في موقف رئيس ميانمار، ثين سين، الأخير أمام مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنتونيو جوتيريس، بعدم اعتراف الحكومة بـ«الروهنجيا»، صورةٌ وافية عن معاناة الاقلية المسلمة في بلاد يشهد تاريخها القريب والبعيد موجات من العنف والكراهية بحق العرق «الاكثر اضطهاداً» في العالم خلال مئة سنة بحسب الامم المتحدة.
الرئيس كان واضحاً في اعلانه أن بلاده لن تتحمل وجود الاقلية المسلمة وأن حكومته مستعدة لتسليمهم إلى مفوضية اللاجئين لتقيم لهم مخيمات قبل أن يستقروا في النهاية في بلد ثالث «يكون مستعداً لاستقبالهم»، وهو ما اعتبره جوتيريس خياراً غير صائب لانهاء معاناتهم.
ويأتي موقف الرئيس فيما البلاد تشهد موجة عنف دامية اندلعت منذ شهر تقريباً، حصدت حتى الآن ما يزيد على الألف قتيل والخمسة الآف جريح وقرابة 3000 مخطوف، و تدمير 20 قرية و200 منزل و300 ألف لاجئ هربوا إلى بنغلادش، في ما يمكن تسميته «تصفية القرن العرقية» وسط انشغال دولي بأحداث سوريا وتعتيم اعلامي تمارسه الحكومة الميانمارية.
التطورات الاخيرة جاءت أيضاً فيما البلاد تعيش على وقع التحول الديموقراطي بعد 49 عاماً من حكم العسكر توجتها الانتخابات الاخيرة في نيسان الماضي، وساهمت في تعليق الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد اعترافاً منهما وتشجيعاً لتحولها للديموقراطية.
التحول الديموقراطي سمح لولاية الراخين (أراكان سابقاً)، التي تضم 5.5 ملايين مسلم بحسب منظمة «تضامن الروهينجا»، بالحصول على 36 مقعداً في البرلمان توزعت بين 33 مقعداً للبوذيين و3 مقاعد للمسلمين. وكان إعلان الحكومة في 8 حزيران الماضي بأنها ستمنح بطاقة المواطنة للروهنجيين في أراكان الشرارة لاندلاع الاحداث التي بدأت بعدما اشاع عدد من البوذيين عن قيام ثلاثة مسلمين باغتصاب فتاة بوذية، فقامت مجموعة «ماغ» البوذية المتطرفة بمهاجمة حافلة تقل مسلمين في مدينة سيتوي عاصمة الاقليم وتسببت في مقتل 10 مسلمين. وسرعان ما تطورت الاحداث بنحو دام وحولت سيتوي إلى ساحة حرب.
تصعيد قابلته السلطات بفرض حالة الطوارئ في محاولة منها لاستعادة القانون والنظام، إلا أن الاحداث توالت لتسجل يومياً سقوط العديد القتلى في صفوف الروهينجا في ظل دعم حكومي اكدته منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأسبوع الماضي، إذ كشفت في تقرير أن قوات الأمن في ميانمار ترتكب انتهاكات ممنهجة ضد الروهينجا.
كذلك وصفت مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» في بنغلادش، الاحداث بأنها ليست عنفاً طائفياً فقط بل «تطهير عرقي تدعمه الدولة»، وان دول العالم لا تضغط على ميانمار لوقفه، مشيرةً إلى أنه حتى زعيمة المعارضة و«أيقونة الديموقراطية في ميانمار» والفائزة بجائز نوبل للسلام سنة 1991، اونج سان سوتشي، التزمت الصمت على رغم مناشدة المسلمين لها بمساعدتهم في انهاء معاناتهم.
واضافة إلى القتل والتهجير على يد البوذيين، عانى الروهينجيون، الذين يراوح عددهم بين خمسة ملايين وثمانية ملايين نسمة يعيش 70% منهم في إقليم راخين، من اضطهاد السلطات البنغلادشية لهم التي تبنت قراراً بعدم السماح لأي لاجئ بدخول البلاد لاسباب تتعلق بوجود عدد كبير منهم على اراضيها، وأن السماح للاجئين جدد سيؤثر على الامن والنظام وسيتسبب في أضرار بيئية واجتماعية خطيرة على البلاد بحسب ما اعلنت وزيرة الخارجية البنغلادشية ديبو موني الشهر الماضي.
هذا ما اكدته مراسلة «نيويورك تايمز» في بنغلادش التي نقلت عن الشهادة أن المهجرين واجهوا الترحيل بعد وصولهم إلى بنغلادش، بعدما كانوا قد تعرضوا لاطلاق نيران مروحية، وفقدان ثلاثة من ستة قوارب، وغرق بعض الأطفال أثناء الرحلة النهرية التي استغرقت أربعة أيام، ووفاة آخرين جراء الجوع.
ويأتي التصعيد الأخير في سياق طويل من الاضطهاد الممارس من قبل السلطات المحلية للمسلمين، وهو ما ذكره تقرير أخير للمفوضية العليا للاجئين أن الروهينجا يتعرضون في ميانمار لكل أنواع «الاضطهاد»، ومنها «العمل القسري والابتزاز وفرض القيود على حرية التحرك، وانعدام الحق في الإقامة وقواعد الزواج الجائرة ومصادرة الأراضي»، كما فرضت الحكومات المتعاقبة ضرائب باهظة عليهم، ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، ومارست ضدهم أشكالا مختلفة من التهجير الجماعي والتطهير العرقي.
وعلى الرغم من مطالبة العالم السلطات الميانمارية بالاعتراف بالمسلمين الروهنجا ومنحهم الجنسية، إلا أن الحكومة ترفض هذه المطالب بل وتصر على رفض اعتبارهم جزءاً من الشعب الميانماري، بل اعتبرتهم دخلاء على البلاد، وتستمر في العمل بتشريع ما عرف بـ«قانون الجنسية» عام 1982 الذي اعطى للمسلمين صفة «مواطنين درجة ثالثة» وبموجب هذا القانون تم حرمانهم من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما تم حرمانهم من جميع الحقوق الإنسانية الطبيعية والأساسية مثل حق التصويت في الانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية.
أما على الصعيد السكاني، فما زالت الحكومة تقوم بإحداث تغييرات جذرية في التركيبة السكانية لمناطق المسلمين، فلا توجد أي قرية أو منطقة إلا وأنشأت فيها منازل للمستوطنين البوذيين سلّمتهم السلطة فيها. ومنذ عام 1988 قامت الحكومة بإنشاء ما يسمى «القرى النموذجية» في شمال أراكان، حتى يتسنّى تشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق.
اضطهاد لم يقف عند هذه الحدود بل مارست الحكومة بمليشياتها عمليات طرد وتهجير جماعي متكررة، وهو ما حصل في عام 1962 عقب الانقلاب العسكري حيث طرد أكثر من 300.000 مسلم إلى بنغلادش. وفي عام 1978 طرد أكثر من نصف مليون مسلم، في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة 40.000 من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وفي عام 1988 تم طرد أكثر من 150.000 مسلم. وفي عام 1991 تم طرد قرابة 500.000، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة، انتقاماً من المسلمين لأنهم صوتوا مع عامة أهل البلاد لصالح الحزب الوطني الديموقراطي.



الرعاية الصحية ميؤوس منها

كشفت نائبة رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في ميانمار، أمس، فيكتوريا هوكينز، أن «حصول الكثيرين على الرعية الصحية في ولاية الراخين أصبح ميؤوساً منه حالياً بعدما كان محدوداً قبل الاضطرابات الأخيرة». وأضافت أن «التحدي الكبير الذي نواجهه في الوقت الحالي هو الوصول إلى مناطق راخين، فالتوترات وانعدام الأمن يشيران إلى عدم تمكننا من الوصول إلى العديد من الناس المحتاجين للرعاية الصحية العاجلة. ومن المهم أن تبذل كل الجهود للتأكد من أن المنظمات الطبية قادرة على استئناف أنشطتها للوصول إلى جميع المحتاجين». وقالت هوكينز إن «الاتصال المحدود الذي استطعنا القيام به مع مرضانا المصابين بفيروس نقص المناعة البشري أكد لنا مدى قلقهم بشأن تعطل علاجهم».
وطبقاً لما ذكرته مجموعة ميانمار الإيجابية، وهي شبكة دعم لمرضى فيروس نقص المناعة البشري، هناك 669 مريضاً (320 في سيتوي و 349 في مناطق بوثيدونج مونجدو) على لائحة الأشخاص المحتاجين للأدوية المضادة للفيروسات القهقرية من العيادات التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود.
من جهته، أشار مسؤول البرامج في مجموعة ميانمار الإيجابية، مين سان تن، إلى تعذر الاتصال بثلاثين مريضاً، مضيفاً «نحن قلقون جداً بشأن صحة هؤلاء». وأشار تقرير لمشروع أراكان للعام الجاري إلى أن المؤشرات الصحية كانت مروعة.