واشنطن ــ الأخبار تسلل الرئيس الأميركي باراك أوباما، كالخفافيش، بعد منتصف ليل الثلاثاء إلى كابول. هناك كان ينتظره شريكه في الحرب الرئيس الأفغاني حميد قرضاي. اجتمع الرجلان على عجل قبل أن يوقّعا اتفاقاً أمنياً يشتمل على خطة لإنهاء الحرب في البلاد. وقبل أن يصحو الأفغان من نومهم، توجه أوباما بخطاب متلفز إلى مواطنيه الأميركيين، إذ تصادف الخطاب مع منتصف النهار في الولايات المتحدة، بما أن التوقيت في كابول يختلف عن أميركا. لم يجتهد الرئيس في تسمية الإنجاز الذي سيذكره في خطابه؛ فالتوقيت الذي اختاره في الذكرى الأولى لاغتيال قوات كومندوس أميركية لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، لم يكن صدفةً.

لقد أراد أن يذكّر ناخبيه بأنّه من اجتثّ رأس الإرهاب، أسامة بن لادن، وأنّه من وجّه ضربة في العمق إلى تنظيمه، مع اشتداد حماوة الحملة الانتخابية الرئاسية في ظل اقتراب الحسم الجمهوري للمرشح الرئاسي.
قدّم أوباما في خطابه عرضاً انتخابياً من قاعدة باغرام الجوية، فأعلن نفسه قائد القوات المسلحة القادر على إنهاء حربين طويلتين، إحداهما في العراق انتهت بانسحاب القوات الاميركية، والقضاء على تنظيم «القاعدة»، وحاول أن يعلن بدء فجر جديد للشعب الاميركي الذي أنهكه النزاع والركود الاقتصادي.
وقال أوباما «لقد بدأت هذه الحرب في أفغانستان وستنتهي هنا»، مشيراً إلى «سحابة حرب قاتمة» استمرت عقداً من الزمن، بعد الهجوم الذي كان وراءه بن لادن في أيلول 2001. وأضاف «وهنا أيضاً، في فترة ما قبل فجر الظلام في أفغانستان، نستطيع أن نرى نور يوم جديد يلوح في الأفق». وتابع أوباما استعراضه قائلاً «لم تسع الولايات المتحدة ولا كابول وراء هذه الحرب، لكننا صمدنا معاً طيلة عقد كامل». وأضاف «نأمل بمستقبل يعمّه السلام ونحن نوقّع اتفاقاً لنصبح شركاء على المدى الطويل». وأكد أن «الهدف الذي حددته بالتغلب على القاعدة ومنعها من إعادة تجميع قواها بات في متناولنا»، بما أنّه لم يجد أي إنجاز يذكر في الحرب، في ظل تخبّط القوات الأميركية بعضها ببعض.
وجدد الرئيس الأميركي دعوته «طالبان» إلى الانضمام إلى المصالحة الافغانية. وأضاف «قلنا بوضوح إن بالإمكان أن يصبح لهم دور في المستقبل إذا ما قطعوا صلاتهم بالقاعدة واحترموا القوانين الافغانية. كثر هم أعضاؤهم وعناصرهم الذين أظهروا اهتماماً بإجراء مصالحة. طريق السلام مرسومة أمامهم». وأضاف «تقدمنا على مدى أكثر من عقد تحت السحب السوداء للحرب. لكن هنا، في الظلمة التي تسبق فجر أفغانستان، نميّز بزوغ يوم جديد يرتسم في الافق». ودغدغ مشاعر الأميركيين ببراعته الخطابية، قائلاً «أدرك أن الكثير من الاميركيين سئموا من الحرب. بصفتي رئيساً، لا شيء يؤلمني أكثر من توقيع رسالة إلى عائلة (جندي قتيل) أو النظر إلى عيني طفل سيكبر من دون أم أو أب». وأكد «لن أترك أميركيين في خطر يوماً واحداً أكثر مما هو ضروري لأمننا القومي. لكن علينا إنهاء العمل الذي بدأناه في أفغانستان وإنهاء هذه الحرب بطريقة مسؤولة». أوباما وصل إلى كابول سرّاً في منتصف الليل، ووقّع اتفاقاً مع نظيره الأفغاني حميد قرضاي يتعلق بتقديم مساعدات أميركية إلى أفغانستان لمدة عشر سنوات، بعد سحب قوات الحلف الأطلسي القتالية في 2014. تتناول المساعدة مهمات تدريبية واستخبارية، حيث يفترض أن تبقى بضعة آلاف من القوات لمساعدة نظيرتها الأفغانية بعد الانسحاب لملاحقة «الإرهابيين». وبموجب الخطة الأمنية، يفترض أن ينسحب 30 ألفاً من القوات بحلول أيلول، على أن يستكمل انسحاب بقية القوات الـ88 ألفاً بعد عامين.
وفي تعليق للبيت الأبيض على الاتفاق، قال إن «الولايات المتحدة ستعتبر أفغانستان حليفاً رئيسياً غير عضو في الحلف الأطلسي»، وهو امتياز سبق أن حصلت عليه بلدان مثل اليابان والأردن ومصر. لكن هذا الاتفاق «لا يلزم الولايات المتحدة بعدد جنود أو مستوى تمويل في المستقبل». الاتفاق الأمني الذي وقّعه أوباما يستهدف إيران، وإن لم يذكر ذلك، إذ ضمنت الولايات المتحدة بموجبه اتفاقاً عسكرياً استراتيجياً على الجبهة الشرقية لها، رغم أنه لا ينص على إقامة قاعدة عسكرية دائمة، لكنه يلزم هذا البلد بمنح «تسهيلات للقوات الاميركية حتى 2014 وما بعده». لكنّ قرضاي حاول أن يطمئن دول الجوار، في إشارة إلى إيران وباكستان، عبر القول إن الاتفاق مع الولايات المتحدة «لا يهدد أي دولة ثالثة، بما فيها الدول المجاورة، ونأمل أن يؤدي ذلك إلى إحلال الاستقرار والازدهار والتنمية في المنطقة».
ويبدو أن زيارة أوباما ستكون بداية سلسلة من الخطوات لإنعاش ذاكرة الناخبين حيال إنجاز قتل بن لادن، إذ يعتزم البيت الأبيض خلال اليومين المقبلين نشر بعض الوثائق التي جرت مصادرتها من المنزل الذي قُتل فيه بن لادن في باكستان، العام الماضي، على الإنترنت. وقال مستشار الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان، في خطاب في مركز «وودرو ويلسون» في واشنطن، إن مركز مكافحة الإرهاب في كلية «ويست بوينت» العسكرية سينشر على الإنترنت بعض الوثائق التي جرت مصادرتها من منزل بن لادن في مدينة أبوت آباد قرب إسلام آباد، مشيراً إلى أن بن لادن كان يشتكي من تراجع معنويات المجندين وأن المنظمة كانت تتعرض لكارثة تلو أخرى. وأضاف برينان أن بن لادن كان قلقاً من صعود قادة لا يتمتعون بالقدر ذاته من الخبرة، لأن ذلك سيؤدي إلى ارتكاب أخطاء. وأكد «لدينا معلومات عن أن مقتل بن لادن لم يقض على تنظيم «القاعدة»، ولكنّ مقتله وعدداً من مساعديه جعل الولايات المتحدة أكثر أمناً». وأشار برينان إلى أن «قادة القاعدة يواصلون تحمّل عناء التواصل مع مرؤوسيهم والمتعاونين معهم، ويعانون من ضغط كبير في المناطق القبلية في باكستان من حيث إيجاد أماكن لتدريب وتهيئة جيل جديد من النشطاء، كما يجدون صعوبات في اجتذابهم. الروح المعنوية لديهم منخفضة، ويدركون من دون أدنى شك أنهم لن ينتصروا أبداً. اختصاراً: القاعدة تخسر وبن لادن كان على علم بذلك».



«طالبان» تُطلق «هجوم الربيع»


بعد ساعات من زيارة باراك أوباما الخاطفة لأفغانستان، شنّت حركة «طالبان» هجوماً مزدوجاً استهدف نزلاً محصناً يؤوي موظفين أجانب في كابول، أمس، لتعلن بعدها بداية «هجوم الربيع»، في تحدّ لإعلان أوباما أن الحرب شارفت على الانتهاء. وفجّر انتحاريون يرتدون البراقع التي ترتديها النساء الأفغانيات، سيارة مفخخة، فيما اشتبك مسلّحون مع الحراس في مجمع «القرية الخضراء» المحاط بتدابير أمنية مشددة، والذي يستخدمه موظفو الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وذكرت وزارة الداخلية أن سبعة أشخاص قتلوا من بينهم ستة أفغان على الأقل.
وقالت «طالبان» إن الهجوم جاء تحدّياً لتصريح أوباما بأن الحرب قد انتهت أثناء زيارته. ووصفت الاتفاق الأمني الذي وقّعه أوباما بأنه «غير شرعي». ورأت أن قرضاي ليس له حق التوقيع على الاتفاق، واتهمته بأنه يبيع سيادة أفغانستان إلى الاميركيين. وتعهدت بمواصلة القتال المسلح «ضد جميع محتويات الوثيقة غير الشرعية إلى حين الانسحاب الكلي لجميع القوات الغازية ودماها»، في إشارة إلى حكومة قرضاي. وفي ما بعد، أعلنت الحركة بدء «هجوم الربيع» السنوي في جميع أنحاء أفغانستان ضد «الغزاة الأجانب ومستشاريهم والمتعاقدين معهم، وجميع الذين يساعدونهم عسكرياً واستخبارياً»، اعتباراً من اليوم. وسمّت العملية «الفاروق».