يتسلم الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند سلطاته اليوم من الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي، في مراسم متواضعة تهدف إلى إحداث قطيعة مع سلوك سلفه، وذلك بالتزامن مع وضع هولاند اللمسات الأخيرة على تشكيلة حكومته. ويتولى هولاند، الذي انتخب في السادس من أيار بغالبية 51,6 في المئة من أصوات الناخبين، اليوم مهماته في الإليزيه، فيما لم يتسرب أي شيء منذ أسبوع عن اختيار رئيس وزرائه، رغم تداول الصحافة اسمي مسؤولين كبيرين في التراتبية الاشتراكية مقربين منه، هما النائب جان مارك آيرو ورئيسة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري.

وسيشمل حفل التسليم والتسلم، الذي لم يتغير منذ بداية الجمهورية الخامسة، لقاءً على انفراد في قصر الإليزيه بين ساركوزي وهولاند، حيث يقوم الرئيس المنتهية ولايته بإطلاع رئيس الدولة الجديد على الإجراءات في مجال السلاح النووي. وسيلقي الرئيس الجديد كلمته الأولى قبل المرور في جادة الشانزيليزيه في سيارة سيتروين مكشوفة، ثم سيوجه تحية إلى جول فيري الذي جعل المدرسة العلمانية إلزامية ومجانية وإلى ماري كوري حائزة جائزة نوبل للكيمياء قبل المشاركة في حفل في بلدية باريس. وهذه الخطوات الرمزية هي فرصة للرئيس الجديد للتشديد على أولوياته خلال ولايته القائمة على إيلاء أهمية للشباب والتعليم في فرنسا التي تعاني بطالة متزايدة.
وفي الإليزيه، حرص هولاند على أن يكون الحفل بسيطاً في حضور رؤساء وزراء سابقين من الاشتراكيين، فيما لن يكون هناك ضيوف من رؤساء الدول. كذلك لن يحضر أولاده من صديقته السابقة سيغولين روايال «فهم يعتبرون أن هذا المكان ليس مكانهم»، بحسب روايال، التي أوضحت في مقابلة مع «كانال بلس» أن «هناك لحظات عائلية خاصة ولحظات رسمية يجب أن يحترم البروتوكول خلالها». وشددت الصديقة السابقة للرئيس المنتخب على «أن الشعب الفرنسي انتخب فرانسوا هولاند رئيساً للجمهورية، لا عائلته أو رفاقه وأصحابه»، مشيرةً إلى أن حضورها حفل التنصيب سيكون بصفتها مرشحة سابقة للانتخابات الرئاسية عام 2007. كذلك سيغيب أولاد رفيقة حياته الحالية فاليري تريرويلر.
في هذه الأثناء، يتوقع أن يتخذ هولاند بعض التدابير الرمزية مثل خفض راتب رئيس الدولة والوزراء بنسبة 30 في المئة تنفيذاً للوعد الذي تقدم به خلال حملته الانتخابية، وإدراكاً منه أن «السنوات الخمس (لولايته) سيحكم عليها من بدايتها». وسينتظر من هولاند التحرك بسرعة بشأن الاقتصاد، وخصوصاً أن النمو لا يزال ضعيفاً. ويفترض أن يبدأ الرئيس الجديد قبل تموز بسلسلة إصلاحات ضريبية مع زيادة الضرائب على الرواتب الأعلى والشركات الكبرى.
وفي الأيام الأخيرة، أظهر هولاند صورة الرجل البسيط وهو يتجول في شوارع باريس ويتحدث إلى المارة مبتسماً ويزور معرضاً أو يشارك في إحياء ذكرى ما، ليعبّر بعد انتخابه عن رغبته في مواصلة تصرفه كرجل عادي.
لكن هولاند سيدخل صخب الحياة السياسية مع بداية ولاية من خمس سنوات، بتعيين رئيس وزرائه الذي سيكشف غداً عن تشكيلة حكومته، وسط توقعات أن توزَّع المناصب في الحكومة بالتساوي بين النساء والرجال وأن تضم حلفاء من دعاة حماية البيئة. كذلك، سيكلف رئيس الوزراء أيضاً ترتيب معركة الاشتراكيين للانتخابات التشريعية في العاشر والسابع عشر من حزيران المقبل.
أما على الصعيد الدولي، فسيواجه الرئيس الفرنسي الجديد، غير المعروف في الخارج، تحدياً ثلاثياً يتمثل في قدرته على الإقناع بصوابية مواقفه وقدرته على التسويات وإقامة علاقات شخصية مع كبار قادة العالم. لكن الملف الذي سيطبع ولايته، المتمثل بإعادة التفاوض بشأن معاهدة الانضباط المالي في أوروبا التي يريد هولاند أن يضيف إليها شقاً يتعلق بالنمو، سيُبحَث اعتباراً من اليوم في برلين مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، التي سبق أن رفضت لقاء المرشح الاشتراكي قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وأعلنت ميركل في حينه دعمها الواضح لمنافسه نيكولا ساركوزي، قبل أن تعلن بعد فوز هولاند أنها تؤمن بـ«شراكة دائمة» بين البلدين؛ لأن الأمر بين فرنسا وألمانيا لا يمكن أن يكون إلا على هذا النحو.
وتتمسك برلين بمعارضتها لأي إعادة تفاوض بشأن معاهدة الانضباط المالي، مذكرةً بأن 25 دولة في الاتحاد الاوروبي تبنت هذا النص، بالتزامن مع تأكيدها أنها تؤمن بشراكة «مستقرة» مع باريس.
ضمن هذا السياق، أكد وزير المالية الألمانية فولفغانغ شوبل، أن النمو وتنقية الموازنة لا يتعارضان، وذلك بعدما دعا المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الفرنسي بنوا هامون، المستشارة الالمانية أن تدرك أنه لا يمكنها «أن تقرر وحدها مصير أوروبا».
والتسوية التي سيسعى الطرفان الألماني والفرنسي للتوصل إليها حول تحريك النمو وضرورة التقشف المالي، لن «تصل الى نتيجة في غضون 24 ساعة» وفقاً للنائب الاشتراكي هنري ايمانويلي الذي أكد أن تحقيق «هذا الأمر سيتطلب وقتاً».
وبعد برلين، يتوجه هولاند إلى كامب ديفيد في الولايات المتحدة حيث سيشارك في قمة مجموعة الثماني يومي الجمعة والسبت المقبلين، ثم يغادر إى شيكاغو الاحد والاثنين لحضور قمة الحلف الاطلسي.
ومن المتوقع أن يوضح هولاند للرئيس الأميركي باراك أوباما رغبته في سحب القوات الفرنسية المتمركزة في أفغانستان قبل الوقت المحدد، فيما تخشى الولايات المتحدة التي تساهم بأكبر قوة أجنبية منتشرة في أفغانستان، أن يمثّل الانسحاب الفرنسي إشارة إلى رحيل مكثف تقرره دول أخرى ملتزمة في هذا البلد منذ 2001.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)