واشنطن | كرّر وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، لدى زيارته قبل يومين أحد موانئ فيتنام على خليج كام رانه قرب بحر الصين الجنوبي، ما كان قد أعلنه يوم الجمعة الماضي في مؤتمر حوار شانغري للأمن الدولي في سنغافورة، بأن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة نشر أسطولها البحري الحربي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ما يُعَدّ تحولاً في الاستراتيجية العسكرية الأميركية، تنفيذاً للاستراتيجية الجديدة التي كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلنها في وقت سابق من العام الجاري، بنقل الاهتمام الأميركي إلى تلك المنطقة بعد عشر سنوات من الحرب الأميركية على أفغانستان والعراق. وأكّد بانيتا في فيتنام أنّ الوصول إلى مثل هذه الموانئ على بحر الصين هو حاسم بالنسبة إلى تحويل الولايات المتحدة 60 في المئة من سفنها الحربية وغواصاتها ومدمراتها وسفنها القتالية الساحلية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2020، وذلك في إطار استراتيجية توسيع الوجود الأميركي في آسيا.
تصريحات تدلّ على تزايد الأهمية الاقتصادية والجيواستراتيجية لمنطقة المحيط الهادئ الحيوية في عالم جديد يسعى إلى تعدّد الأقطاب، وسط محاولات الولايات المتحدة لتثبيت نفسها قوة عالمية أولى؛ إذ تمثل دول آسيا المطلة على المحيط الهادئ مركز الثقل الاقتصادي العالمي بإسهامها بأكثر من نصف الناتج الاقتصادي العالمي، ويمرّ عبر المحيط الهندي نصف عدد الحاويات في العالم، ونحو 70 في المئة من المنتجات النفطية، وذلك في طريقها من الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ عبر طرق الملاحة البحرية الرئيسية للنفط في العالم: خليجا عدن وعمان، بالإضافة إلى بعض المحطات التجارية الرئيسية مثل مضيق باب المندب ومضيقي هرمز وملقا.
وتزداد أهمية منطقة المحيط الهادئ مستقبلاً مع تزايد الطلب العالمي على الطاقة، حيث تشير التقديرات إلى أن هذه الزيادة ستصل إلى نحو 45 في المئة في الفترة الممتدة ما بين 2020 و2030، حيث قد تستحوذ الصين والهند على نصفها، فيما تشير دراسات البحرية الأميركية إلى أن المحيط الهندي والمياه المجاورة له سيكونان المسرح الرئيسي للنزاعات العالمية بحلول عام 2025.
وبالرغم من إصرار بانيتا وغيره من المسؤولين الأميركيين على أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة لا تستهدف محاصرة الصين أو إقامة تحالف ضدها، إلا أنّ زيارته لفيتنام تزيد من مخاوف بعض المسؤولين الصينيين الذين يرون التحول محاولة لتطويق البلاد، وإحباط مطالب بلادهم بالسيادة على بعض الأراضي والمناطق، وخصوصاً في بحر الصين الجنوبي.
من جهة ثانية، تواجه هيمنة البحرية الأميركية على أعالي البحار خطراً بسبب التنافس الصيني الهندي في هذا الميدان؛ ففي نهاية الحرب الباردة كان لدى البحرية الأميركية 600 سفينة حربية، انخفض عددها إلى 285 سفينة في 2008. لذلك تعمل القوة البحرية الأميركية على تدعيم القوة البحرية لحلفائها (الهند في المحيط الهندي واليابان في المحيط الهادئ الغربي)، وذلك بهدف الحد من توسع الصين. وتسعى في الوقت نفسه إلى ضم البحرية الصينية إلى التحالفات الدولية؛ لأن التوصل إلى تفاهم بحري صيني ـــ أميركي هو أمر مهم لتحقيق الاستقرار في السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين.
ويعزو المسؤولون الأميركيون التغيير في الاستراتيجية العسكرية الأميركية بالتركيز على آسيا والمحيط الهادئ إلى ما يقولون إنه التزامات استراتيجية تاريخية للولايات المتحدة في تلك المنطقة على اعتبار بلادهم قوة اقتصادية ترتبط بعلاقات وثيقة مع ثاني وثالث أكبر اقتصاديات العالم الموجودة في المحيط الهادئ مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية. وترى واشنطن أن هذه المنطقة تُعَدّ فضاءً اقتصادياً يحدد مستقبل الاقتصاد الأميركي وتحالفاتها العسكرية الممتدة من أوستراليا إلى اليابان.
وقد أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في مقال لها في مجلة «فورين بوليسي» في شهر تشرين الثاني الماضي، أن مستقبل السياسة الأميركية سيتحدد في آسيا والمحيط الهادئ، لا في أفغانستان والعراق، مشيرة إلى أن «إحدى أهم المهمات الأميركية خلال العقد المقبل ستكون الدخول في استثمار دبلوماسي واقتصادي واستراتيجي متزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ لأن ثمة ضرورة إلى تحديث التحالفات العسكرية الأميركية مع اليابان وكوريا والفيليبين وتايلاند، وذلك وفقاً للتغيرات التي تحدث في العالم، وأهمها النمو الاقتصادي الآسيوي الملحوظ خلال العقد الماضي وبناء هذه المنطقة لهندسة أمنية واقتصادية أكثر نضجاً للاستقرار والازدهار الذي يضمنه الجيش الأميركي».