مقديشو | جبال غولس. سلسلة مرتفعات وكهوف جبلية ومغاور محفورة، تمتد ما بين بلدة «غال غالا» وبلدة «عيرى غابو» حاضرة محافظة «سناع»، بدأ اسمها يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة، وسط مخاوف من تحولها إلى مثلت موت ضد حكومات الصومال وإثيوبيا واليمن، في ظل معلومات عن اتخاذ حركة الشباب ومقاتلي تنظيم القاعدة من المنطقة مأوىً لهم. وعززت هذه الأنباء المخاوف من نشر الفوضى والعنف في مناطق حكومات إقليم «بونت لاند» و«أرض الصومال» ومنطقة «أوغادين» الصومالية التي تتمتع بحكم ذاتي تابع للنظام الفيدرالي الإثيوبي، إلى جانب المحافظات الجنوبية لليمن.
وتعد بلدة غال غالا المقر الرئيسي للميليشيات الإسلامية، حيث يمكن بمجرد دخولها ملاحظة الرايات السوداء المرفوعة ورجال قبليين لهم صلات مع المتمردين يجمعون لهم المعلومات عن المقاهي وأماكن التجمع. كذلك، يلاحظ أن هؤلاء الرجال يستخدمون شرائح اتصالات من مقديشو بدلاً من شرائح شركات الاتصالات في «بونت لاند» و«أرض الصومال»، تفادياً لرصد اتصالاتهم من سلطات هذه المناطق.
وتعيش حكومة إقليم بونت لاند حالة من القلق خوفاً من تمدد عدم الاستقرار الذي قد ينتقل إلى مناطق آمنة في شمال الصومال وفي داخل إثيوبيا واليمن، فيما لا تخفي الميليشيات أنها تهدف إلى «إسقاط نظام بونت لاند ومحاربة أجهزة الاستخبارات المحلية المتعاملة مع الاستخبارات الأميركية والفرنسية تميهداً لتطبيق الشريعة الإسلامية» .
وفي إطار هذه الاستعدادات، جند الشيخ محمد سعيد «أتم»، زعيم الميليشيات الإسلامية في جبال غولس التي تحالفت بداية هذا العام مع حركة «الشباب» الموالية لتنظيم القاعدة، مئات الشبان من عشيرته الذين يتدربون على حرب العصابات وزرع المتفجرات وصنع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة بهدف «إخافة وإرباك عدوهم واستهدافه».
الشيخ محمد سعيد، كان طالباً لم يكمل دراسته الجامعية، وتعتبره الأمم المتحدة تاجر أسلحة وأحد أبرز قادة المتمردين لحركة «الشباب». انتشر اسمه فى أوساط الصوماليين بداية عام 2010 بعدما خاض مقاتلوه حرباً طاحنة مع قوات حكومة إقليم بونت لاند. من جهته، أكد القنصل الصومالي الجديد في مدينة عدن، أحمد عبدي حسن، في اتصال مع «الأخبار» أن حركة الشباب تنقل أعمالها الجهادية إلى سلسلة جبال غولس، وذلك لأهمية موقعها الاستراتيجي حيث تطل على البحر الأحمر وباب المندب، ومن خلالها ستتمكن من السيطرة على الحركة الملاحية في المحيط الهندي والبحر الأحمر وخليج عدن. وأوضح القنصل الصومالي أن ذلك سيؤدي إلى زعزغة استقرار المناطق المتاخمة للصومال، ما يزيد من تأمينات البواخر التجارية وارتفاع الأسعار الغذائية والأدوية ومفاقمة الأوضاع المعيشية للسكان.
من جهته، لفت رئيس حكومة إقليم «بونت لاند» عبد الرحمن شيخ محمد محمود فرولي إلى أن القياديين الكبار لحركة الشباب بدأوا يستخدمون البر والبحر للانتقال إلى جبال غولس منذ شهر آب الماضي.
وقال فرولي مخاطباً طلبة من جامعة بونت لاند بمدينة جرووي، إن مقاتلي حركة الشباب منذ سقوط نفوذ الحركة في مقديشو والمناطق الجنوبية يتدفقون نحو شمال شرق البلاد التي تشتهر بسلسلة جبال ممتدة نحو الساحل، مستخدمين زوارق تبحر من ساحل بلدتي «مركه» و«براوه» من محافظة «شبيلي السفلى» في الجنوب. وأوضح أنهم يحاولون تقوية علاقتهم مع تنظيم القاعدة في اليمن. وأضاف «شوهد زورق يمني في ساحل بلدة «لاس قوري» قبل يومين كان يقل مقاتلين وقياديين أجانب».
وأبدى رئيس حكومة إقليم «بونت لاند» مخاوف سلطاته من امتداد قوة المتمردين في منطقته، لافتاً إلى أنه «شوهد هذا الأسبوع فى مدينة لاسعانود نائب أمير الشباب لشؤون الأمنيات والاستخبارات، لكن قواتنا لا تسيطر على هذه المدينة التى باتت محل نزاع دموي بين سلطات بونت لاند وأرض الصومال».
وفي السياق، قال مسؤولون في الجهاز الأمني التابع لحكومة إقليم «بونت لاند» إنهم اعتقلوا 30 شخصاً بتهمة التعامل مع حركة «الشباب» بعدما تسللوا مشياً على الأقدام إلى مدينة جرووي عاصمة الإقليم التي تشهد حراسة مشددة من جميع بواباتها ومنافذها البرية. وقال قائد شرطة محافظة آدم موسى جامع، إن جميع المتهمين سيحالون إلى التحقيق والقضاء لينالوا ثمن عدائهم للسلام، معلناً أن العمليات الأمنية ستتواصل دون انقطاع، محذراً من مساندة وإيواء ما سماه «الإرهابيين وفلول القاعدة».
أما الشيخ محمد إبراهيم، أحد قادة الإسلاميين فأكد في اتصال هاتفي مع«الأخبار» أن «الأنظمة العميلة والدويلات الصغيرة في الصومال سينتهى دورها قريباً وستواجه أشرس الهجمات، وسنزحف في الخفاء حتى نحقق هدفنا وإيصال رسالتنا السلمية إلى سكان الشمال لتطبيق الشريعة الإسلامية على المفهوم الصحيح، وسنكسب التأييد من هذه المناطق التي تتمركز فيها قوتنا الإسلامية».
ووسط هذه التطورات، تخشى دول القرن الأفريقي من أن تسعى القاعدة الى تحويل بلدة غال غالا إلى منصة انطلاق لعناصر تنظيم القاعدة باتجاه عدد من دول الجوار، فضلاً عن تحول المنطقة إلى معقل كبير لتنظيم القاعدة في شرق أفريقيا، وخصوصاً في ظل وجود مخابئ سرية يصعب تتبعها بسهولة أو تعقب أثر المقاتلين أو الدخول معهم في مواجهة مسلحة. في المقابل، تبرز مخاوف لدى الصوماليين من أن يوفر التحرك الجديد لحركة الشباب المبررات التي قد تدفع بالغرب إلى فرض تدخل عسكري واللجوء إلى استراتيجية الغارات الجوية المكثفة أو إقامة قواعد ترهن استقلال وثروات إقليم بونت لاند التي بدأت التنقيب عن نفطها بالتعاون مع شركة كندية.
وفي انتظار ما ستشهده الصومال من تطورات، يبقى الحل المناسب في نظر المراقبين يتمثل في تعزيز الاتحاد الأفريقي جهوده لإعادة الأمن والاستقرار ونشر عشرات الآلاف من قواته في وسط وجنوب البلاد للحد من نفوذ حركة «الشباب» التى لا تزال تتظاهر بأنها ليست ضعيفة، وتهدد بمواصلة حربها حتى تسحب قوات حفظ السلام الأفريقية « أميصوم» من البلاد دون تردد.



«الشباب» تعدّ لعميات انتحارية!


يرى محللون أمنيون، رفضوا كشف هوياتهم، أن عناصر من حركة «الشباب» يستعدون للقيام بتنفيذ عمليات انتحارية ضد مراكز حيوية في شمال البلاد وجنوبه بهدف تحقيق إنجاز عسكري، دون التمييز بين المدنيين أو العسكريين، وهو الأمر الذى يجعل إنهاء وجودها أكثر صعوبة.
ويدل النشاط المستجد لحركة الشباب على أن الحركة التي تستعين بخبراء تفجير من جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب لم تهزم بعد، وأن قواتها تتحرك وتحارب في جبهات قتالية عديدة، إلى جانب محاولتها حالياً تحويل جبال غولس إلى مقر كبير لها. في هذه الأثناء، قتل سبعة أشخاص على الأقل، معظمهم من الجنود الصوماليين، في اعتداءات أول من أمس في مقديشو. وتسببت قنبلة زرعت تحت شجرة قرب طريق بمقتل أربعة جنود ومدني في منطقة كارا شمال مقديشو. وأعرب أحد مسؤولي أجهزة الأمن الصومالية، عبد الرحمن مؤمن، عن اعتقاده بأن «أعضاء حركة الشباب الإسلامية زرعوا القنبلة خلال الليل عندما لم يكن أحد موجوداً في المحلة». من جهةٍ ثانية، قتل جنديان عندما ألقى رجال لم تعرف هوياتهم قنابل يدوية على جنود صوماليين كانوا يهدمون مباني غير قانونية قرب سوق بكارا.
(أ ف ب)