بات من الواضح أن منسوب الأبعاد السياسية الداخلية لكل من واشنطن وتل أبيب في مقاربتهما للبرنامج النووي الإيراني مرتفع جداً. فمن جهة توجه الإدارة الأميركية المزيد من الرسائل التي تهدف الى خدمة شعبية الرئيس باراك أوباما، في التنافس الانتخابي، ومن جهة أخرى، تجد إسرائيل نفسها ملزمة باحتواء مفاعيل تراجع الخطاب الاسرائيلي على قدرة الردع لديها، عبر تبرير ترحيل الخط الأحمر الى العام المقبل، بعدما كان العام الجاري هو العام الحاسم، كما يُفترض.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الاميركية، وبعد تراجع الخطاب الإسرائيلي، وجهت الادارة الاميركية رسائل عبر مقرّبين من البيت الابيض ووزارة الدفاع (البنتاغون)، لمّحت فيها الى إمكان توجيه ضربات موضعية للمنشآت النووية الإيرانية قبل انتخابات الرئاسة الأميركية، في السادس من تشرين الثاني المقبل.
ورغم أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» نقلت عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله إن القصف «يمكن أن يحدث في أي لحظة»، فضلاً عن أن الإعداد للعملية تم استكماله خلال وقت قصير، إلا أنها اعتبرت هذه المواقف موجهة الى الجمهور الاميركي، والإسرائيلي والإيراني، من أجل أهداف عدة، منها القول لطهران إنها في حال واصلت مناورتها، فستعمل واشنطن في التوقيت المريح لها، أي قبل الانتخابات، أضف الى محاولة توحيد الشعب الأميركي خلف الرئيس الذي عادة ما يلتف حوله في أوقات الطوارئ، هذا الى جانب محاولة تكوين انطباع كما لو أنها تدرس خيار شن هجوم حتى قبل الانتخابات الأميركية، بعد تحسن التنسيق مع إسرائيل في الأيام الأخيرة.
في كل الأحوال، رأت «يديعوت» أن من المعقول الافتراض أن الأميركيين لو قرروا الهجوم، أو كانوا قريبين من اتخاذ قرار كهذا، لم يكونوا ليعلنوا ذلك مسبقاً، ولما تحدثوا عن ذلك.
في موازاة ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن تأجيل رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الخط الاحمر الى فترة الربيع أو الصيف من العام المقبل، اعتمد على معلومات تضمنها التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية من شهر آب الماضي، إذ أوضح التقرير أن إيران نقلت قسماً مهماً من اليورانيوم المخصب الذي بحوزتها لاستخدامه لأغراض علمية، وهو تطور يؤخر وتيرة التقدم في برنامجها النووي.
ونقلت «هآرتس» عن مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى قولهم إن المعنى العملي لهذه التطورات هو أن «إيران أزاحت الحائط إلى الوراء، لثمانية شهور تقريباً»، وأن آخر موقف لإسرائيل ينبع من هذه التطورات.
لكن ما لم تشر إليه «هآرتس» هو أن التقرير أيضاً تضمن حقيقة أن منشآت «فوردو» النووية الإيرانية باتت تحتوي على أكثر من 2000 جهاز طرد مركزي، ما يعني أن إيران تجاوزت منطقة الحصانة التي كان المسؤولون الإسرائيليون يرونها مبرراً لضرورة التحرك العملاني ضدها، حتى لو اقتضى الأمر عملية عسكرية أحادية بمعزل عن موافقة الادارة الاميركية والتنسيق معها.
في غضون ذلك (رويترز)، أفاد معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن بأن إيران قد تكون قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية واحدة خلال شهرين إلى 4 شهور، ولكنها ستحتاج إلى وقت أطول لصنع القنبلة نفسها. ورأى في تقرير أصدره أول من أمس، أن إيران تملك القدرة على إنتاج 25 كيلوغراماً من اليورانيوم العالي التخصيب الضروري لصنع رأس نووي خلال شهرين إلى 4 شهور.
غير أن التقرير أشار إلى أن إيران ستحتاج إلى «شهور عدّة إضافية لصنع أداة نووية ملائمة للاختبارات تحت الأرض، ووقت أطول لصنع رأس نووي يمكن الاعتماد عليه لاستخدامه في صاروخ باليستي». وقال التقرير إنه إذا استخدمت إيران منشأة «فوردو» الأصغر حجماً والموجودة في مكان عميق تحت سطح الأرض للحماية من الهجمات، بدل منشأة ناتنز، فإنها ستحتاج الى «21 شهراً على الأقل».