ربما كان أهم اللقاءات التي عقدت على هامش قمة الأمن النووي في عاصمة كوريا الجنوبية سيول في 26 آذار الماضي، اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي باراك اوباما، ورئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، حسبما يرى مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية اليابانية. هذا اللقاء الذي كشف ديفيد اغناطيوس، المعروف باطلاعه على مواقف البيت الأبيض، أنه أسفر عن تحميل الأول للثاني رسالة الى القيادة الايرانية تتضمن قبول واشنطن بمواصلة طهران برنامجها النووي، مقابل ضمانة بأنها لن تستخدمه لأسباب عسكرية.
لكن المصدر الياباني كشف عن عناصر أخرى تضمنتها رسالة أوباما، وأبرزها يتمحور حول ثلاث قضايا أساسية: الأولى على صلة باجتماع اسطنبول الذي عقد في وقت لاحق هذا الشهر بين إيران ومجموعة الدول الست (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا). والثاني يتصل بالموضوع السوري والثالث يخص الموضوع العراقي.
وفي تفاصيل هذه العناوين الثلاثة الآنفة، نقل الدبلوماسي الياباني عن أردوغان قوله إن الأميركيين لديهم رؤية لحل هذا الأمر، والسماح لإيران بمواصلة التخصيب لقاء ضمانات بسلميته، وتعهد بذلك من المرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيد علي خامنئي. وطلبت رسالة أوباما في سياق عرضها للضمانات المطلوبة، أن توافق طهران في اجتماع «5+1»، على السماح لمراقبي تفتيش الهيئة الدولية النووية بالدخول الى مفاعلات نووية كان سبق لواشنطن أن حددتها مسبقاً.
وبخصوص الموضوع السوري، أوضح الدبلوماسي الياباني، أن واشنطن مستعدة لعدم تسليح المعارضة السورية، في حال أوقف النظام حملاته العسكرية ضد المناطق الساخنة، ونفذ إصلاحات سياسية ملموسة. المطالب الأميركية، اشتملت أيضاً، كما عرضها أردوغان، على مطلب يعني تركيا، وهو أن توقف دمشق سياق الدعم الناشط، الذي عادت أخيراً اليه، لحزب العمال الكردستاني.
وبخصوص الموضوع العراقي، أبدى الأميركيون للإيرانيين من خلال أردوغان، اهتماماً بمسألة ان تضغط طهران على رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، لإجراء مصالحة مع القوى السنية، والتي تصفها واشنطن بأنها معتدلة، ويشكل وجودها في معادلة الحكم في العراق صمام أمان لتهميش القوى الأصولية التي تحاكي عقائدياً تنظيم القاعدة.
وتكهن المصدر أن واشنطن، «في حال نجح أردوغان بإقناع طهران بالسير بالمطالب الآنفة، ستكون مستعدة لممارسة سياسة تهدئة شبه علنية تجاه سوريا، لكن بالنسبة لإيران فإنها قد تبقى، ظاهرياً، تعتمد سياسة النبرة العالية في خطابها الإعلامي والسياسي، وذلك بسبب حاجة أوباما إلى إتمام صفقة تسليح أميركية جديدة وكبيرة لدول الخليج العربي، تجري مفاوضات متقدمة بشأنها حالياً».
يسترسل الدبلوماسي الياباني أن صفقة التسليح المقصودة، هي عبارة عن «بناء درع صاروخية في الخليج تشبه الدرع الصاروخية التي أنشأتها واشنطن في تركيا»، وتبلغ كلفتها، بحسب مصدر دبلوماسي روسي، «600 مليار دولار، ستتكفل دول الخليج بدفعها، علماً ان كلاً من موسكو وطهران ترفضان اقامتها».
كذلك تخشى واشنطن من أن إعلانها عن تفاهم مع طهران حول برنامجها النووي، سيمس بسلاسة موقف دول الخليج من عملية بت الصفقة بسرعة، لأن إعلان التفاهم سيقلّل من أجواء التوتر السائدة الآن في الخليج، والذي تستغله واشنطن للتهويل على دوله، وحثها على شراء الحماية الأميركية لأمنها بأسرع وقت ممكن». والواقع أن واشنطن عبر هذا الاسلوب «تكرر مع دول الخليج بخصوص ايران، نفس لعبة التهويل التي تمارسها على اليابان من خلال تضخيم حالة التوتر المرتقبة جراء سياسات كوريا الشمالية»، حسب قول الدبلوماسي. وأضاف أن «أوباما يراهن على أن أموال هذه الصفقة، اذا ما ضخت في السوق الأميركي ولصالح مجمع الصناعات العسكرية الأميركية، خلال حملة الانتخابات الأميركية، فإنها، بلا شك، ستحسّن من وضعه الانتخابي».
ورغم ورود إشارات إيجابية عن لقاء اسطنبول، لم ترشح معلومات حاسمة عمّا إذا كانت رسالة أوباما تركت تأثيرات أكيدة على اجوائه. ثمة تكهن بأن ذلك قد يتوضّح خلال اجتماع بغداد الذي سيعقد في 23 أيار المقبل، وذلك لأن طهران ليست معنية بإعطاء تركيا أي رصيد دبلوماسي هام في هذه الفترة.
وجهة النظر هذه، أكدها دبلوماسي تابع عن كثب العلاقات التركية – الإيرانية خلال الفترة الأخيرة، فرأى أن زيارة أردوغان لإيران يوم 28 آذار الماضي، والتي حمل خلالها رسالة أوباما الى خامنئي، كانت سلبية عموماً، وتحديداً وحصراً، حول الموضوع السوري، حيث سمع اردوغان لهجة ايرانية قوية بدعمها للنظام السوري، وناقدة للمسار الذي تتخذه تركيا حيال هذه الأزمة.
وقال المصدر إن «إيران قررت أن تكون جولة مفاوضاتها مع 5+1 شكلية ونوعاً من المسايرة للأتراك». لكن اقتراحها بأن تكون بغداد هي المكان الذي يستقبل الاجتماع الثاني الحاسم والأهم، لم يأت فقط بسبب الموضوع السوري، ورغبتها بإضعاف مكانة أنقرة السياسية، بل لوجود ملاحظات لطهران على «طريقة ممارسة تركيا لدورها كبلد مضيف للمفاوضات».
ويشتكي الإيرانيون من «أن أنقرة خلال المفاوضات النووية فوق أرضها، تتبرع لمحاولة اقناعهم بإلحاح بالدخول في قناة اتصال مباشرة مع الأميركيين، في حين ان طهران ترفض ذلك وتعتبر أن قضية الملف النووي تبحث حصراً ضمن اطار مفاوضاتها مع مجموعة الست. و«قاد هذا السلوك التركي، كبير المفاوضين الايرانيين سعيد جليلي، في إحدى المرات، بالتهديد بالانسحاب، والعودة الى طهران، إذا استمر الأتراك بالضغط لتأمين لقاء ثنائي له مع المفاوض الأميركي وليم بيرنز، الذي كان واقفاً وراء الباب، وصبره يكاد ينفد».
ثمة وقائع دبلوماسية عديدة حدثت خلال الأسابيع الأخيرة، حسبما نقلها المصدر المطّلع، وكلها تشير إلى أن أنقرة تحاول تطبيع علاقتها مع كل من ايران وروسيا. ويعتبر ذلك دفعاً لما تشعر به في هذه الفترة، من أنها مقبلة على دفع ثمن سياسي نتيجة اتخاذها مواقف صدامية، وليست فقط معاكسة، لمواقف ايرانية وروسية تُعتبر من وجهة نظر كل من البلدين، انها من صميم مصالحهما الاستراتيجية. لعل ابرز هذه المصالح قيادة أنقرة الحملة ضد النظام السوري وقبولها بانشاء درع صاروخية أميركية فوق ارضها.
المصدر الدبلوماسي روى أنه إثر وصف علي لاريجاني مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول بأنه «بمثابة رشوة لاسرائيل»، اتصل وزير الخارجية التركي احمد داوود أوغلو بنظيره الايراني (علي أكبر صالحي)، محاولاً تلطيف أجواء علاقاتهما، وقال له: «إن تصريح لاريجاني سبّب لنا إحراجاً داخلياً في تركيا، وبخاصة بين الاوساط الشعبية المؤيدة لحزب العدالة والتنمية».
وعلّق الدبلوماسي، أن كلام داوود أوغلو، اضافة إلى كونه محاولة لامتصاص نقمة طهران، والايحاء لها بأنه لا يزال هناك أمر مشترك بينهما هو العداء لاسرائيل، الا انه في جانب منه، يعكس جواً حقيقياً موجوداً داخل تركيا، يتمثل «بأن حكومة اردوغان ليست مطلقة التصرف داخلياً في سياساتها تجاه سوريا، حيث تضطر للاحتساب لحساسية الجمهور التركي المؤيد للحزب الحاكم من المواقف التي يثبت انها تخدم اسرائيل في نهاية المطاف».
وروى قصة القلق الذي ساد تركيا بعد الاتصال الهاتفي المفاجئ الذي أجراه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع نظيره التركي، ليستوضحه عن ماهية تلك الاجراءات التي قال أردوغان أخيراً انه سيتخذها لحماية حدود بلاده مع سوريا.
وكان لافروف قد حرص أخيراً في غير لقاء دبلوماسي على التشكيك في رواية تركيا حول ما حدث في الآونة الأخيرة من تصعيد عسكري او تعاظم نزوح اللاجئين السوريين الى اراضيها. وأبلغ وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال زيارة الأخير لموسكو، انه أبلغ المعنيين بالوضع السوري، ان مجمل ما تدعيه تركيا حول هذين الامرين، «هو غير صحيح».
قُصارى القول إن مسار العلاقات التركية من ناحية وايران وروسيا من ناحية ثانية تشهد سياق هجوم سياسي كثيف من قبل الأخيرتين على أنقرة، يتمثل بمحاولة حرمانها من مكاسب دورها الجديد في منطقتي آسيا والشرق الأوسط الذي اكتسبته خلال الأعوام القليلة الماضية، مع اتجاه لإبراز دور العراق بديلاً لدور الوسيط الموثوق دولياً بشأن الأزمات الساخنة في المنطقة، والذي كانت انقرة ترشح نفسها له.
ينقل الدبلوماسي عن زميل له ايراني، أن اجتماع بغداد المقبل، قد يشهد نتائج مفاعيل رسالة اوباما الى خامنئي، وحينها سينعكس ذلك على الوضع في سوريا، وستجد انقرة نفسها تسير في سياق منعزل بخصوص سوريا.
أما ثوابت طهران خلال هذه المحادثات المرتقبة، فيلخّصها الدبلوماسي الايراني بالنقاط التالية: القبول والاقرار بايران دولة نووية، واستمرار التخصيب بنسبة 20 في المئة وفقاً لحاجات ايران النووية. وتعاون ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية واعتمادها الشفافية في برنامجها النووي ضمن قواعد معاهدة الـ «أن بي تي»، وضمان سرية تقارير وعمل مفتشي الوكالة، حيث تعتبر ايران ان تسريب معلومات وكشف أسماء متعلقة بالعلماء النوويين الايرانيين سهلت عملية الوصول اليهم واغتيالهم. كذلك، التنسيق المسبق وتحديد المواقع التي يرغب مفتشو الوكالة بزيارتها، لاسيما العسكرية منها.



طهران: لا رسالة بل عرض لملفات



تتمسك طهران ينفيها تلقّي أي رسالة جديدة من الرئيس الأميركي باراك أوباما في خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. تقول إن عدم نقل الرسالة لا يعود إلى عدم الرغبة بل إلى أن اردوغان يدرك أن طهران لا تستقبل رسالة كتلك من شخصية في حال صدام مباشر مع السياسة الإيرانية في المنطقة. إلا أن المعلومات الواردة من طهران تؤكد في الوقت نفسه أنه في الوقت الذي لم يُذكر أي شيء عن رسالة في خلال المحادثات، إلا أن أردوغان، الذي أتى طهران قادماً من سيول حيث التقى أوباما، عرض أمام المرشد علي خامنئي رؤية الولايات المتحدة لحل الكثير من ملفات المنطقة. وكانت وسائل الإعلام الإيرانية والكثير من الصحف العالمية، بينها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، تحدثت مذ وصل اردوغان طهران عن أنه يحمل رسالة من أوباما يقر فيها الأخير بحق إيران في تخصيب اليورانيوم في مقابل ضمانات بسلمية البرنامج النووي وتعهد علني من خامنئي.