أنقرة ــ الأخبار دخلت الأزمة العلوية في تركيا منعطفاً جديداً، قد يمثّل عامل تعقيد إضافياً على صعيد هذه الأزمة و«شقيقتها» الكردية، من خلال تطورات بدا أنها تهدف إلى وضع العلويين والأكراد في مواجهة دموية مباشرة. ففي 26 من الشهر الماضي، وقع اعتداء نُسب إلى أكراد على «بيت جمع» علوي (تسمية مساجد العلويين) في حي باشا كشير شاه عنتاب في إسطنبول، وهو الذي يتقاسم سكنه علويون جذورهم من مدينة توبات، من جهة، وأكراد من دياربكر وفان من جهة أخرى. في ذلك اليوم، هاجم نحو 100 شاب ملثّمين «بيت جمع» العلويين في المدينة، حيث كان يجري حفل زفاف، وسط هتافات مؤيدة لحزب العمال الكردستاني. وتخلل الهجوم تحطيم للسيارات المركونة وزجاج المسجد العلوي، مع رواية عن إنزال علم تركي كان مرفوعاً في المكان.
وفي غضون دقائق، ردّ العلويون بهجوم مضاد على أحد مراكز الأكراد التابعة للنازحين من دياربكر، في ظل مساعي مسؤولي المذهب العلوي لتهدئة الحشود الغاضبة. عندها هاجم العلويون مركز جمعية أكراد مدينة فان في إسطنبول، وسببوا بعض الأضرار المادية مع وصول قوات الشرطة إلى المكان المستهدَف.
حادث «مشبوه» رأت منظمة حقوق الإنسان في إسطنبول، في تقرير صدر أخيراً عن هذه الحوادث، أنه «استفزاز يهدف مدبّروه إلى افتعال إشكال علوي ـــــ كردي». وأشارت المنظمة إلى أن هذه الحوادث كان يمكن أن تؤدي إلى سقوط ضحايا لولا «وعي السكان، والتنظيم الجيد لكل من العلويين والأكراد في منظماتهم». وحذّر تقرير منظمة حقوق الإنسان من تكرار سيناريو مجزرة «غازي» التي وقعت في 12 آذار 1995، التي تبين في ما بعد أنها كانت من تدبير عصابات «إرغينيكون» بهدف تدبير انقلاب على الحكومة في حينه، من طريق إثارة شغب عام ينتهي بانقلاب عسكري. وقد بدأت حوادث تلك المجزرة عندما أطلق مجهولون كانوا يستقلون سيارة أجرة، النار على مواطنين علويين في مقاهٍ متلاصقة، ما أدى إلى مقتل مواطن علوي وإصابة 25 آخرين. جريمة ردّ عليها أهالي الضحية والمصابين وأصدقاؤهم بتنظيم تظاهرة أمام مركز الشرطة في الحيّ المذكور احتجاجاً على تأخُّر تدخُّلها، وهو ما جابهته قوى الأمن الداخلي بفتح النار على المحتجين، ما أدى إلى سقوط علوي آخر. وخلال مراسم دفن الضحيتين، هاجم مجهولون أيضاً الحشود في «بيت الجمع»، وقُتل 15 شخصاً خلال الاشتباكات التي دارت بين العلويين والشرطة، وذلك بالتزامن مع مقتل خمسة مواطنين علويين آخرين في حي عمرانية في إسطنبول، عندما كان بنيّة «أخوة» علويي غازي التضامن معهم.
وقد لمّح تقرير منظمة حقوق الإنسان إلى احتمال وجود «مؤامرة» في حادثة غازي لتوريط الأكراد والعلويين في نزاع دموي، إذ إن الطرفين «يتعايشان سلمياً وودياً، وهم عاجزان عن استيعاب لماذا تحدّثت بعض وسائل الإعلام عن نزع علم تركي، لم يكن موجوداً أصلاً في بيت الجمع المستهدَف». ووجدت نظرية «المؤامرة» صداها داخل منظمة «هوبيار العلوية» التي رأت في تقريرها عن الحادث أنّ «الذين فشلوا في افتعال فتنة علوية ـــــ سنية في تركيا، يسعون اليوم إلى إحداث نزاع كردي ـــــ علوي، لذلك لعبوا لعبتهم القذرة في شاه عنتاب»، في 26 كانون الأول الماضي. وجاء في عريضة وقّعها علويون للتنديد باعتداء غازي أنّ «الأيادي السود التي تناهض التعدُّد الثقافي والتعدُّد اللغوي والمجموعاتي الذين افتعلوا الحادثة، يجب إيقافهم سريعاً». وإن صحّت نظرية المؤامرة هذه، فلدى أصحابها الكثير من العوامل ليلعبوا عليها، من طريق وضع الأكراد والعلويين في مواجهة مباشرة قد تكون مدمِّرة.
ومن المعروف عن طيف واسع من علويي تركيا نزعتهم الجمهورية العلمانية المتشددة، التي تُترجَم بكون ولاء قسم كبير منهم موجَّه لمصلحة حزب «الشعب الجمهوري»، وهو ما يفسّر اليوم بكون زعيم أكبر أحزاب المعارضة، كمال كليتش دار أوغلو، هو علوياً. في المقابل، فإنّ تفاصيل الأزمة الكردية معروفة من حيث رفض الغالبية العظمى من الأكراد الاعتراف بأحادية القومية التركية للجمهورية، أحد الشعارات المركزية لدى حزب «الشعب الجمهوري».