تونس | لا حديث هذه الايام في الشارع التونسي، وعلى شاشات الفضائيات التونسية، الا عن عودة الزواج العرفي الذي انتشر بعد ١٤ كانون الثاني ٢٠١١ وأصبح ظاهرة لافتة للنظر والاهتمام. وقدر رئيس حزب تونس الخضراء، عبدالقادر الزيتوني، بأن عدد الحالات التي تم رصدها تجاوز ٥٠٠ حالة وهو رقم مفزع في مجتمع كان يتباهى إلى وقت قريب بمجلة الأحوال الشخصية والتي تم بموجبها منع تعدد الزوجات وتجريم كل اشكال الزواج الاخرى واعتبارها جريمة «زواج على غير الصيغ القانونية».
وفي الحقيقة، عودة الزواج العرفي ليست ظاهرة جديدة، إذ بدأت بالبروز في السنوات العشر الأخيرة لحكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لكنها حافظت على طابعها السري ولم تتجاوز بعض الحالات القليلة لبعض الميسورين ولم تتحول إلى ظاهرة لها من يدافع عنها الا مع بروز السلفيين والأحزاب الدينية. وبعد انتصار الثورة، أعلن السلفيون والاحزاب الدينية أنهم ضدّ مجلة الأحوال الشخصية واعتبروا أن منع تعدد الزوجات كان قراراً خاطئاً وحملوا هذا القرار مسؤولية ظاهرة العنوسة المتفاقمة في تونس. وحتى حزب النهضة الحاكم الذي أعلن قادته أنهم لن يستهدفوا مجلة الأحوال الشخصية قبل الانتخابات، اصبحوا يتنصلون تدريجياً من مواقفهم وإن لم يعلنوا صراحة وقوفهم ضد منع تعدد الزوجات. بالمقابل، تلتقي بقية الاحزاب الدينية مثل حزب التحرير وجبهة الاصلاح (حزب سلفي) وحزب الوفاء والانفتاح إلى ضرورة مراجعة مجلة الأحوال الشخصية التي منعت تعدد الزوجات والزواج العرفي وتزويج القاصرات وفرض موافقة المرأة قبل عقد الزواج، وهو ما غير العقلية التونسية وجعلها أقرب إلى الغرب، إذ فرضت المجلة حقوق المرأة في التعليم واختيار الزوج والعمل والإرث. هذه الظاهرة اعتبرها علماء اجتماع تونسيون بداية «خلجنة» المجتمع التونسي، إذ إن تغيير بنية الاسرة وأشكال الزواج وخلق مفاهيم جديدة في العلاقات الأسرية من شأنها أن تغير بشكل سريع طبيعة المجتمع التونسي الذي ترفضه الاحزاب الدينية ويستهدفه المال الخليجي، وهي في تناسق كامل مع تنامي التيار السلفي الذي يتعاظم نفوذه كل يوم في الشارع التونسي. عودة الزواج العرفي التي تجد من يناصرها اليوم، مثلت صدمة للنخب التونسية التي راهنت على ثورة يناير، ولم يعتقد احد من الذين وقفوا وراء الحراك الاجتماعي الذي اسقط بن علي أن الشارع التونسي سيعود لنقاش مسائل محسومة قبل سنوات بعيدة.