استأنف ثلث عمال منجم مريكانا في جنوب أفريقيا العمل، أمس، بينما اختار الآخرون تحدي الإنذار الذي وجهته الإدارة لهم بصرف المضربين، بعد أيام على مجزرة حصلت في المنجم وحصدت حياة 34 عاملاً على أيدي الشرطة. وأوضحت شركة «لونماين»، وهي الشركة المستثمرة للمنجم، أن «حوالى ثلث العمال البالغ عددهم 28 ألفاً عادوا إلى مراكز عملهم صباح (أمس) الاثنين». وأعلنت الشركة أنه «بعد مشاورات مع ممثلين نقابيين، تقرر أن يتم تسريح العمال الذين يقومون بإضراب غير قانوني في حال عدم استئناف العمل اليوم». وأوضحت أنها «منحت العمال هذا اليوم الإضافي في ضوء الظروف الحالية»، مؤكدةً أن «العمل استؤنف من قبل عدد كبير من الموظفين». وقالت الشركة إن معظم العمال ليسوا مضربين، لكنهم لم يتمكنوا من العمل بسبب أعمال العنف. لكن أعداداً كبيرة من عمال المناجم، الذين لا يزالون يطالبون برفع رواتبهم، رفضوا هذه المهلة، معتبرين أن «إنهاء الإضراب في هذا التوقيت سيكون بمثابة إهانة لأرواح من قتلوا من زملائهم».
وقال زكاريا مبو غاضباً «أن يتوقعوا بأن نستأنف العمل إهانة». وأضاف «قتل العديد من أصدقائنا وزملائنا، ويتوقعون منا أن نعود الى العمل؟ مستحيل!».
بدوره، قال فضيل مغابا، وهو رئيس عمال في مريكانا، «نتوقع أن تعلن الإدارة موقفها. لن نستأنف العمل غداً في حال عدم تلبية مطالبنا بزيادة الرواتب». ويطالب العمال الذين يتقاضون ما يعادل 400 يورو شهرياً براتب يعادل 1250 يورو، أي زيادة أجورهم ثلاثة أضعاف.
وبدأت الأحداث عندما قتل عشرة أشخاص، بينهم شرطيان بين العاشر والثاني عشر من الشهر الحالي في مواجهات نقابية، قبل أن تتصاعد يوم الخميس الماضي عندما قتل 34 من عمال المنجم وأصيب 78 آخرون بيد الشرطة.
وعقب أحداث العنف التي هزت جنوب أفريقيا، أعلن رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، تشكيل لجنة وزارية مكلفة التحقيق في الحادث برئاسة وزير شؤون الرئاسة كولينز شابان. وستحقق اللجنة في ما إذا كان رد فعل الشرطة التي استخدمت الرصاص الحي ضد العمال المضربين متناسباً مع التهديد الذي شعرت به.
ووصف زوما الذي قطع زيارته للموزنبيق، الحادث بـ«المروع»، وخصوصاً أنها المرة الأولى الذي يسقط فيها متظاهرون سود برصاص شرطيين سود منذ نهاية التمييز العنصري في البلاد. وأكد زوما أن ما جرى «غير مقبول في بلد يملك ديموقراطية يحسدنا عليها الجميع». كما أعلن زوما الحداد الوطني أسبوعاً، وأكد أن «الخميس 23 آب سيكون يوماً رسمياً لإحياء هذه الذكرى في البلاد، وذلك في مؤشر على الحداد ولتعزيز مجتمع من دون عنف».
من جهتها، دافعت قائدة الشرطة ريا بياغا، عن طريقة تعامل رجال الأمن مع المحتجين، وقالت إن «رجالها كانوا في حالة دفاع عن النفس، أمام حشد غاضب هاجمهم بالأسلحة النارية والسواطير والعصي».
وقالت بياجا إن «العدد الإجمالي للقتلى هو 34 إلى جانب 78 جريحاً»، موضحةً أن «259 شخصاً أوقفوا لأسباب عدة، بينها العنف في مكان عام والقتل ومحاولة القتل والتجمع غير القانوني وحيازة أسلحة خطيرة».
ورأى معظم المحللين أن الشرطة والعمال يتشاركون في المسؤولية عن انفلات الوضع.
وقال المحلل السياسي ديرك كوتزي من جامعة جنوب أفريقيا في بريتوريا، «هناك تجهيز جزئي للشرطة التي لم يتم تدريبها لمواجهة التظاهرات بطريقة سلمية. إنهم يفضلون استخدام القوة وإطلاق النار على الناس».
كذلك ألقى باللوم على النقابات التي لم تتمكن من تأطير التحرك وتنظيمه.
ولفت كوتزي إلى أنه «خلال كل فترة التوتر التي سبقت المجزرة، كان القادة النقابيون متوارين عن الأنظار». وأوضح أن «نقابة المناجم الكبرى فقدت السيطرة على العمال لأنها تعتبر حليفاً للحكومة وخصوصاً للرئيس جاكوب زوما».
بدروه، اعتبر المحلل السياسي، إبراهيم فقير، أن «قادة النقابات تصرفوا بطريقة غير مسؤولة في إطار ثقافة من الإضراب يشكل العنف فيها عنصراً دائماً».
من جهته، شبه «معهد جنوب أفريقيا لعلاقات الأعراق» ما حدث بواحدة من أسوأ المجازر التي ارتكبها نظام الفصل العنصري في 1960، وهي مجزرة شاربفيل، التي قتل فيها ما لا يقل عن 50 شاباً من ذوي البشرة السمراء برصاص الشرطة قرب جوهانسبورغ.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)