باريس | عشية المناظرة التلفزيونية، المرتقبة غداً الأربعاء، بين مرشحي انتخابات الرئاسة الفرنسية، الرئيس نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، تلقى الفريق الموالي لساركوزي ضربةً موجعةً جديدة، من الأوساط الاقتصادية التي عادةً ما تدعم التيارات اليمينية في فرنسا. فقد أعلن رئيس «حلقة الاقتصاديين»، جان هيرفي لورانزي، التي تضم أبرز ثلاثين خبيراً اقتصادياً في فرنسا، أن نادي الخبراء الذي يديره يرى البرنامج الاقتصادي لهولاند «محكماً وفعالاً وعملياً، ويتضمن رؤية استراتيجية شاملة ومقنعة لمواجهة الأزمة الاقتصادية من خلال المزاوجة بين حتميات ترشيد الإنفاق العام وضرورات دعم الاستثمار وتقوية القدرات الشرائية لإعادة تحريك الماكينة الاقتصادية».

وجاء الموقف الأخير لـ«حلقة الاقتصاديين» ليصدّق على كلام المرشح الاشتراكي، من خلال اعتراف نخبة الخبراء الاقتصاديين الفرنسيين بأن استراتيجيته الاقتصادية «واقعية ومقنعة»، ما سيضعف الكثير من حجج ساركوزي خلال النقاش الذي سيدور بينه وبين هولاند في المناظرة التلفزيونية غداً.
هذا الموقف فاجأ غالبية المتتبعين للشأن الانتخابي الفرنسي؛ لأن غالبية الخبراء المنضوين في «حلقة الاقتصاديين» ذوو توجه ليبرالي. هذا التحوّل في موقف الأوساط الاقتصادية الفرنسية جاء في توقيت حرجٍ أربك فريق مستشاري ساركوزي الذين كانوا يراهنون على الملفات الاقتصادية تحديداً، لتضييق الخناق على هولاند خلال «المناظرة» التي درجت العادة أن تؤدي دوراً بارزاً في ترجيح الكفة بين مرشحي الجولة الثانية في الاستحقاقات الرئاسية الفرنسية.
وكان فريق ساركوزي قد سعى منذ بداية الحملة إلى تخويف الناخبين من «رد فعل الأوساط المالية والشركاء الأوروبيين» في حالة وصول اليسار إلى الحكم. لكن التصريحات التي أطلقها رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، قبل أسبوعين، وأيّد فيها على نحو مفاجئ مقترح فرانسوا هولاند، تعديل معاهدة الاستقرار الأوروبية، لكي لا تقتصر على إجراءات التقشف الهادفة إلى معالجة مشكلة الدين العام، وتضمينها شقاً جديداً يهدف إلى إعادة تنشيط الاقتصادي من خلال الاستثمار، أضعفت حجة ساركوزي، ما أجبر فريقه على تعجيل استراتيجية «المواجهة الاقتصادية» مع هولاند للتركيز على «الكلفة غير الواقعية» لما يتضمنه برنامج هولاند من وعود بتحسين أداء قطاعات الخدمات العمومية والصحة والتربية، من خلال رفع الميزانيات والتوظيف، وهو ما عدّه الموالون لساركوزي «منزلقاً يسارياً جديداً في إطلاق يد الحكومة لزيادة الإنفاق العام، من دون مراعاة السياق الاقتصادي المتأزم، ما سيؤدي إلى مفاقمةِ مشكلة الدين العام».
لكن الفريق الموالي لفرانسوا هولاند اعترض على حجج خصومه اليمينيين بأن «خطة الاستثمارات» التي تضمنها برنامجه رافقتها «خطة محكمة لترشيد الإنفاق العمومي، وتمويل أي استثمارات جديدة من خلال برنامج الإصلاحات الضريبية الذي يهدف إلى وضع حد للامتيازات والإعفاءات المتعددة التي منحت في عهد ساركوزي للفئات الأكثر ثراءً في فرنسا». هولاند، من جهته، أكد أن كل زيادة في الإنفاق تضمنها برنامجه الانتخابي، تُقابلُها زيادة مماثلة في الأداءات الضريبية، وذلك «لتفادي أيّ انعكاسات سلبية للخطة الاستثمارية على توازن الميزانية. وبالتالي، إن المخاوف من تفاقم الدين العام لا أساس لها من الصحة».
وفي تطور مفاجئ آخر، اعترف عَرّاب «اقتصاد المضاربة» العالمية، جورج سورس، في حوار مع أسبوعية «الأكسبرس» الفرنسية في عددها الأخير، بأن «سياسات التقشف التي اعتمدت حتى الآن لم تكن لها أي فاعلية في معالجة الأزمات الاقتصادية الناجمة عن مشاكل الديون السيادية». ورداً على سؤال عن مقترح فرانسوا هولاند بتعديل معاهدة الاستقرار الأوروبية لتضمينها إجراءات لدعم الاستثمار، قال سوروس: «إن دعم الاستثمار يشكل بالفعل أحد المفاتيح الأساسية لمعالجة الأزمة الاقتصادية العالمية»!