لعلّه التصريح الأكثر مفاجأة في الموسم الانتخابي الأميركي بعد إعلان نبأ مقتل أسامة بن لادن. «الحرب على الإرهاب انتهت»، هذا ما قاله «مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الاميركية» للمجلة الأسبوعية الأميركية «ناشيونال جورنال». مصدر الخارجية «الذي يعمل في شؤون الشرق الاوسط»، كما توضح المجلة، يشرح أنه «الآن، بعدما قتلنا معظم (مسؤولي) القاعدة، وبعدما اكتشف الناس الطرق الشرعية للتعبير عن آرائهم، مَن كان يريد في السابق الانضمام الى القاعدة يرى اليوم فرصة للإسلاموية الشرعية». وتتابع المجلة شرحها لما قاله المصدر بالقول إن ذلك «ناتج من التأثير المزدوج للربيع العربي الذي أعطى الشباب العربي وسائل تمكينية جديدة غير الجهاد العنيف، إضافة الى نجاح حملة باراك أوباما الوحشية على أسوأ مجاهدي القاعدة وقتلهم بالطائرات من دون طيار». المقال يوضح أيضاً أن الفكرة القائلة «إن كل إسلامي هو مشروع إرهابي»، لم تعد قائمة.
لكن هل ستكون تلك النظرية صائبة؟ وهل فعلاً سيجد العرب طريقهم الى الديموقراطية عبر الإسلاموية؟ كيف ستؤثر هذه النظرية ــ وذلك التصريح ــ على صورة الرئيس الأميركي باراك أوباما عند الناخبين، وخصوصاً أن منافسه الجمهوري يصفه بالضعيف المتكيّف مع الظروف كما هي؟ يسأل كاتب المقال في «ناشيونال جورنال»، مايكل هيرش.
تصريح مصدر الخارجية لم يدوِّ في الإعلام الأميركي السائد، لكنه أثار الجدل في بعض الصحف والمواقع الاعلامية، ولا سيما المحافظة واليمينية منها، وأعاد طرح الفكرة التي همس بها البعض بعد مقتل بن لادن، عن نهاية الحرب على الإرهاب. وقتها، لم يكن من الوارد حتى افتراض صحّة تلك الفكرة في الصحافة ولا في تصريحات السياسيين، وكان الموقف جامعاً بين معظم التيارات الفكرية ــ السياسية: «الحرب على الإرهاب مستمرة وهي لا تنتهي بتصفية زعيم القاعدة».
دانيال هالبر، في مجلة «ذي ويكلي ستاندرد» يبدي صدمته ممّا نقلته «ناشيونال جورنال» عن أجواء الخارجية الأميركية وما يفكر فيه مسؤولوها اليوم. هالبر أردف أن تلك الافكار الجديدة، والموجودة عند الرئيس أوباما، نابعة من اعتقاده بأنه «ليس أمامه فرصة غير رعاية الإخوان المسلمين وباقي المجموعات الإسلامية المعتدلة التي تقود المشهد السياسي بعد الربيع العربي في كل من مصر وتونس وغيرهما». هالبر يقارن بين ما يؤمن به أوباما وبين كلام الرئيس السابق جورج والكر بوش، ويذكّر بقول الأخير «إما أن تكونوا معنا أو ضدنا في الحرب على الإرهاب». لكن بالنسبة إلى أوباما، يشير الكاتب، «يمكن أن تكونوا معنا وضدنا في الوقت نفسه، أو ألا تكونوا معنا لكن لستم ضدنا تماماً». من جهته، سأل مايك براونفيلد، على موقع مؤسسة «ذي هيريتيج»، «هل انتهت الحرب على الإرهاب؟ هل بات الإسلاميّون شرعيّون؟». الكاتب يطرح أسئلة كثيرة بشأن كل جزء من الكلام المنقول عن مصدر الخارجية الاميركية في «ناشيونال جورنال»، ويصف تلك تصريحات بـ«الصادمة». براونفيلد ينطلق من مغالطة المصدر بشأن خلطه بين القاعدة والإسلاميين «الذين لا يتقبّلون بالإجماع فكرة قتل المدنيين».
الكاتب يذكّر بما نشره زميله جايمس كارافانو في «ذي هيريتيج» في كانون الثاني الماضي، عن أن «الحرب على الإرهاب قد لا تكون لها نهاية واضحة ومحددة». كارافانو يشرح أنه «حتى لو قتل بن لادن وانسحب الجيش الاميركي من أفغنستان، فإن العدو لا يزال في الميدان وحركة طالبان قد تعود بقوة في أي لحظة، وأيضاً تنظيم القاعدة الذي ينتشر في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا». براونفيلد يختم مقاله بالقول «نفهم تماماً أن يرغب الرئيس أوباما في الإعلان عن انتهاء الحرب على الإرهاب خلال عهده، لكن الأمر قد يرتد بنحو خطير على الولايات المتحدة إذا أدارت ظهرها للخطر الإسلامي الباقي في الشرق الاوسط».