في الثالث عشر من حزيران 2011، كان المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية، ميت رومني، يجري مقابلة مع الصحافي جون كينغ على محطة «سي. إن. إن»، حين سأله محاوره عن «الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ» (FEMA) التي كانت تهتم بالأضرار الناجمة عن بعض الكوارث الطبيعية التي حصلت في ولايات ميسوري ولويزيانا وتينيسي، وتعاني من ارتفاع ديونها وميزانيتها. حينها قال رومني لكينغ إنّه من أنصار سحب الصلاحيات من الوكالة وإعطاء المال للولايات كي تصرفه على إدارة الكوارث، أو إلى القطاع الخاص، الذي هو برأيه أفضل الحلول.
مساء الأحد الماضي، كان على أحد المتحدثين باسم رومني، بعدما بدأ الصحافيون نشر هذه التصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مع وصول الإعصار ساندي الى السواحل الشرقية للولايات المتحدة، أن يوضح تصريح رئيسه. هكذا أرسل رسالة إلكترونية لصحيفة «هافنغتون بوست» الإلكترونية، مؤكداً فيها أنّ رومني «يريد أن يتأكد من أن الولايات التي هي أول من يستجيب للطوارئ لديها ما يكفي من المال للتصرف». إذ يبدو تصريح رومني القديم مسيئاً لصورته كثيراً قبل أقل من أسبوع على الانتخابات الأميركية، ويريد حاكم ماساشوستس الأسبق أن يظهر كمن يحرص على مصالح الناس وأوضاعهم في هذه الظروف الصعبة. ولم يساعده بالطبع أن تستغل صحيفة «نيويورك تايمز» فرصة الإعصار لتخصص افتتاحيتها في عددها الصادر أمس لتصوّب على طموح رومني بإدارة مصغرة في حال فوزه بالرئاسة.
إذ بعد إسبوع على إعلانها الوقوف الى جانب أوباما في انتخابات السادس من تشرين الثاني المقبل، كرست الصحيفة افتتاحيتها للحديث عن «الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ» (FEMA) وأحد فروعها المتخصصة في الاستجابة للكوارث، مشددة على أنّ ذلك يقع من ضمن مهمات الحكومات الكبيرة، ورومني «يريد أن يلغيها».
واستعادت الافتتاحية تاريخ الوكالة وكيف كان الرؤساء الجمهوريون يعطلون عملها، فيما يعيدها الديموقراطيون منهم الى الواجهة، من دون أن تنسى التذكير بتصريح رومني حولها في 2011 ومأساة إعصار كاترينا في 2005.
وربما من أجل تلافي أي ضرر قد تلحقه مقالات مماثلة، أوقف رومني حملته الانتخابية مؤقتاً. وقد يجد رومني وضعه أسوأ في هذه الحالة من أوباما، إذ لا يستطيع أن يستمر في جمع التبرعات وإقامة مهرجانات انتخابية في الولايات التي ضربها «ساندي» (وهو بالفعل ألغى لقاءات عدة يومي الاثنين والثلاثاء)، فيما سيقوم أوباما بإدارة الأزمة، من البيت الأبيض، ويحصد التعاطف الشعبي.
وقد يحصل ذلك فعلاً، إذ أعلن البيت الأبيض أنّ أوباما أمضى ليلة الاثنين يتابع التطورات مع حكام ولايات نيويورك ونيو جرسي وأعطى أوامره لزيادة المخصصات المالية لكل الولايات المتضررة، وطلب إرسال المزيد من عمال الإنقاذ. ومن دون شك، فإنّ الكوارث المماثلة هي فرصة لأي رئيس للظهور بمظهر القيادي والقادر على الإمساك بزمام الأمور، لكن أي خلل في التصرف قد يعيد تكرار كارثة إعصار كاترينا التي انعكست بصورة سلبية جداً على شعبية جورج بوش الابن. وهذا الأمر قد يشكل إيجابية لصالح ميت رومني. إذ في حال فشل الإدارة الأميركية في التعاطي مع نتائج الإعصار سيكون أوباما هو الملام، وبالطبع سيحرص رومني على لومه شخصياً، علّه يؤثر على الناخبين المترددين قبل يوم الاقتراع.
ويتساءل الجميع عن إمكان تأجيل الانتخابات في بعض الولايات الأكثر تضرراً. وأشار أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا، آدام وينكلر، لصحيفة «بوليتيكو»، إلى أنّ القانون الفدرالي مبهم قليلاً حول الموضوع، إذ يعطي الولايات التي ترى أنّه لا يمكنها
إجراء الانتخابات الحق بتحديد يوم آخر لفعل ذلك. لكن أستاذ القانون في جامعة بنسلفانيا جيري غولدفيدر قال لموقع مجلة «ذا أتلانتيك» إنّه يحق للكونغرس، وفق الدستور، أن يحدد يوماً مختلفاً للانتخابات، لكن على الولايات كلها أن توافق على التاريخ، هذا في حال اتخاذ قرار بعدم إجراء الانتخابات على مستوى وطني. وهناك مخاوف من أن يكون انقطاع الكهرباء معرقلاً لعميات الاقتراع، إذ توقع مهندس في جامعة «جونز هوبكينز» أن تبقى مناطق كبيرة في ولايات فيرجينا ونيو جرسي من دون كهرباء لفترة طويلة (حوالى 10 ملايين شخص)، ما قد يوقف التصويت الإلكتروني في مراكز الاقتراع.
وعلى الأرض، بدأت التأثيرات على الانتخابات تظهر جلية في الولايات المتضررة، وخصوصاً التي فتحت أبوابها للتصويت المبكر. إذ مددت كونيتيكيت تسجيل الناخبين حتى الخميس، فيما أوقفت ولاية ماريلاند ومقاطعة كولومبيا، حيث تقع العاصمة واشنطن، عمليات التصويت المبكر منذ صباح الاثنين. وقد انخفض عدد المصوتين المبكرين في ولايات فيرجينا ونيو هامبشير ونورث كارولاينا، ويتوقع أن يتأخر وصول التصويت عبر البريد بسبب سوء الأحوال الجوية أيضاً. وقد ينعكس ذلك سلباً على أوباما، إذ إنّ الاستطلاعات كانت تشير دائماً الى أنّ عمليات التصويت المبكر تصب تاريخياً لصالح الديموقراطيين، فهل سيعاقب الناخبون أوباما، أو يتذكّرون تصريح رومني ويصوّتون رغم كل الظروف
السيئة؟