قبل نحو ستة أشهر من دخول قرار دول الاتحاد الأوروبي بفرض حظر على النفط الإيراني حيز التنفيذ (في مطلع تموز المقبل)، بدأ سياسيون وخبراء دوليون يتحدثون عن حجم الأذى الذي قد يصيب الاقتصاد العالمي، بينما تدفع بعض الدول ضريبة موقف الولايات المتحدة المتشدد من مواصلة طهران لبرنامجها النووي.
فرغم اعلان وزير النفط السعودي، علي النعيمي، أن بلاده (أكبر بلد منتج للنفط في العالم)، مستعدة لتلبية أي زيادة في الطلب على النفط الخام من الدول المستهلكة في حال توقف ضخ النفط الايراني الى هذه الدول، وذلك عن طريق رفع مستوى الانتاج من عشرة ملايين برميل يومياً إلى 12.5 مليون برميل، لا تزال الدول الأوروبية في حيرة من أمرها بخصوص إيجاد بديل عن النفط الإيراني عالي الجودة، ولا سيما أن بعض المحللين يشككون في قدرة الرياض على الانتاج المُستدام لكميات أعلى من 10 ملايين برميل يومياً.
الأنكى من ذلك، أنه في حال تنفيذ طهران لتهديدها بوقف ضخ النفط فوراً كإجراء استباقي (وفقاً لمشروع قانون لدى مجلس الشورى الإسلامي)، فإن أوروبا ستعاني نقصاً في النفط الخام، وخصوصاً أنها لا تزال في مناخات فصل الثلوج والبرد القارس، الأمر الذي قد يدفع المواطنين الأوروبيين الى الضغط على حكوماتهم من أجل خرق هذا الحظر او الالتفاف عليه. فضلاً عن أن حظر النفط هذا، الذي تزامن مع وقف التعامل مع البنك المركزي الايراني، «سيؤدي الى ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمي وبالتالي الى المزید من تدمیر الاقتصاد الغربي الضعیف»، حسبما يرى الخبیر الأميركي ستیفن لندمان.
وفي وقت لا تزال فيه معظم الدول الآسيوية، وأهمها الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند، تعارض أو تتحفظ على مقاطعة النفط الإيراني، أكد رئیس اللجنة الثقافیة في مجلس الشورى الإسلامي، النائب غلام رضا حداد عادل، لوكالة «إرنا» أن إیران لا تصدّر إلى أوروبا سوى 18 في المئة من نفطها، ما يعني أن كميات أخرى من هذا النفط تذهب الى غير اوروبا ستستمر ايران في ضخها. الا أن العقوبات الجديدة، التي طاولت القطاع المالي الإيراني، ستزيد عملية السداد تعقيداً من جانب مستوردين آسيويين قد يلجأون الى وسطاء في الشرق الأوسط، كما فعلت الهند بتوسيط مصرف تركي لتسديد اثمان ما تستورده من النفط الايراني.
عادل يشير إلى أن «ايران كان لها تعاون مع اسبانيا واليونان وايطاليا، وهي دول مثقلة بالديون في كتلة اليورو»، منوهاً إلى أن «ايران يمكن ان تصدّر هذه الكمية إلى روسيا التي تدعمها سياسياً ولا تؤثر عليها مقاطعة أوروبا اقتصادياً على الاطلاق، لأن تعاملاتها محدودة مع تلك الدول».
أما المحللة السیاسیة في صحیفه «دي بريسه» النمساویة، هلامار دامس، فقد حذرت من أن القرار الأوروبي من شأنه أن یترك عواقب لا تُحمد عقباها علی الاقتصاد الأوروبي المتأزم وعلى العالم أجمع.
وفي السياق نفسه، حذّر المدیر العام لقسم الشرق الأوسط لاتحاد الصناعة الایطالي، بیرلویغي داغاتا، من «أن فرض حظر جدید علی إیران بإمكانه ان یؤدي الی اغلاق بعض الشركات الایطالیة التي تتعامل معها»، حسبما نقلت عنه صحیفة «ایل سوله». واذا ما عدنا الى الأرقام يتَبيَّن أن طهران تبيع 20 في المئة من نفطها إلى الاتحاد الأوروبي و65 في المئة إلى آسيا، وفقاً لتقرير الوكالة الدولية للطاقة (احصاءات الفترة الممتدة بين كانون الثاني وايلول 2011)، نشرته وكالة الصحافة الفرنسية في 23 الشهر الماضي.
ويفيد التقرير بأن طهران تبيع نحو 600 ألف برميل يومياً إلى الدول الأوروبية، فيما تصدّر القسم الأكبر من نفطها الى آسيا وعلى رأسها الصين. وتتوزع حصص استيراد النفط الإيراني على الدول الأوروبية على الشكل الآتي، حسبما يوضح تقرير الوكالة الدولية: إيطاليا (185 الف برميل في اليوم أي 13 في المئة من استهلاكها من النفط)، وإسبانيا (161 ألف برميل يومياً أي 12 في المئة من استهلاكها)، واليونان (103 آلاف برميل في اليوم أي 30 في المئة من استهلاكها). أما فرنسا فتستورد 58 ألف برميل فقط في اليوم من النفط الإيراني ما يغطي 3 في المئة من احتياجاتها. ويذهب الباقي الى الدول الأوروبية الأخرى بكميات قليلة لكل منها.
اللافت أن الدول الثلاث الأولى، التي تعاني أزمات اقتصادية خانقة، تستورد وحدها 75 في المئة من اجمالي صادرات النفط الإيراني إلى أوروبا.
ومن الواضح أن الدولة الأخرى من خارج الاتحاد الأوروبي، والتي تستورد كميات كبيرة من النفط الإيراني، هي تركيا التي رفضت على لسان مسؤوليها الالتزام بقرار الحظر، إذ تشتري 196 ألف برميل في اليوم، ما يمثل 30 في المئة من استهلاكها النفطي و8 في المئة من إجمالي الصادرات الإيرانية.
انطلاقاً من هذا الواقع، ثمة زبائن آخرون للنفط الإیراني موجودون في مختلف أنحاء العالم وسیقومون بسد الفراغ الناجم عن الحظر الأوروبي، وفي نهایة المطاف سیواجه الأوروبیون أزمة الطاقة وسیتضررون هم من حظر شراء النفط الإیراني، حسبما يرى وزیر الخارجیة الهولندي السابق بن بوت، في تقرير نشرته وكالة الأنباء الايرانية (إرنا).
لعل أهم هؤلاء الزبائن، الصين، التي تستورد 550 ألف برميل في اليوم، أي ما يقرب من حصة الدول الأوروبية قاطبة. وبدا الموقف الصيني صلباً لجهة استمرار التعاون مع إيران، فرغم جولته الخليجية التي شملت السعودية والإمارات وقطر أخيراً لبحث إمداد بلاده بالنفط الخليجي، أكد رئيس الوزراء الصيني وين جياباو، أن بلاده ستواصل شراء النفط الإيراني. لكن المفارقة أن بكين تقوم منذ 3 أشهر بخفض وارداتها من النفط الخام من إيران بنحو 285 ألف برميل يومياً أي أكثر من نصف متوسط إجمالي وارداتها اليومية في 2011. وذلك بسبب استمرار الخلاف بين الجانبين بشأن شروط السداد والأسعار. والصين هي أكبر مشتر للنفط الإيراني (22 في المئة من صادرات إيران النفطية ما يشكل 6 في المئة من استهلاكها) وهي المستورد الأسرع نمواً، ما يخولها القدرة على التفاوض بشروط أفضل.
تلي الصين اليابان، التي تستورد 327 ألف برميل في اليوم أي 13 في المئة من صادرات إيران و7 في المئة من الطلب لديها. وقد عبّرت اليابان في منتصف كانون الثاني عن تحفظات قوية ازاء العقوبات على النفط الإيراني، وقال وزير الخارجية الياباني يوشيهيكو نودا، الذي التقى في طوكيو وزير الخزانة الأميركية تيموثي غيثنر، انه «متشكك جداً حيال مثل هذه الاجراءات».
اما الهند، التي تستورد 310 آلاف برميل في اليوم أي 12في المئة من صادرات إيران و9 في المئة من استهلاكها، فرفضت العقوبات وأكدت انها ستواصل شراء نفط ايران. وكوريا الجنوبية، التي تستورد 228 الف برميل في اليوم من ايران، أيضاً سارت على خطى اليابان في تحفظها، طالبة من الأميركيين فترة سماح للبحث عن بدائل لحاجتها الماسة الى هذا النفط.
والحديث عن الأزمة التي قد يعانيها الغرب جراء قراراته العقابية بحق إيران لا يعني أن الأخيرة ستكون في وضع مريح، وخصوصاً أن هذا البلد الذي يتعرض لعقوبات وحصار منذ انتصار ثورته الإسلامية في العام 1979، يعاني اقتصاده من أزمات ضخمة، ولا سيما أن النفط يشكل 90 في المئة من صادراته، و50 في المئة من إيراداته الحكومية.
لذلك وفور الاعلان عن عقوبات أوروبية، عمّت الفوضى في السوق المالية الايرانية ولجأ البعض الى احتكار العملة الصعبة، حيث يمثل النفط المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية. وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن الدولة الفارسية تنتج يومياً نحو 3.5 ملايين برميل، وتعد ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). وتملك احتياطيات تبلغ 137 مليار برميل، وهو ما يمثل 9 في المئة من الاحتياطيات العالمية.
في أي حال لن يكون قرار العقوبات الأوروبي سهلاً بالنسبة للعديد من الدول، ان كان لجهة ارتفاع الأسعار أو لجهة عدم قدرة الدول الخليجية على تعويض النقص. لكن فترة السماح التي تمتد لنحو خمسة أشهر اخرى قد تحمل الكثير من التطورات، لا سيما ان واشنطن نفسها أضحت تفتش عن مخرج لبعض الدول الآسيوية التي لا تستطيع الاستغناء عن الذهب الأسود النابع من بلاد فارس.



مهمانبرست: ردّنا على الحظر الأوروبي طبيعي


اعتبرت طهران أمس على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية رامين مهمانبرست (الصورة)، أن مشروع وقف صادرات بلاده النفطية الى أوروبا هو «رد فعل طبيعي على ما بدأه الأوروبيون».
وأضاف، خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، «ان شعوب الدول الأوروبية ستتضرر اكثر من الجميع من حظر النفط الإيراني، ومن المؤسف ان يتحرك المسؤولون الأوروبيون في مسار من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح شعوبهم، الأمر الذي يضع شعوبهم تحت الضغط».
وقال حول مشروع ايران لوقف صادرات نفطها الى اوروبا، «إن نواب شعبنا وضعوا بعض التدابير على جدول أعمالهم، وهذا امر طبيعي أن نبدي ردود فعل على خطوات عدائية من قبل بعض الدول».
(يو بي آي)