لقي ثلاثة سنغاليين مصرعهم في مواجهات متواصلة منذ أسبوع كامل في السنغال، إثر تزكية المجلس الدستوري السنغالي ترشيح الرئيس عبد الله واد الطامح إلى خلافة نفسه لولاية رئاسية ثالثة. وتشهد العاصمة داكار وبعض المدن الداخلية أحداث عنف ومناوشات بين قوات الأمن والمعارضة التي وصفت قرار المجلس الدستوري بأنه «انقلاب دستوري»، وتعهدت بمواصلة التصعيد ما لم يتراجع واد عن ترشيح نفسه. ووسط هذه الأجواء المتوترة، التي دفعت الجاليات الأجنبية إلى بدء الترتيبات لمغادرة السنغال، عززت السلطات الإجراءات الأمنية في محيط القصر الرئاسي، حيث انتشرت مدرعات الجيش وشاحنات شرطة مكافحة الشغب المزودة بالغازات المسيلة للدموع وقاذفات القنابل اليدوية والهراوات. تطورات توحي بمستقبل غامض للسنغال، التي ظلت حتى وقت قريب بمنأى عن العنف الذي عصف بعدة ديموقراطيات أفريقية ناشئة في المنطقة. وأدّت هذه الصدامات التي كانت العاصمة دكار مسرحاً أساسياً لها، إلى مقتل ممدو جوب، وهو طالب ماجستير من جامعة شيخ انتا جوب. وسارعت الشرطة السنغالية إلى نفي أي مسؤولية لعناصرها عن مقتله، وكذّبت بذلك الأنباء التي تم تداولها من قبل المعارضة، والتي أفادت بأن إحدى سيارات الشرطة قامت بدهسه فتسببت في إصابته بشكل خطير قبل أن يفارق الحياة. وقال مفوض الشرطة في العاصمة داكار، هارون سي، «لقد قمنا بفحص جميع سيارات الشرطة، ولم نجد أي آثار دماء عليها»، وجزم بأن الشرطة «لم تطلق النار في اتجاه أي من المتظاهرين». وتابع سي أن «ما لم يتحدث عنه أحد هو أن هنالك الكثير من المصابين في صفوف عناصر الأمن»، وطمأن إلى أن ذلك لن يمنع السلطات من أداء مهمتها في «حفظ النظام».وكان المتظاهر القتيل قد تعرض لإصابة أثناء اندلاع واجهات ما بين المتظاهرين وعناصر الأمن، ليفارق الحياة خلال نقله إلى المستشفى. وفي السياق، تحدثت وسائل الإعلام المحلية عن إصابة متظاهرة أخرى بعد دهسها من قبل شاحنة مسرعة، كما أصيبت سيدة أخرى تعمل مع المرشح الرئاسي، مصطفى انياس بجراح في الفخذ. وتطورت التظاهرات المناهضة لترشُّح الرئيس واد لولاية رئاسية ثالثة، مساء أمس، لتمتد الى عدد من الأحياء الشعبية في العاصمة، بعدما كانت محصورة بساحة لوبيليسك التي تعتصم فيها «حركة ٢٣يونيو» المعارضة في وسط المدينة. وكانت أحداث العنف بين المتظاهرين ورجال الأمن قد انطلقت يوم الاثنين الماضي في بودور، وذلك في منطقة سينلوي (شمال غرب السنغال)، وأدت إلى سقوط سبعة جرحى توفي اثنان منهم في المستشفى، وهما متظاهر في السابعة عشرة من العمر، وسيدة ستينية كانت تمر بالصدفة بالقرب من مكان التظاهرات أثناء الاشتباك مع عناصر الأمن.
ورفض المجلس الدستوري جملة من الطعون التي تقدمت بها أحزاب المعارضة ومرشحو الرئاسة لإبطال ترشيح الرئيس واد. في المقابل، رُفض ترشيح الفنان يوسو ندور ومرشحين معارضين آخرين. وقد سعى المجلس الدستوري لاستعجال إغلاق الملف، بعد تأكيده للقرار الذي أصدره يوم الجمعة الماضي، والذي كان سبباً في اندلاع أحداث عنف غير مسبوقة تسببت، خلال ليلة السبت الماضي. في مقتل أحد عناصر الشرطة وإحراق بعض المكاتب والمقار الرسمية. وقد ترافق ذلك مع حملة اعتقالات واسعة في صفوف المحتجين زادت من نقمة المتظاهرين.
وكانت المعارضة السنغالية قد توعّدت بأن تجعل من السنغال «بلداً يصعب حكمه» إذا ظل عبد الله واد مصراً على الترشح لولاية ثالثة، ولفتت إلى أن القرار الذي اتخذه المجلس الدستوري هو في حقيقته «انقلاب دستوري»، وبناءً عليه، تعهدت بمواصلة «المقاومة الوطنية ضده».
وكان الرئيس عبد الله واد قد أطلق نداءً عبر التلفزيون الرسمي، دعا فيه إلى التزام الهدوء، وتعهد بأن تكون الانتخابات «حرة ونزيهة»، وقال واد «كفّوا عن هذا السلوك الفظ الذي لن يؤدي إلى شيء». وفيما تريثت فرنسا، التي تدعم واد، في التعليق على الأحداث، اكتفت واشنطن بالاعراب عن قلقها. وأشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، إلى أن واشنطن تحترم العملية السياسية والشرعية في السنغال. وأوضحت نولاند أن رسالة واشنطن إلى الرئيس واد هي دعوته إلى إفساح المجال للجيل الجديد، على قاعدة أن «من الأفضل أن يتنازل واد عن ترشيحه لخوض الانتخابات الرئاسية، وتكريس مبدأ التطاول السلمي على السلطة».