دافوس| الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، سارع إلى التحذير من ثورات الجوع «لأن الجياع لا يجدون ما يضعونه في صحونهم»، وذلك خلال انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس بسويسرا. وتحدث ساركوزي الذي ترأس بلاده مجموعة العشرين، التي تمثّل القوة القاطرة للاقتصاد العالمي. ودعا إلى التمسك بمجموعة العشرين، التي تعتمد على وزن سياسي، لم تعد تقابله القدرة المالية والاقتصادية للدول الثماني، مع ارتفاع وزن كل من الصين والهند والبرازيل والمكسيك.
الرئيس الفرنسي، ذهب مباشرة نحو توضيح هذا الواقع ووعد بأن تسعى مجموعة الـ ٢٠ خلال رئاسته، إلى وضع الحيز التنفيذي لمجموعة قرارات مهمة لدعم «استقرار الاقتصاد العالمي، وفي مقدمه تنظيم الأسواق المالية».
ووجّه ساركوزي سهامه إلى القطاع المصرفي، قائلاً «علينا العمل بعيداً عن الأيديولوجيا وبطريقة براغماتية على معالجة نوع جديد من الأزمات». وأضاف «علينا استنباط حلول جديدة»، مشدداً على أن كل الحلول يجب أن تعالج ضمن إطار مشترك. ودعا الرئيس الفرنسي إلى «وضع حلول تراعي بعض الخطوط الحمر والتوفيق بين مجمل الطروحات».
ورأى أن تحسن النمو الذي بلغ ٥ في المئة هذه السنة بعد أزمة السنتين الماضيتين، هو نتيجة «تدخل الحكومات» الذي «كان فعالاً».
وجاء تشخيص ساركوزي للتحديات التي قدمها كورقة عمل السنة المقبلة ليدور حول ثلاث نقاط: ١) العجز العام في العديد من الدول، ٢) عدم توازن العملات في حركة التبادل حول العالم، ٣) التضخم الذي بدأ يلوح في أفق الأسواق العالمية.
وبالطبع، تنعكس تأثيرات هذه النقاط الثلاث على العديد من الجبهات، إلا أن جبهة أسعار المواد الغذائية هي الأشد خطراً، وهو ما دفع ساركوزي إلى القول «إن ارتفاع الأسعار هائل ومثير، وهناك مخاطر هائلة، وعلينا أن نتوقع ثورات الجوع لأن الجياع لا يجدون ما يضعونه في صحونهم».
ومن هذه المقاربة، تنطلق الطروحات الفرنسية لانتقاد «المضاربات على المواد الغذائية»، حيث أعلنت وزيرة الاقتصاد، كريستين لاغارد، أنه يجب معالجة هذا الأمر من زاويتين، الأولى وضع قانون يمنع الذي يريد المضاربة في مجال المواد الغذائية من «الشراء على المكشوف»، أي إجباره على دفع مقدار معين من قيمة الصفقات التي يعقدها، وهو ما يحدّ من عوامل «المقامرة والرهان». أما الزاوية الثانية فهي إنشاء «مصرف معلومات» حول المواد الغذائية، يشير إلى توقعات الإنتاج والمحاصيل وتوجهات أسعارها نسبة إلى مؤشرات الاستهلاك الصناعية والفردية، ويكون الوصول إليه في متناول الجميع، ما يحدّ من «حصرية المعلومات التي يحصل عليها المضاربون»، وبالتالي تصبح الأسواق أكثر انفتاحاً للمنافسة، ما يخفّف الضغط على الأسعار.
وكان موضوع العملات وتوازن أسعار صرف العملات الأساسية من أبرز اهتمامات الحضور، وذكر ساركوزي بأن «لا أحد يرغب في إضعاف الدولار الذي يمثل العملة الرائدة في العالم التي تمثل ٦٢ في المئة من الاحتياطات النقدية». دعم اليورو كان شاغل جميع المشاركين الأوروبيين، وأكد الرئيس الفرنسي للجميع أن «أوروبا هي اليورو»، مشدداً والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على أنهما «لن يتخلّيا عن اليورو».
ورأى ساركوزي أن «من غير المنطقي أن لا تكون أفريقيا عضواً دائماً في مجلس الأمن» وهي قارة فيها أكثر من مليار شخص «سيصبحون مليارين خلال عقدين». وكذلك الأمر بالنسبة إلى القارة الأميركية اللاتينية، في إشارة إلى البرازيل وجنوب أفريقيا والمكسيك.
من جهته، لحق نائب رئيس الوزراء البريطاني، نيك كليغ، بقافلة المدافعين عن العملة الأوروبية، وقال خلال إحدى الجلسات «لقد دعمت الانضمام إلى العملة الأوروبية». لكنه أضاف «الوقت الآن غير ملائم لذلك»، إذ من المعروف أن الحزب الليبرالي الديموقراطي الذي ينتمي إليه كليغ، والذي كان يطالب بالانضمام إلى منطقة اليورو، تخلى عن هذا الموقف بعدما انضم إلى التحالف الحكومي البريطاني مع المحافظين.
من جهته، رأى رئيس المصرف المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، أن «اقتصاد منطقة اليورو في وضع أفضل من اقتصادات الولايات المتحدة واليابان».
إلا أن انتقادات الدول الآسيوية جاءت من الدول الناهضة، إذ شدد الرئيس الأندونيسي، سوسيلو يودويونو، على ضرورة «عدم اختصار آسيا بالصين والهند واليابان فقط».
وقال إن «الدول النامية تمثل نصف الاقتصاد العالمي، وبنهاية هذا العام ستمثل آسيا ٤٥ في المئة من مجموع الناتج الداخلي الإجمالي في العالم»، مشيراً إلى أن أندونيسيا هي ثالث أكبر ديموقراطية في العالم.
ورأى أحد الخبراء في تصريح لـ«الأخبار» أن «وقوف أندونيسيا في صفّ المطالبين بمقعد في مجلس الأمن، وهي منافسة جدية لباكستان التي لن ترى بعين الرضى وصول منافستها الهند إلى مجلس الأمن واستبعادها».
وكان يودويونو قد رأى أن «صعود آسيا يعني أن على دول آسيا أن تكون الدافعة للتغيير في منطقتها»، وهو الشعار الذي اتخذته الهند الحاضرة بقوة في المنتدى «الهند الرائعة ـــ التغيير للمستقبل».
وبالطبع، فإن التوصل إلى توافق لتحرير التجارة العالمية كان ماثلاً في أذهان الجميع بعد سنين من الفشل. إلا أن المفوض الأوروبي للتجارة، كاريل دي غوشت، أعلن أن الدول الكبرى الأعضاء في منظمة التجارة العالمية «قد حددت هدف التوصل إلى اتفاق في تموز المقبل»، لما بات يعرف بـ«اتفاق الدوحة لتحرير التجارة العالمية». وطالب الدول المشاركة بـ«مسودات عمل قبل آذار المقبل»، فيما أفادت مصادر عدة بأن «الصينيين والأميركيين أبدوا تعاوناً أكبر، فيما تمسّك البرازيليون بمواقفهم».
في أيّ حال، لم تكن تونس غائبة عن منتدى دافوس، فقد وجّه رئيس المصرف المركزي التونسي، مصطفى كمال النابلي، نداءً إلى المشاركين مفاده ضرورة عدم فقدان الثقة بإمكانات تونس وطالب بعودة الاستثمارات الأجنبية إلى البلد بعد انتهاء عهد زين العابدين بن علي. وحسبما ذكر أكثر من مصدر في الوفد التونسي، فإن عدداً من المشاركين «قد وصلته هذه الرسالة».