الإيراني على دعوة مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون لمحادثات «٥ + ١»، وما جرى ويجري في مضيق هرمز استعداداً لمناورات الشهر المقبل. الحافلات تتوقف أمام «برج الميلاد»، حيث مركز المؤتمرات الدولية.
الترتيبات تبدو أكثر تنظيماً من المؤتمرات السابقة. الحدث هنا. سبقه مؤتمر للنخب وسيليه مؤتمر للمرأة الإسلامية. على الأقل الحال كذلك بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية. مؤتمر للشباب ينظمه المجمع العالمي للصحوة الإسلامية، يفتتحه الرئيس محمود أحمدي نجاد ويختتمه اليوم المرشد علي خامنئي.
بات واضحاً أن الصحوة الإسلامية ليست مسألة عابرة في إيران. هي مفتاح تفسير كل ما جرى مذ أطلق محمد البوعزيزي ثورة الكرامة في تونس، وفي الوقت نفسه الإطار الذي تستشرف من خلاله المستقبل. هي بالتأكيد «صحوة إسلامية»، يجزم المعنيون في إيران، «بدليل انتصار الإسلاميين في كل مكان سقط فيه طاغية». وهي ليست أي صحوة: إنها امتداد للثورة الخمينية التي أطلقت الشرارة الأولى في إيران في ١٩٧٩. بل هناك إجماع على أن مآل هذه الصحوة الجديدة هو الالتزام بالنهج الخميني في السياسة: نصرة المستضعفين في الأرض في مواجهة الاستكبار العالمي، وأبرز رموزه الولايات المتحدة، والعداء المطلق لإسرائيل باعتبارها غدة سرطانية يجب استئصالها.
ومع ذلك هناك اختلاف في مقاربة هذه الصحوة بين فريقين: الأول يتوقع منها الآن ما أخذت إيران سنوات بعد الثورة لإنضاجه. أما الفريق الثاني فيرى أن صحوة اليوم تتطابق مع صحوة ١٩٧٩ حيث بلغ التنوع حدّاً كان هناك من يفاوض الولايات المتحدة باسم الجمهورية الإسلامية قبل أن يتضح النهج والمسار. لكنّ الفريقين يتفقان على أن الغرب أطلق معركة مفتوحة على هذه الصحوة التي يريد تدجينها وتوظيفها لمصلحته ومصلحة مشاريعه.
أما سبب تطوّع إيران لأداء هذا الدور فيبدو أنه جاء نتيجة لامتلاكها القدرة (الثروات الطبيعية والبشرية) والمعرفة (بكل أبعادها وبينها العلمية والسياسية والعسكرية...) وأهم من كل ذلك الرؤية. ولعل ما جرى في المؤتمر يوم أمس من أبرز التعبيرات عن هذه الأخيرة.
البداية من المدخل. لوحات كبيرة تحمل كل منها صورة أحد العلماء الذين اغتالتهم «أميركا وبريطانيا وإسرائيل» واسمه، ومقولة من أقوال الخميني. خمسة علماء حتى الآن: حسن تهراني مقدم. مجد شهرياري. مسعود عليم حمدي. داريوش رضايه نزاد. مصطفى أحمدي روشن.
في الداخل صورتان عملاقتان للخميني وخامنئي تتوسطهما شاشتان عملاقتان عمدتا خلال النهار إلى عرض كليبات عن الثورة الإيرانية وعن ثورات الربيع العربي، بينها واحد يصوّر كيف تهاوى الرؤساء العرب كأحجار الدومينو من زيد العابدين بن علي إلى علي عبد الله صالح، وكيف يؤمل أن يحصل الأمر نفسه مع ملكي الأردن والسعودية، ومنصة رئاسية يتوسطها مستشار المرشد علي أكبر ولايتي ومعه شخصيات يتقدمهم رئيس وزراء العراق الأسبق إبراهيم الجعفري والأمين العام لحركة الجهاد رمضان عبد الله شلّح والسيدان إبراهيم أمين السيد وعمّار الحكيم.
كلمة مقتضبة لولايتي الذي أعلن عن مؤتمر قريب للمرأة الإسلامية، تلتها كلمة طويلة لنجاد عرض خلالها رؤيته لهذه الصحوة: «الله خلق العالم ليكون في خدمة الإنسان، والإنسان كأفضل كائن ليكون مرآة لوجه الله. العدالة أهم عامل لتحقيق سعادة الإنسان وكماله، وهي أول المنطلقات. أما ثانيها فالحرية على قاعدة أن مسار الكمال يتّسم بالقيمة عندما يأتي مبنياً على الخيار الحر. العدالة والحرية تتحققان بأمرين: التوحيد، ذلك أن الظلم أساسه الشرك بالله. وحب الإنسان للإنسان ولله. وكلاهما مغيّبان، لأن الحاكمية في العالم لأناس غير صالحين هم أهل الاستكبار والاستعلاء الذين استعبدوا البشر وغرسوا الكيان الصهيوني المنحوس الذي يعتبر أساس مشكلتنا. ولذلك، نعيش اليوم حالة ثورية، المعيار فيها للتحقق من الالتزام بالعدالة والحرية: النزاهة والإيمان، وأن يكون المرء بنحو أصولي ومبدئي ضد وجود الكيان الصهيوني في المنطقة. فالديموقراطية لا تخرج من فوهة بندقية أميركا والمتحالفين معها الذين يعملون على إثارة الفتن والخلافات المذهبية والعرقية والإيديولوحية في المنطقة بهدف إنقاذ إسرائيل. نحن ندّعي الدفاع عن حقوق جميع الشعوب التي خلقها الله دفعة واحدة، لكنّ المستكبرين وضعوا حدوداً في ما بينها. العدالة والحرية لن تتحققا إلا بوجود حكومة عالمية تكون بيد الصالحين والمؤمنين. العدل المطلق بأن يتولى هذه الحكومة من يمثّل الله. وهو ليس سوى أحد أحفاد نبي الإسلام. الماركسية باتت شيئاً من التاريخ والليبرالية والرأسمالية على مشارف الانهيار. علينا أن نفكر في البديل. وهل ترون بديلاً أفضل من حكومة هذا الموعود، ليس للمسلمين فقط بل لجميع أبناء البشر؟».
اللافت أن الهتافات بدأت خلال كلمة نجاد بـ«الشعب يريد تحرير فلسطين» و«فلتسقط إسرائيل»، قبل أن تنتهي بـ«الشعب يريد وحدة إسلامية». كلمة معبّرة ألقاها الجعفري الذي كان يدير الجلسة الأولى في المؤتمر. تحدث عن «خريطة طريق» للثورات العربية، قائلاً إن ما حصل «بداية ثورة لا نهاية لها»، ذلك أن الثورة حركة عاصفة مستمرة ضد الفساد في كل شيء. وأوضح الجعفري أن المطلوب ليس فقط إسقاط الحاكم كما حصل، بل إسقاط الحكم، مقترحاً أن يكون شعار المرحلة المقبلة «الشعب يريد بناء نظام».



مفتّشو وكالة الطاقة في إيران



وصل وفد من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، برئاسة كبير مفتشي هذه الهيئة هرمان ناكيرتس (الصورة)، إلى طهران أمس، في مهمة تهدف إلى تسوية «قضايا عالقة» في البرنامج النووي الإيراني. وقبل أن يغادر فيينا متوجهاً إلى إيران في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، دعا ناكيرتس طهران إلى استئناف الحوار. وقال «ننتظر بدء الحوار بفارغ الصبر»، مؤكداً أنه «حوار كان يجب أن يبدأ منذ فترة طويلة جداًَ».
من جهته، قال رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، إن الزيارة تعتبر «اختباراً» لرغبة وكالة الطاقة في «تصويب موقفها» الذي تعتبره طهران منحازاً سياسياً ضدها. وأوضحت الوكالة أن البعثة تضم خصوصاً نائب الأمين العام للوكالة رافايل غروسي، مشيرة إلى أن المفتشين «سيزورون على الأرجح موقع فوردو» جنوب غرب إيران، حيث يقع ثاني مصنع لتخصيب اليورانيوم في البلاد. وأفاد دبلوماسيون في فيينا بأن مديرة الشؤون القانونية في الوكالة، الأميركية بيري لين جونسن، هي في عداد الوفد. وأعلن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، وفي أديس أبابا، أن سعيد جليلي سيوجه رسالة إلى وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون «يمكن أن يبعث بها في الأيام المقبلة».
(أ ف ب)