لم يشكل فوز حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات التركية انتصاراً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو لرئيس حكومته (ورئيس الحزب) داوود أوغلو فحسب، بل رأت فيه أطراف عدة «انتصاراً» لها ولحزبها، ومن هؤلاء «حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس»، و«الجماعة الإسلامية» (فرع الإخوان المسلمين في لبنان). ليل الأحد الماضي، عاش حمساويون نشوة فوز أردوغان، افتراضياً.
فهنأ بعضهم بعضاً، كأن الانتخابات التركية جرت في أزقة غزة والضفة. «وكالة شهاب»، مثلاً، المقربة من حماس والمتابعة في دول عربية كثيرة نسيت تلك الليلة، أن هناك انتفاضة مشتعلة في الضفة، فتركت أخبار القدس وما جرى من مداهمات ومواجهات مع العدو في مدينة الخليل تحديداً، لتنقل احتفالات الأتراك بفوز «العدالة والتنمية».
روّجت تلك الوكالة رواية الفرحين بالانتصار كأنه «انتصار لفلسطين» (وصل حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل نهاية 2014 إلى قرابة 5.7 مليارات دولار)، فحرصت على نشر صور أنصار «العدالة والتنمية» وهم يرفعون العلم الفلسطيني في مسيراتهم.

مسؤول حمساوي: العلاقة بتركيا
تختلف عن إيران ذات البعد العقائدي
وعلى المستوى السياسي، جاء أول اتصالات التهنئة بالفوز، من رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، ثم من نائبه إسماعيل هنية، الذي رأى أن «صدى فوز العدالة والتنمية يتردد في فلسطين والقدس وغزة». لكن إلى أي مدى سيصل «صدى» الانتصار وكيف ستستثمره «حماس»؟ أجاب مسؤول في الحركة، رفض الكشف عن اسمه، بأن «علاقة تركيا مع إسرائيل قبل مجيء أردوغان إلى الحكم كانت ممتازة، وكان ممنوعاً على السفير الفلسطيني التحرك بحرية هناك. حالياً لا ننكر أن العلاقة بين الطرفين قائمة لكنها متضعضعة، وأصبحت قيمة السفير الفلسطيني أكبر»، مضيفاً: «نسعى إلى تطوير هذه العلاقة حتى مستويات أعلى».
يقول هذا المسؤول إن العلاقة مع تركيا تختلف عن علاقتهم بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإنه مهما تطورت العلاقة مع أنقرة فهي لن تصل إلى علاقة الحركة بطهران. وتابع: «إيران دولة إسلامية قائمة على نظام عقائدي يؤمن بالقضية الفلسطينية ويعتبرها جزءاً من أيديولوجيته، أما تركيا فهي دولة تحكمها الأحزاب، حالياً حزب العدالة والتنمية في الحكم، سنستفيد منه سياسياً ومعنوياً، لكن إذا تغيّر الحزب الحاكم لاحقاً، ستتغير سياسة الدولة تجاه القضية الفلسطينية». وبالنسبة إليه، فإن الدعم التركي لحركته يقتصر على «الجانب السياسي والمعنوي، ولن يصل إلى حدود التسليح كما تفعل إيران».
أما عن حالة «الفرح» التي عاشها بعض الحمساويين، فقال: «لا تقتصر هذه الحالة على الحمساويين فقط، فقد عاشها أغلب الإسلاميين الوسطيين، مثلاً هناك إسلاميون في دول خليجية لا علاقة لهم مع تركيا أو الحزب الحاكم فيها، لكنهم فرحوا بالنتيجة، بسبب المضايقات التي تعرضوا لها من الليبراليين في بلدانهم»، معتبراً أن هذه الفرحة الزائدة سببها «أفعال خصومهم الذين انتشوا لتراجع شعبية أردوغان في الانتخابات الماضية، فكان انتصار الأحد الماضي رداً عليهم، وتضخيم حجم الفرحة جاء من باب الزكزكة السياسية».
أما بالنسبة إلى أنصار «الجماعة الإسلامية»، فلا تختلف أحوالهم كثيراً. فانتصار أردوغان بالنسبة إليهم «أعطى روحاً معنوية ليس لجمهور الجماعة فقط بل لعدد كبير من أنصار قضايا الشعوب الرافضين للانقلاب العسكري في مصر والمؤيدين لثورة الشعب السوري»، يقول المسؤول السياسي للجماعة في بيروت، عمر المصري. ويضيف: «الخط المنهجي الذي اتخذه حزب العدالة يلامس وجدان العالم العربي، على عكس عدد من الأنظمة العربية والخليجية التي نجحت في إجهاض تجربة (الرئيس المصري المخلوع محمد) مرسي، وحاولت إجهاض التجربة التركية بتقديم عدد من دول الخليج التمويل لحملات خصوم أردوغان الانتخابية».
المصري شرح أنه لن يكون «لانتصار العدالة والتنمية في تركيا انعكاس مباشر» على الجماعة في لبنان، لكن سبب فرحتهم هو الارتباط الوجداني. «فرحتنا نشوة معنوية لمجيء نصير للقضية الفلسطينية وللثورة السورية إلى الحكم»، مضيفاً أن «انتصار أردوغان أعاد التوازن إلى المحور الإقليمي المواجه للمحور السوري ـــ الإيراني، كذلك أعاد الزخم إلى المحور الرافض للغزو الروسي لسوريا».
هكذا، أعاد فوز «العدالة والتنمية» بالأغلبية الروح إلى «الإخوان المسلمين» وأنصارهم برغم أن أردوغان ليس منتميا إلى «الإخوان»؛ فهو «لا يملك بطاقة عضوية كمرسي، لكنه تلميذ الشيخ نجم الدين أربكان الذي نعتبره أحد مدارس الإخوان»، وفق المصري. أما عن كيفية انعكاس هذا الفوز على الصراع في سوريا والمنطقة، فيرى أنه سيكون له تأثيره في الاجتماعات المنعقدة في فيينا، خصوصاً مع «استمرار أردوغان تأكيده وقوفه مع الشعب والثورة السورية». لكن بالنسبة إلى المسؤول الحمساوي، فإن هذه النتيجة «ستخفف حدة الصراع وستسهم في حل الأزمة السورية خصوصاً بعد التدخل الروسي وما لتركيا من مصالح مع موسكو».