صنعاء | لم يعد الرئيس عبد ربه منصور هادي هادئاً. هذا العسكري القديم والعتيد، الذي صار رئيساً للجمهورية اليمنية، لم يعد ذاك الرجل الصامت. لقد صار صوته أعلى من سلفه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. حتى هذا الأخير لم يفعلها في سنواته الـ33 التي قضاها في الحكم. لكن هادي فعلها في كلمة أمام طلبة الكلية الحربية في صنعاء الأسبوع الفائت. كأن وجوده هناك كان المقصود به بعث رسالة ما إلى طرف بعينه وليس أكثر من هذا.
على الرغم من عدم قدرته، بحسب اعترافه لمبعوث الأمين العام العام للأمم المتحدة جمال بن عمر، على الخروج من بيته وأن الرصاص لا يزال ناجحاً في الوصول إلى محيط منزله، خرج هادي إلى المكان الذي يقع فيه مبنى الكلية الحربية الواقعة في المنطقة الشمالية من مدينة صنعاء. خروج كان كالعادة بحماية من قوات الفرقة أولى مدرّعة، التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر، الموالي للسعودية والمناهض للوجود الشيعي في اليمن المتمثل في الحراك الذي تقوم به جماعة الحوثي التي تمسك بمقاليد الأمور بمحافظة صعدة (شمالي صنعاء) وتتحكم بكل الأمور الحياتية والخدمية فيها.
لم يتأخر هادي في إلقاء كلمته أمام الطلبة وتبيان هدفه، بعدما أعلن عن وجود خلية تجسس تعمل في اليمن منذ سبع سنوات. قال إنه بصدد فعل إجراءات صارمة ضد التدخل الإيراني في الشأن اليمني. تراجع قليلاً عن لهجته الحادة ليقول «يا أشقاءنا في إيران، ارفعوا أيديكم عن اليمن، فاليمن لن يكون ألعوبة بأيديكم»، لكنه ما لبث أن عاد إلى لهجة أكثر حدّة مخاطباً القادة في إيران، رافعاً صوته ومشدداً على أن من يتدخل في الشأن اليمني الداخلي سيدفع الثمن غالياً. وبلغة الواثق، أكد أن لدى السلطات اليمنية وثائق، وأنها حجزت متهمين وضبطت غرف عمليات «وسنفضحها أمام العالم».
هكذا قال الرئيس اليمني الجديد، الذي يبدو أنه قد أقلع عن هدوئه وصار يقول كلاماً كبيراً بعدما لجأ إلى نبرة مرتفعة جداً لم تكن معهودة منه. حتى الرئيس السابق علي عبد الله صالح لم يصل لمقدار حِدة هذه اللهجة في أي خطاب له ضد جماعة الحوثي ومن خلفها إيران. لم يقل «إن الرد سيكون قاسياً»! ولا لمرة واحدة في كافة خطاباته. السفير الأميركي الحالي في صنعاء، جيرالد فايرستاين، الذي لا يترك مناسبة في الآونة الأخيرة إلا ويتحدث فيها عن تدخل إيراني، لم يقل مثل هذا الكلام. هو اكتفى بدعوة إيران إلى عدم التدخل في الشأن اليمني. قالها وصمت، في حين يواصل هو، تدخله في الشأن الداخلي وكأنه حاكم معلن على اليمن.
وأتى هذا التصعيد من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي باتجاه إيران بعد الإعلان عن ضبط خلية التجسس الإيرانية التي قيل إنها تعمل في اليمن منذ نحو سبع سنوات ويقودها قيادي سابق في الحرس الثوري وتحت إشراف مباشر من سفير طهران في صنعاء. وبحسب مصدر أمني يمني، «فإن السفير الإيراني في صنعاء كان المسؤول عن عملية التشيّع في منطقة القرن الافريقي وانشاء معسكرات التدريب للمسلحين في الصومال وإريتريا أثناء عمله في وزارة الخارجية». وأضاف المصدر الأمني في تصريحات صحافية، إن الأجهزة الأمنية بالتعاون مع بعض أجهزة استخبارات لدول شقيقة وصديقة استطاعت الكشف عن «أيدي الجماعات المسلحة، سواء تلك التي تدين بالولاء العقائدي الإيراني أو الجماعات المسلحة التي تتلقى الدعم المادي والعسكري الايراني لتنفيذ مخططاتها رغم عدم وجود أي ولاءات عقائدية».
وتبع التصعيد الرئاسي باتجاه إيران تصعيد آخر من هادي نفسه بعدما أصدر «توجيهات صارمة» تهدف إلى رفع سقف الاجراءات الاحتجاجية، وذلك من خلال رفض استقبال أي موفدين من قبل الحكومة الايرانية إلى صنعاء، إضافةً إلى طرد عدد من الدبلوماسيين الايرانيين «المشتبه في تحركاتهم واعتبارهم غير مرغوب في بقائهم في اليمن واستدعاء السفير اليمني في طهران وطرد السفير الإيراني من صنعاء».
لكن هذا التصعيد الكلامي توقف عند هذه النقطة. ظهر الأمر وكأنه جاء من غير إعداد جيد مسبق وتم طبخه بطريقة مستعجلة من قبل الرئيس والحكومة اليمنية في مقابل لهجة إيرانية هادئة. الرد الإيراني جاء على مرحلتين. الأولى عبر رفض المتحدث باسم الخارجية الايرانية، رامين مهمانبرست، في تصريح لقناة «العالم» الفضائية، اتهامات اليمن بتورط خلية تجسس إيرانية يحركها قيادي سابق في الحرس الثوري الايراني. وقال المتحدث «إن على الحكومة اليمنية أن تلتفت لتحقيق المطالب الشعبية بدلاً من توجيه الاتهامات إلى إيران»، محذراً في السياق نفسه من التدخل الأجنبي في شؤون اليمن الداخلية، في إشارة إلى الولايات المتحدة الاميركية والسعودية. كذلك أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، «أن أي تدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة يعتبر نهجاً خاطئاً من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية الايرانية».
أما في أعقاب إعلان الحكومة اليمنية نيتها سحب السفير اليمني في طهران، فجاء الرد الإيراني ليكشف أنه «ليس في طهران سفير يمني كي يتم سحبه». اتضح أن الخارجية اليمنية قد نسيت أنها قامت بسحب سفيرها في طهران قبل عام ونقلته ليكون مندوباً لليمن في الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي علي الأديمي، إن هذا الرد الإيراني أصاب التصعيد اليمني تجاه إيران في مقتل. وأوضح، في حديث مع «الأخبار»، أن هذا الارتباك الظاهر في حالة التصعيد اليمنية وعدم انتباههم لعدم وجود سفير يمني في طهران إنما يشير إلى أن العملية برمتها قد تمت بشكل عاجل من غير ترتيب. وأشار الأديمي إلى أنه لا يستبعد وجود أصابع سعودية رسمية دفعت بالرئيس هادي إلى فعل هذا التصعيد «أي أنه هجوم سعودي تجاه إيران لكن بأياد يمنية». كما استغرب الأديمي، في ختام حديثه، عن «العلاقة بين خطاب الرئيس عبد ربه منصور تجاه إيران وعودة السفير السعودي إلى صنعاء وإعادة افتتاح سفارة الرياض، وأيضاً موافقة المملكة على الإفراج عن مساعدة نفطية لصنعاء تقدر قيمتها بنحو 600 مليون دولار في وقت لاحق لخطاب الرئيس هادي مباشرة».
بدوره، رأى النائب سلطان السامعي، وهو من بين الشخصيات اليمنية التي تصوب إليها سهام الاتهامات بأنها على علاقة بإيران، في تصريح صحافي أن حكومة الوفاق عندما بدأت تشعر بفشلها الذريع من خلال تململ الناس من أدائها، وبدء الحديث عن فشل الحكومة في أوساط العامة وعجزها عن الكشف عن المتهمين في التفجيرات الإرهابية، لجأت إلى اشغال الناس بمعارك وهمية بعيدة عن قضاياهم الحقيقية، بإعلانها الكشف عن خلية تجسس وهمية ايرانية تعمل في اليمن منذ سبع سنوات.
أمام هذا الواقع، كان على الحكومة اليمنية أن تسارع إلى تصحيح مسار هذا الهجوم، بعدما شعرت بوقوعها في مأزق حيث عجلت بتصريح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، نقله موقع «المصدر أونلاين» المحلي ونفى فيه صحة الأنباء التي تحدثت عن منح عدد من الدبلوماسيين العاملين في السفارة الإيرانية في صنعاء مهلة 72 ساعة لمغادرة البلاد. ونفى المصدر خبر استدعاء اليمن سفيره في إيران، وقال «لا يوجد سفير لليمن في طهران منذ عام وإنما قائم بأعمال السفير».
وفي السياق، استغرب مصدر إعلامي مقرب من حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان حاكماً مطلقاً في زمن حكم علي عبد الله صالح، هذا التصعيد اليمني تجاه إيران وتحديداً في هذا التوقيت الموازي لحالة سياسية داخلية مرتبكة للغاية ووضع اقتصادي ينذر بكارثة حقيقية. وقال المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه في حديث مع «الأخبار»، إن الجميع يعلم بقوة التدخل الإيراني في الشأن الداخلي اليمني منذ حروب صعدة المتتالية ودعم إيران المادي لجماعة الحوثي طيلة الحروب الستة. وأشار إلى أنه «لولا هذا الدعم الكبير لما استطاعت هذه الجماعة الوقوف في وجه النظام طيلة هذه الحروب القاسية». كذلك أكد المصدر أن هذا الدعم الإيراني قد تمدد ليشمل جماعات من الحراك الجنوبي في الفترة الأخيرة ويتم تدريبها في بلدان خارج اليمن. لكن المصدر استغرب اكتفاء القيادة السياسية بالهجوم على إيران وغض بصرها عن التدخل الخارجي في الشأن الداخلي اليمني والذي تقوم به أميركا والسعودية وصار معروفاً لدى الجميع ولم يعد أمراً خافياً على أحد.



تجسس إجباري


قبل عام، توجه شاب إيراني إلى مبنى الأمن القومي في صنعاء من أجل منحه تجديداً لتصريح إقامته في صنعاء التي يعمل فيها منذ ثمانية أعوام مترجماً ومستشاراً سياسياً لدى سفارة هولندا باليمن. لكن حامد ثابت سروستاني (الصورة) لم يخرج من هناك، إذ احتجزه الأمن القومي بتهمة تقديم تقارير لحكومة هولندا أضرت باليمن. كذلك اتهم بالتعاون مع الحوثيين الذين كانوا يقاتلون الحكومة اليمنية وقتها. إلا أنه في تقرير بثته إذاعة هولندا العالمية بعد يومين من إعلان السلطات اليمنية القبض على خلية التجسس الإيرانية، كشف حامد عن طلب الأمن اليمني منه التعاون معهم بالتجسس على العاملين في السفارة الهولندية وتقديم تقارير عنهم لكنه رفض. عندها قيل له في الأمن القومي «أنت لا تريد التعاون معنا، لهذا أنت شخص غير مرغوب فيه» وتم تهديده بترحيله إلى طهران قبل أن يقرروا في نهاية الأمر ترحيله إلى هولندا.