لا تزال الأجواء في إيران باردة، على غير عادتها، قبل نحو اسبوعين من الانتخابات العامة. لعله انعكاس لشتاء قارس يخيم على هذا البلد منذ أشهر. أو ربما رد فعل عكسي على حماوة في المواجهة مع الخارج فرضت تبريداً للأجواء في الداخل. شعور بحساسية المرحلة لا يسمح لأحد بالتصعيد. ويمكن أن يكون أيضاً تعبيراً عن انحسار المنافسة في صفوف الأصوليين الذين يريدون معركة قواعد الاشتباك فيها مضبوطة كي لا يستفيد منها الإصلاحيون.
لعله كل ذلك معاً. لكنه هدوء يثير المخاوف من انخفاض مستوى المشاركة في الانتخابات، ما دفع المرشد علي خامنئي لأن يخرج بنفسه أكثر من مرة يحث الجميع على الاهتمام بهذا الاستحقاق، وفي الوقت نفسه لا يحجب حقيقة أن غالبية محاور السجال الداخلي تقوم حالياً على خلفيات انتخابية.
على الأرجح، ينبع هدوء الحملة من كثافة الضغوط الخارجية التي رصّت الصفوف في الداخل ورفعت ميزانية وزارة الدفاع ١٢٨ في المئة، والتي حجبت الخلافات، التي لا شك في أنها كثيرة. وربما تتجلى أبرز الدلائل على وجود انتخابات في حملة الاعتقالات التي طالت مجموعات اتهمت بأنها تسعى إلى تخريب العملية الانتخابية، التي انتشرت على نطاق واسع شائعات ثبت عدم صحتها عن وجو نية بتأجيلها، ناهيك عن الحملة الشرسة التي تشنها العديد من التيارات الأصولية ضد الفكر الانحرافي المشائي، في إشارة إلى صهر الرئيس، نائبه السابق، اسفنديار رحيم مشائي.
ومن أبرز آثار الضغوط الخارجية سالفة الذكر، انخفاض سعر العملة الذي تجاوز الـ ٨ في المئة، بحسب اعتراف المصرف المركزي الإيراني. وسعت حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد جاهدة إلى تثبيت سعر التومان عند السعر الذي تعتبره طبيعياً، وهو ١٣٠٠ للدولار الواحد. وهي لتحقيق ذلك شنت حملة اعتقالات بحق الصرّافين الذين يتلاعبون بالسعر، من دون أن تحقق نجاحات تذكر. بل هي عمدت أيضاً إلى رفع سعر الفائدة في المصارف على العملة المحلية من ١٧ إلى ٢١ في المئة من دون جدوى. ولا يزال سعر التومان يختلف من مكان إلى آخر. السعر الرسمي بين ١٢٠٠ و1300 تومان للدولار الواحد، تدفعه في المعاملات الرسمية وفي أماكن مثل الفنادق. لكن السعر عند الصرافين يتراوح بين 1400 و١٥٠٠ تومان للدولار، بينما أصحاب المحلات التجارية، خاصة في البازار، وعندما تدفع بالدولار، يحسبون هذا الأخير بين ١٦٥٠ و١٧٥٠ تومان. وقد وصل هذا السعر ذات يوم قبل نحو شهر إلى 2200 تومان للدولار الواحد. وتقول مصاد وثيقة الاطلاع إن مافيا البازار، برعاية الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، تضارب بالعملة في محاولة لإفشال حكومة نجاد واسقاطه بالانتخابات.

رفسنجاني ورئاسة المجمع

وبالحديث عن رفسنجاني، يقول بعض المقربين منه عن إن علاقته في تحسن مع المرشد، الذي يوضحون إن لقاءاته معه زادت وتيرتها عن السابق. لكن العارفين ببواطن الأمور يشيرون إلى أن ولاية مجمع تشخيص مصلحة النظام ستنتهي في نهاية العام الفارسي الحالي (21 آذار المقبل)، ومعها ولاية رفسنجاني في رئاسته التي يُحدد المرشد شاغلها، بحسب الدستور. ويتابعون أن تجديد المرشد لرفسنجاني في هذا المنصب من عدمه هو المعيار التي يمكن من خلاله قياس مدى رضا خامنئي عن هذا الأخير.
ويبقى الشغل الشاغل لرفسنجاني هو البحث عن طريقة يحفظ فيها زعامته ونفوذه على مستوى البلد، وهو يقول إنه لا يزال عند موقفه الذي أعلنه ذات جمعة في خطبة شهيرة أكد، فيها تحت عنوان «لا إفراط ولا تفريط» أنه مع ولاية الفقيه وأنه الوحيد الذي يشكل الضمانة لاستقرار البلد، لكن الرئيس نجاد والسلطة الحالية لا يمكن أن يُحتملا لأنهما ذهبا بعيداً في تفتيت الجبهة الداخلية وتجاوزا الكثير من الخطوط الحمراء ما لا يمكن التسامح معه بسهولة. وهو يرى أن الحل الوحيد في حوار وطني يؤدي إلى مصالحة وطنية.
ومع ذلك فإن تلك الانتخابات تعتبر أبرز مؤشر على موازين القوى الداخلية كونها الاستحقاق الانتخابي الاول على المستوى الوطني بعد انتخابات الرئاسة المثيرة للجدل للعام 2009. كما تُعتبر خطوة بالغة الأهمية بحكم كونها خطوة ممهدة لانتخابات الرئاسة المقبلة في العام 2013، حيث تسعى مجموعة الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى إيصال كتلة برلمانية كبيرة إلى مجلس الشورى الإسلامية تحفظ نهجه، وتأمل في إيصال أحد أفرادها إلى كرسي الرئاسة خلفاً له من أجل أن يتابع مسيرته.
وتقول مصادر إيرانية واسعة الاطلاع إن على الأقل أمرين حسما في ما يتعلق باستحقاق الرئاسة المقبل: الأول، أن أيا من الحجتيين لن يبلغ هذا المنصب مجدداً بعد تجربة نجاد الذي ينتمي إلى تلك المدرسة، ما يعني استبعاد تولي مستشار المرشد علي أكبر ولايتي هذا المنصب. أما الثاني فاستبعاد نجاح أي من المرشحين الذي سقطوا في مواجهة نجاد في دورتي الانتخابات الرئاسية السابقتين، وبالتالي استبعاد رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف وعلي لاريجاني (الذي خاض انتخابات 2005). وتضيف هذه المصادر، من باب التحليل، أن «الرئيس المقبل سيكون من كبار جنرالات الحرس الثوري في حال كانت الأجواء حربية، وإلا فأحد الوزراء الحاليين الضالعين بالأمور الاقتصادية».

الخريطة الانتخابية

وفي ظل التفاهم الضمني على إبقاء سقف المواجهة السياسية الداخلية منخفضاً، استعرت النقاشات حول ملفات الساعة، وبينها الملف المالي، ما دفع بالمرشد إلى التدخل داعياً إلى «عدم تشويه بعضنا بعضاً»، ومطالباً مجلس صيانة الدستور بالتساهل مع المرشحين، مشدداً على أن رفض ترشح أحدهم لا يعني أنه لا يصلح وأنه خرج عن الثورة، وإنما ربما يكون أكثر نفعاً في مكان آخر.
وتقتصر الخريطة الانتخابية الحالية على ثلاث قوائم كبيرة، تابعة للأصوليين، في ظل شبه غياب للتيار الإصلاحي المنقسم على نفسه بين داعٍ إلى المشاركة بلوائح مناطقية، وبين داعٍ إلى مقاطعة عملية الاقتراع بحجة عدم منحها المشروعية الشعبية.
مصادر إيرانية وثيقة الاطلاع، ترى أن انقسام جبهة الأصوليين إلى لوائح ثلاث «يعود إلى بروز تفاوتات بيّنة في صفوف الجمهور، كما النخب، بين أنصار الرئيس نجاد وبين الجماعة التي تُعرف بالأصوليين، أصحاب الفضل الرئيس في إيصاله إلى كرسي الرئاسة». وتضيف أن هذه «التفاوتات جاءت نتيجة أمرين: عدم الامتثال الفوري لنجاد لطلب المرشد إقالة نائبه اسفنديار رحيم مشائي من منصبه، واعتكافه لعشرة أيام في أعقاب رفض المرشد قرار الرئيس إقالة وزير الاستخبارات حيدر مصلحي».
كانت هاتان الحادثتان مفصليتين في انقسام جبهة الأصوليين. لكنهما لم تكونا حادثتين منعزلتين وإنما جاءتا تتويجاً لاختلافات في النهج، كانت دوماً موجودة، لكن الانقسام العميق بين الإصلاحيين والأصوليين كان يحجبها، فضلاً عن أنها هذه المرة كانت أكثر حديّة وجوهرية من أي فترة سابقة.
وعليه، توزعت ولاءات جمهور الأصوليين على جبهات ثلاث:
١ – الجبهة المتحدة للأصوليين، الجبهة الأساسية وصاحبة الثقل الشعبي الأكبر. هي عبارة عن لائحة انتخابية على المستوى الوطني، شُكلت تحت عباءة رئيس مجلس الخبراء آية الله محمد رضا مهدوي كني، وتمثل نقطة تلاق بين روحانيات مبارز (جمعية رجال الدين المناضلين التقليدية) وبين جامعة مدرسي قم واسعة النفوذ والتأثير. وهي أيضاً تحظى بتأييد كامل من الحرس الثوري ومن الباسيج. بل إن الحديث في الشارع يوازي بين تأييد هذه الجبهة وبين تأييد الولي الفقيه.
من أبرز رموز هذه الجبهة المستشار الحالي للمرشد، وزير الخارجية الأسبق، علي أكبر ولايتي، والرئيس السابق للبرلمان غلام حسين حداد عادل، حبيب الله عسكر أولادي، ونائب رئيس البرلمان محمد رضا باهنر ورئيسه علي لاريجاني ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف. وتشهد الجبهة خلافات في الرأي حول قبول الشخصيات الثلاث الأخيرة بحجة أن ولاءهم غير محسوم وأن لديهم خطوطاً مفتوحة مع الجميع، سواء في جبهات الأصوليين أو مع التيارات الإصلاحية، خاصة لاريجاني وقاليباف نظراً لطموحاتهما الرئاسية.
٢- هناك أيضاً الجبهة الموالية للرئيس محمود أحمدي نجاد، ومن أبرز رموزها حميد بقائي. وهي على ما تظهر تمثل السلطة الحالية والحكومة. ومعروف أن هذا التيار كان محسوباً على المرجع آية الله مصباح يزدي، الذي تبرأ منه قبل أشهر. ومع ذلك، لا يزال يدعي هذا التيار التفيؤ بعباءة يزدي، وخصوصاً أن أي عباءة أخرى لم تجرؤ على تغطيته، بعدما حصل بين نجاد وبين المرشد. وترفض مجموعة نجاد خوض الانتخابات في لائحة موحدة، وإنما تخوضها ضمن لوائح مناطقية تضم مرشحين مستقلين يستفيدون من خيمة السلطة. واللافت أن هؤلاء المرشحين لا يضمون أياً من الشخصيات المعروفة وإنما هم في مجملهم من الشخصيات الشابة التكنوقراط. ولعل هذه المجموعة اعتمدت خياراً كهذاً مستلهمة من رئيسها، الذي لطالما تفاخر بأنه لا يدين في وصوله إلى كرسي الرئاسة لأحد، حزب أكان أو مؤسسة دينية. ويؤكد مساعدو نجاد أنهم سيحصدون ما لا يقل عن مئة من أصل المقاعد الـ٣٢٠ لمجلس الشورى، فيما يؤكد خصومه أنه سيكون محظوظاً لو حصّل ٢٠ مقعداً.
٣ – جبهة الصمود، وتضم يسار المحافظين الأكثر تشدداً. تعيب هذه الجبهة على الجبهة المتحدة أن الأخيرة ليّنة في التعامل مع مجموعة نجاد وأنها تجري مساومات مع لاريجاني وقاليباف. تدعي أنها الأقرب إلى المرشد الذي تقول إنه يرعاها. تسير تحت عباءة آية الله مصباح يزدي، ومن أبرز رموزها كامران باقري لنكراني وطيبة صفائي. يشار إلى أن يزدي دعا الإيرانيين أخيراً إلى اختيار الأصلح بين المرشحين حتى ولو كان اسمه على قائمة أخرى، غير تلك التي يرعاها.
وبات معلناً وجود محاولات لتوحيد جبهتي المتحدة والصمود. محاولات ترتفع حظوظ نجاحها إذا ما شعر الأصوليون أن مجموعة نجاد تجري تحالفات تحت الطاولة مع المجموعات الإصلاحية.
وإلى جانب الجبهات الثلاث السالفة الذكر، وامتدادها وطني، ظهرت أخيراً لائحة جديدة للأصوليين على مستوى محافظة طهران، تُعرف باسم لائحة منتقدي الدولة، بزعامة علي مطهري. ويعرف عناصر هذه اللائحة بأنهم من منتقدي الرئيس نجاد وسياساته.
في المقابل، يبدو معسكر الإصلاحيين، أو من بقي منهم، متشتتاً، وتعصف به الخلافات بين مؤيد للمشاركة بالانتخابات (تيار الرئيس السابق محمد خاتمي ومعه الإصلاحيون المعتدلون الذين لم يخرجوا على النظام) وبين رافض (المرشحان السابقان للرئاسة مير حسين موسوي ومهدي كروبي) لهذه المشاركة لكونها «تعطي شرعية» لعملية الاقتراع. وأياً يكن من أمر، هناك أمران أكيدان في معسكر الاصلاحيين:
١ – لن تكون هناك لائحة إصلاحية على مستوى البلد ككل، وإنما لوائح مناطقية، وذلك بسبب الخلافات المشار إليها.
٢- فشل الإصلاحيين في الحصول على الخيمة العلنية لأكبر هاشمي رفسنجاني، رغم أن هناك من يقول إنه لولا هذا الأخير لما بقي حتى الآن أيُ من الإصلاحيين على الساحة السياسية.
ومعروف أن موسوي وكروبي يخضعان حالياً للإقامة الجبرية في منزلين يقعان في الحي الرئاسي في طهران، وهما بالتالي ممنوعان من العمل السياسي. أما خاتمي، فتتهمه التيارات الإصلاحية الأخرى بأنه خذلها لكونه رفض أن يؤدي دور الرأس (الطربوش) للائحة إصلاحية على المستوى القومي، فيما يرى هو أن التيارات الإصلاحية الحالية تضم الكثير من المتطرفين الذين يخشى أن يستدرجونه إلى مواجهة لا يريدها مع الولي الفقيه.
يضاف إلى ذلك، على ما تفيد المصادر المطلعة، أن «كل ما يريده الإصلاحيون هو أن يروا الأصوليين يشتبكون بعضهم مع بعض، فيما هؤلاء الأخيرين معسكرات ثلاثة: اثنان ضد نجاد ومشائي وأكثر التصاقاً بالقيادة، وبالتالي ليس من مصلحتهما توتير الأجواء، وواحد مع الرئيس وصهره اللذين يبدو واضحاً أنهما لا يريدان صداماً».
ولا يزال مرشحو الانتخابات البرلمانية الإيرانية ممن رفضهم مجلس صيانة الدستور ينتظرون بت الاستئنافات التي رفعوها ضد قرار المجلس المذكور، وذلك تمهيداً لبدء الحملة الانتخابية قبل ثمانية أيام من يوم الاقتراع على أن تتوقف قبل 24 ساعة من فتح الصناديق في الأول من آذار المقبل بحسب القانون.
ومعروف أن الترشيحات للبرلمان الإيراني تمر بدورة معتادة، تبدأ في الهيئة التنفيذية في وزارة الداخلية، وتضم ممثلين عن وزارتي الاستخبارات والقضاء والأمن العام ودائرة النفوس، قبل الانتقال إلى مجلس صيانة الدستور، حيث المصفاة الأخيرة التي تحاسب على أساس الالتزام بالإسلام وقيمه.



كاشاني يحذّر من إضعاف النظام

دعا خطيب الجمعة المؤقت في طهران، محمد إمامي كاشاني، في خطبة صلاة الجمعة التي أقيمت في جامعة طهران أمس، أبناء الشعب الإيراني الى السير نحو تحقيق أهدافه الاسلامية خلف قيادته الحكيمة، محذراً من أن أعداء هذا الشعب يراهنون على الانتخابات البرلمانية التي تجرى الشهر المقبل لإضعاف النظام الإسلامي. وقال آية الله كاشاني إن «أعداء الشعب الإيراني يراهنون على الانتخابات التشريعية في إيران التي ستقام في الثاني من آذار المقبل، وهم يستجمعون قواهم للحيلولة دون توطيد أواصر الإخوة والوحدة بين أبناء الشعب الإيراني ويخططون لوضع العراقيل أمام الحضور الواسع في عملية الاقتراع لإضعاف النظام الاسلامي في إيران».
ودعا كاشاني الشعب الإيراني الى تجنب التفرقة والانشغال بالقضايا الجانبية، مشيراً الى أن الاعداء يحاولون تهميش ارادته ووحدته، والتي استعرضها الشعب مرة اخرى في مسيرات 22 بهمن ذكرى الثورة الاسلامية. وأكد ان الشعب ورغم كل المشكلات يتمسك بالوحدة في الوقت المناسب واللازم.
(فارس، مهر)