أنقرة | حُطّمت الآمال الكبيرة المعقودة للتوصل إلى حلّ سلمي للمسألة الكردية إثر هجوم دموي لحزب العمال الكردستاني على موقع عسكري تركي، يوم الثلاثاء، أدى إلى مقتل 8 جنود أتراك و10 من مقاتلي حزب العمال. وجاء الهجوم بعد علامات إيجابية كثيرة أشارت إلى حل سلمي بعد تصريحات «تبحث عن السلام» لكل من الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. لكن العملية العسكرية خلقت موجة من التشاؤم والتكهنات التي تشير إلى أن الجناح الراديكالي في حزب «العمال»، بدعم من دمشق، يحاول منع أي حلّ سلمي.
أياماً قليلة قبل وقوع الهجوم، قال القائد العسكري في حزب العمال الكردستاني مراد كارايلان، في مقابلة مع صحيفة تركية، إن «السلام قريب للغاية، وقيادة حزب العمال طلبت من مقاتليها الدفاع عن أنفسهم فقط، من دون الهجوم على مواقع الجيش». وأشار كارايلان إلى أنه لم يكن قادراً على السيطرة على بعض العناصر داخل حزبه، وهؤلاء العناصر يعملون ضد جهود السلام.
ولفت كارايلان إلى هجوم آخر وقع العام الماضي على موقع عسكري تركي، أدى إلى مقتل 13جندياً تركياً. وأشارت مصادر استخبارية، في ذلك الوقت، إلى أن المواطن السوري باهوز أردال أعطى الأمر بالهجوم. المصادر عينها قالت أيضاً إنّ أردال، كقائد ميداني، وعلى خلاف رأي كارايلان، هدد بوقوع هجمات جديدة، في تصريح له. «إنهم يتحدثون عن السلام، وعن رمي السلاح، ولكن كل يوم ينفذون العمليات التي تهدف إلى تدميرنا»، يضيف أردال في تصريحه.
ورأى الصحافي البارز جنكيز شاندار أن هناك بعض الدوائر الرسمية التركية تسعى إلى حلّ أمني فقط بعيداً عن المسار السياسي، وكذلك داخل حزب العمال الكردستاني، حيث «ليس للبعض الخاطر بإلقاء السلاح». وكتب: «عندما نحلّل أي حدث يضر تركيا علينا أن نضع في بالنا أن هناك محوراً سورياً إيرانياً يعمل ضد تركيا».
وأكد الباحث الاستراتيجي، امري أوسلو، أن تأثير السوري أكثر فاعلية. وأشار إلى أن التصريحات الإيجابية الأخيرة من الجانب التركي بدأت بعد انهيار خطة المبعوث الدولي كوفي أنان في سوريا، إذ كانت الحكومة التركية تأمل وقف عمليات حزب العمال عبر رسائل سلام تركية، والتركيز على الوضع السوري، ولكن الهجوم الأخير يدل على أن حزب العمال «لم يستقبل الرسائل». وقال أوسلو إنّ هذا الهجوم من تنظيم المحور السوري ـــ الإيراني بهدف زعزعة الاستقرار في تركيا. ولفت إلى أن الهجوم وقع قبل ساعات فقط من لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما مع رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان، وعلى جدول أعمالهم الملف السوري.
واقترح، أخيراً، حزب الشعب الجمهوري المعارض، إنشاء هيئة مشتركة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم تحت سقف البرلمان، تسعى إلى إيجاد حل للمسألة الكردية المنفجرة منذ عقود. ظهر الاقتراح في لقاء نادر جمع رئيس الحزب كمال كيليشدار أوغلو مع أردوغان، الذي كانت ردّة فعله إيجابية.
من ناحيتها، دعت الشخصية البارزة في الحركة الكردية، النائبة في البرلمان التركي، ليلى زينة، حزب العمال الكردستاني إلى وقف الكفاح المسلح. ورأت أنّ أردوغان هو السياسي الوحيد الذي يستطيع حل المسألة الكردية. جاء ذلك بعد إعلان الحكومة التركية، على لسان نائب رئيس الوزراء بولنت ارينش، أن اللغة الكردية سوف تدرّس في المدارس الحكومية كمادة اختيارية.
وفي سياق آخر، لفت ارينش إلى أنّ من الممكن تخفيف ظروف سجن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة على جزيرة في بحر مرمرة. وقال: «إذا ألقى حزب العمال الكردستاني السلاح، فمن الممكن نقل أوجلان إلى الإقامة الجبرية في منزله».
دولياً، أعرب الرئيس العراقي جلال الطالباني أنه يشارك في الجهود المبذولة لإقناع حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح. كذلك يضغط رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود البرزاني على حزب العمال «لتحويل نضاله العسكري إلى نضال سياسي سلمي».
بدوره، شدد الرئيس التركي عبد الله غول، في بيان، على أن الهجوم يهدف إلى تخريب جو الثقة والاستقرار، وأنه يستهدف إضعاف إرادة حلّ المشكلة الكردية. وختم: «أنا ألعن هذا الهجوم الغادر»، بينما دعا رئيس حزب السلام والديموقراطية صلاح الدين دميرتاش، بعد وقوع الهجوم، حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء أسلحتهم، وناشد الحكومة وقف جميع عملياتها العسكرية. وأضاف: «كيف يمكننا وضع حد لهذه الدماء؟ ينبغي إعطاء فرصة لإيجاد حل سياسي. نحن نعلم أن كلاً من حزب العمال الكردستاني والحكومة لن يحصلا على نتيجة من خلال الصراع والحرب. لماذا يموت هؤلاء الشباب؟ هذا هو موقفنا، ودعوتنا الصادقة».