يأتي استئناف التوتر بين اليابان والصين حول جزر «دياويو»، في وقت استثنائي يشهد العديد من تصاعد الأزمات في المنطقة والعالم، وخصوصاً أن الصين تصطف في محور مواجه لمحور الولايات المتحدة الذي تدور اليابان في فلكه. إلّا أن المفارقة هي تزامن التوتر حول أرخبيل الجزر، الذي تسميه اليابان «سينكاكو»، مع حركة أميركيّة نشطة في شرق آسيا يقوم بها وزير الدفاع ليون بانيتا، في ضوء الحديث عن قرار واشنطن وطوكيو نشر منظومة رادار (X) إضافية مضادة للصواريخ في جنوب اليابان «للتصدي لأي تهديد من كوريا الشمالية».
وليس مصادفة أن تتفاعل قضية الأرخبيل المتنازع عليه في بحر الصين الشرقي بعد نحو أسابيع قليلة من تفاعل نزاع مشابه بين اليابان وكوريا الجنوبية حول جزر دوكدو في بحر الشرق والواقعة بين اليابان وكوريا. نزاع تفاعل أكثر مع بدء القوات العسكرية الكورية مناورات للدفاع عن هذا الأرخبيل. كما انه ليس من الغريب أن تتصاعد وتيرة هذه الأزمة على وقع تطورات داخلية في كلا البلدين: انتخابات مُبكرة في اليابان وتجديد القيادة الصينية لعقد جديد.
محطات تاريخية عديدة صدف تزامنها مع هذا التوتر الذي تشهده منطقة شرق آسيا، لعل أهمها ذكرى غزو اليابان للصين، كمحطة أليمة مُنغرسة في ذاكرة الصينيين: «حادثة موكدين» التي قامت بها اليابان عام 1931 وشكلت ذريعة لاجتياح منشوريا شمال شرق الصين، مقدمةً لاحتلال العديد من المناطق الصينية.
إرهاصات الأزمة بين الدولة الشيوعية الماوية وجارتها «الإمبريالية» بدأت في 15 آب الماضي، في ذكرى استسلام اليابان عام 1945. يومها احتجّت بكين بشدة على زيارة وزيرين يابانيين لنصب ياسوكوني في طوكيو، الذي يعتبره الصينيون والكوريون رمزاً للنزعة العسكرية اليابانية. لكن القشّة التي قصمت ظهر البعير كانت الثلاثاء الماضي، حين قررت حكومة اليابان تأميم جزر «سينكاكو».
لعل هذا الاهتمام الزائد بمنطقة غنية بالغاز الطبيعي، يؤكد أطماع كل من طوكيو وحليفتها واشنطن في استغلال مصادر الطاقة في بحر الصين الشرقي، وربما الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للجزر في تعزيز مواقع الولايات المتحدة التي لا تنظر بعين الودّ الى دور وسياسات الدولة الشيوعية في المنطقة والعالم.
الأميركيون، الذي يحتفون اليوم بنصب رادار جديد على الأراضي اليابانية، قال عنه وزير الدفاع الأميركي إنه «يهدف لتعزيز قدرتنا على الدفاع عن اليابان»، ظهروا حريصين على عدم استفزاز التنين الصيني، مؤكدين أن منظومة الانذار القوية لا تستهدف الصين، بل «ستكون ناجعةً لحماية الولايات المتحدة من خطر أي صواريخ بالستية كورية شمالية».
فالمصالح الاقتصادية المشتركة بين الصين والولايات المتحدة تُجبر الأخيرة على اتّباع سياسة الحيّة في اللدغ والاختباء، وبالتالي تأتي زيارة بانيتا الى بكين في اطار التخفيف من حدة الحرب الباردة، حرصاً على عدم استفزاز التنين، فيما تؤكد اليابان أن اتفاقية الأمن المبرمة بينها وبين الولايات المتحدة تغطي الجزر المُتنازع عليها مع الصين.
لكن بانيتا، الذي استخدم الاسم الياباني للأرخبيل حين عبّر من طوكيو عن قلق بلاده «من الصراع القائم بشأن جزر سينكاكو»، كان حريصاً في تعليقه على الدعوة الى «الهدوء وضبط النفس من جانب جميع الأطراف». وفي رد غير مباشر على شمول الأرخبيل في اتفاقية الأمن المشتركة بين واشنطن وطوكيو، أوضح بانيتا ان «من سياسة الولايات المتحدة ألا تتخذ موقفاً في ما يتعلق بمطالب السيادة محل الخلاف».
هذا الحرص الأميركي على حل الأزمة سلمياً بدا متناغماً مع موقف بكين الذي صدر على لسان وزير الدفاع ليانغ غوانغ ليه، الذي شدد عقب محادثاته مع نظيره الأميركي في العاصمة الصينية أمس، على حل «المسألة بشكل صحيح من خلال السبل السلمية والمفاوضات».
غير أن ليانغ الذي بدا حريصاً في تصريحه على «تعزيز نمط جديد من العلاقات العسكرية» بين الصين والولايات المتحدة، أكد في الوقت نفسه أن «جزر دياويو هي أراض صينية أصيلة، وهو ما يتضح من التاريخ والقانون. وقد ناقشت مع الوزير بانيتا هذه المسألة في محادثاتنا». الحرص الصيني على عدم انفلات الأمور تجلى بشكل واضح مع بدء الاحتجاجات في العديد من المدن الصينية على شراء اليابان للجزر المُتنازع عليها، فقد تعهدت بكين بحماية المواطنين اليابانيين والممتلكات وحثت المحتجين المناهضين لليابان على التعبير عن أنفسهم «بطريقة منظمة وعقلانية وقانونية».
وبدا أن أزمة الجزر لم تكن سوى محاولة أميركية لتحريك المياه الراكدة في بحر الصراعات الكبيرة بين معسكرين متناقضين، لكن مع الحذر من التورط في حرب لن تُحمد عقباها لأي طرف من الأطراف. فالحديث عن الهدوء والحلول السلمية أكده بدوره وزير الخارجية الياباني كويشيرو غيمبا، بعد لقائه بانيتا أول من أمس في طوكيو، بقوله إن اليابان ستحافظ على هدوئها وستتعاون «مع الولايات المتحدة حتى لا تتأثر العلاقات بين اليابان والصين بشكل بالغ»من هذه الأزمة.
لعل من المفارقات أن تسبق هذه التصريحات منذ أسابيع قليلة عمليات استعراض للقوة قامت بها قوات أميركية ويابانية حول هذا الأرخبيل الصغير الذي يبعد 400 كيلومتر غربي جزيرة أوكيناوا (جنوب اليابان) ونحو 200 كيلومتر شرقي سواحل تايوان، التي تطالب بدورها بالسيطرة على هذه الجزر.
بدايات التوتر الجديد كانت الشهر الماضي بعد دخول ناشطين صينيين إحدى الجزر، وأعقب ذلك نزول 10 يابانيين على الجزيرة ذاتها بعد أيام، ما أثار احتجاجات في الصين بلغت ذروتها بالهجوم على سيارة السفير الياباني لدى بكين وقيام أحد المحتجين بنزع علم اليابان من فوق السيارة. توتر تجدد الأسبوع الماضي مع اعلان طوكيو تأميم الجزر، الأمر الذي دفع الصينيين للنزول الى الشوارع احتجاجاً والاعلان عن ارسال بوارج وسفن الى الأرخبيل، فيما أجبرت شركات يابانية كبرى تعمل في الدولة الشيوعية على اقفال ابوابها.
وكانت هذه الحوادث الجديدة مناسبة لتحرك بكين من أجل اثبات ملكيتها التاريخية للجزر، فجاء التوضيح على لسان أمين مكتبة الصين الوطنية هوانغ رون هوا، عارضاً وثائق تاريخية وأطالس وصحفاً قديمة تتعلق بجزر دياويو والجزر التابعة لها في بحر الصين الشرقي. الوثائق تؤكد أن الصين اكتشفت جزر دياويو في بداية القرن الخامس عشر ووضعتها تحت ولايتها كجزر صغيرة تابعة لتايوان، حسبما تنقل وكالة أنباء الصين (شينخوا). كما أظهرت الوثائق أن الحكومة المركزية وضعت الجزر في مجال الدفاع التابع لمقاطعة فوجيان (شرق الصين).
وعرض أمين المكتبة الصينية أطلساً يُظهر جزر دياويو كجزء من الدفاعات الساحلية للصين في عام 1562 في أقدم سجل للولاية القضائية الرسمية للصين على الجزر.
وقد تكون أقدم وثيقة صينية تسجل الحدود البحرية للصين، هي «سجل زيارة مبعوث الإمبراطور إلى رايوكيو (كانت مقاطعة صينية استولت عليها اليابان وسمتها أوكيناوا)».
أما اليابان فتستند الى أنها في العام 1885 وجدت الجزر عبر تحقيق أجرته سلطات أوكيناوا اليابانية. وكان رد الصين على حجة اليابان ما قاله أمين المكتبة بأنه «محض كذب تاريخي» بالنسبة لليابان أن تزعم السيادة على جزر دياويو ارتكازاً على مبدأ «الذي يأتي أولاً يستفيد أولاً».
ورغم حرص المسؤولين الصينيين على حل الأزمة سلمياً مع اليابان، الا أن بعض الاجراءات التي قامت بها الدولة الشيوعية تؤكد أن سياسة المُهادنة لا تسير بشكل ناجح من دون استعراض للقوة و«اثبات الحق»، فقد نقلت هيئة الاذاعة اليابانية أمس عن حرس السواحل الياباني قوله إن سفينتين على الأقل من بين 11 سفينة صينية لمراقبة المحيط وسفن دورية تبحر قرب جزر «سينكاكو» دخلتا الى مياه تعتبرها اليابان مياها إقليمية لها.
لكن الاذاعة الوطنية الصينية كانت قد تحدثت عن نية السلطات الشيوعية اثبات ملكيتها لجزر دياويو، بتجهيز ألف زورق صيد تستعد للابحار الى المياه الغنية بالأسماك المحيطة بالارخبيل ما ان يبدأ موسم الصيد من جديد.
في أي حال، لا يمكن فصل كل ما يجري في شرق آسيا من توترات حول قنابل تاريخية موقوتة بين اليابان من جهة والصين وكوريا وتايوان وروسيا من جهة أخرى، عن سياق الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، حيث يشكل النظام الستاليني في بيونغ يانغ «تهديداً نووياً» لأميركا وحلفائها في المنطقة. لذلك يمكن تسميتها بالحرب الباردة حيث تلعب كوريا الشمالية دور حجر الشطرنج الذي تلعب به الصين مقابل الولايات المتحدة في المنطقة.
لهذا لن يكون الرادار الأميركي (X) الذي تعتزم واشنطن تركيبه على الاراضي اليابانية الأول من نوعه، ففي الواقع يوجد في اليابان رادار (X) في قاعدة «شاريكي» بمدينة تسوغارو (شمال جزيرة هونشو، كبرى جزر الأرخبيل الياباني).
من المهم الاشارة الى أن هذه التوترات الجديدة بين البلدين الآسيويين تأتي قبل نحو عشرة أيام من الذكرى الأربعين لتطبيع العلاقات بينهما، الأمر الذي حدا بسلطات البلدين الى الغاء العديد من الفعاليات التي كانت مدرجة على جدول المناسبة التاريخية.



تعليق انتاج السيارات

قامت الشركات اليابانية الثلاث الكبرى لانتاج السيارات تويوتا ونيسان وهوندا أمس، بتعليق انتاجها في الصين سواء كلياً أو جزئياً مع توقع تظاهرات جديدة معادية لليابان في هذا البلد. وعلقت «تويوتا» جزئياً عمل مصانعها، فيما علقت «هوندا» العمل في مصانعها الخمسة للتجميع بسبب مخاوف حول أمن موظفيها. وقال متحدث باسم «تويوتا»، الشركة اليابانية الاولى للسيارات، إن «امن الموظفين هو الأولوية الاولى». وتملك «تويوتا» ثلاثة مصانع لتجميع السيارات في الصين توظف نحو 26 الف شخص وتنتج ما يقارب 800 الف سيارة في السنة، كما لدى الشركة شبكة تضم 860 وكيلا عبر انحاء الصين. من جهتها، قررت «نيسان» وقف انتاجها في مصانع التجميع في غوانغزو في (محافظة غوانغدونغ، جنوب) وتشنغتشو (محافظة هينان، وسط شرق)، في حين ان مصنع التجميع الثالث الواقع في تشيانغيانغ (محافظة هوباي، وسط شرق) سيواصل العمل.
(أ ف ب)