خلال ثلاثة أشهر، تقلب مرشح الوسط، فرانسوا بايرو، بين المرتبة الرابعة في بداية الحملة، بقرابة 6 في المئة، ثم انتقل إلى المرتبة الثالثة في مطلع شباط، حين قفزت شعبيته إلى 14 بالمئة، قبل أن يتراجع إلى المنزلة الخامسة في نهاية آذار بـ 7 في المئة فقط. في الساعات الأخيرة من الحملة الرسمية، بدأ يتعافى ليتجاوز مجدداً عتبة الـ 10 في المئة، التي تعتبر عادة المقياس في فرز المرشحين الرئيسيين المؤثرين فعلياً في موازين القوى الانتخابية عن باقي «المرشحين الهامشيين».
تزامن بروز بايرو إلى منزلة «الرجل الثالث»، أو موقع «صانع الملوك» كما يسمى في فرنسا، مع إعلان خفض التصنيف الائتماني لفرنسا، نهاية كانون الثاني الماضي؛ لأن بايرو كان أول من حذّر من عواقب مشكلة الدين العام، منذ ترشّحه لأول مرة للرئاسة، عام 2002. كذلك أصدر، قبل عامين، كتاباً حذّر فيه من عواقب السياسات التي اعتمدها نيكولا ساركوزي لمواجهة الأزمة المالية التي عصفت بقطاع البنوك.
سمحت تلك النبوءة لبايرو بأن يكون المرشح الأكثر استفادة من الهزة السياسية التي نجمت عن خفض التصنيف الائتماني الفرنسي، حيث التفَّت حوله غالبية أصوات تيارات الوسط ويسار الوسط، لتقارب شعبيته 15 في المئة. لكنه سرعان ما عاد إلى التراجع، بموازاة صعود مرشح «جبهة اليسار» ميلانشون. وأرجع المحللون ذلك إلى تركيز بايرو على سياسات التقشف التي يعتبرها ضرورية لإعادة توازن الميزانية العمومية، فيما تتوجس غالبية الناخبين الفرنسيين من «سياسات التقشف»، خشية أن تكون مرتبطة بإملاءات قاسية من المؤسسات المالية أو من الاتحاد الأوروبي، كما حدث في اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال.
هذا التراجع أفقد بايرو أي حظوظ في تحقيق حلمه بأداء دور «الرجل الثالث» المؤهل لخطف تذكرة المرور إلى الدورة الثانية من أحد مرشحي الحزبين اللذين يتقاسمان الحكم تقليدياً في فرنسا (الاشتراكيون والديغوليون). لكن ذلك لم يكف لإخراج مرشح الوسط نهائياً من دائرة الضوء. ففي الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية، ضجت وسائل الإعلام الفرنسية بأخبار وتسريبات متعددة بخصوص عروض وُجهت إلى بايرو من كلا المرشحين الرئيسيين، ساركوزي وهولاند، للتحالف معهما في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة، في مقابل تكليف بايرو تأليف «حكومة وحدة وطنية».
رفض بايرو التعليق على تلك العروض، مؤكداً أنه لا يريد إبرام أي تحالف إلا بعد ظهور نتائج الدورة الأولى؛ «لأن استباق الأمور يعني الاستخفاف بأصوات الناخبين». لكنه أكد أنه تلقى بالفعل عروض تحالف من قبل موفدين عن كلا المرشحين ساركوزي وهولاند.
وبالرغم من تأخره عن ميلانشون ولوبان في الاستطلاعات الأخيرة، إلا أن مخزون الأصوات الذي يحظى به بايرو (قرابة 10 في المئة، أي نحو 3,2 ملايين صوت) يؤهله لأداء دور حاسم في تحكيم المواجهة بين ساركوزي وهولاند في الدورة الثانية، ولا سيما أن الاستطلاعات الأخيرة، أمس، كشفت أن تجميع أصوات اليسار في الدورة الثانية يؤهل هولاند لنيل 54 في المئة، في مقابل 46 في المئة لساركوزي. أي إن الفارق بين الرجلين سيكون قرابة 2,8 مليون صوت، الأمر الذي يخوّل ساركوزي تدارك الهوة التي تفصله عن هولاند، إذا نجح في استمالة بايرو ومؤيديه من ناخبي الوسط. أما إذا استطاع هولاند إقناع رفاقه في الحزب الاشتراكي وحلفائه في بقية الأحزاب اليسارية بأن قطع الطريق أمام «الخطر الساركوزي» يتطلب من «قوى التقدم» أن تتحالف مع تيارات الوسط في حكومة وحدة وطنية، فإن ذلك سيضمن له الفوز بالرئاسة بأغلبية واسعة.
عثمان...