بدأ الرئيس التركي عبد الله غول زيارته المقررة إلى إيران أمس، في ظل حال من الارتياح مشوبة بالترقب تنتاب طهران على أثر إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك «الذي لا شك في أن خبر إطاحته كان نبأً ساراً». ارتياح وترقّب تظلّلهما تساؤلات تتجاوز الحدث المصري إلى تداعياته الإقليمية وتأثيره على موازين القوى في المنطقة.
أسئلة لا يجد الباحث عن إجابة عنها في طهران ما يشفي فضوله. المؤكد أن ما بعد مبارك «مهما بلغ من السوء لن يكون أسوأ مما كانت عليه الحال في وجوده»، على ما تفيد مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران.
هل ستغير الثورة في الموقع الجيواستراتيجي لمصر، أم ستبقيها في إطار الحلف الذي تتزعمه الولايات المتحدة؟ ما مصير معاهدة كامب ديفيد والعلاقة مع إسرائيل؟ بل أكثر من ذلك. هل ستستطيع الثورة المضي إلى نهايتها في إسقاط نظام مبارك، أم أن لعبة ذكية لعبها هذا النظام وانطلت على الثوار؟ هل إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة صادق في إدارة محايدة للفترة الانتقالية تفرز نظاماً وسلطة يعبران بصدق عن موقف الشعب، المعروف بمعاداته لإسرائيل ورفضه للتبعية لأميركا، أم أنه سيعيد إنتاج النظام نفسه، لكن من دون صورة مبارك؟ كلها أسئلة يطرحها حالياً أصحاب الشأن في طهران، حيث هناك حديث عن «صراع هويات هو الذي يحرك التاريخ في مصر. تداخل عجيب بين البحث عن هوية للشعب المصري من زمن جمال عبد الناصر وبين دخول جيل الفايسبوك وتويتر والغرب والأميركيين. هي ظاهرة سوسيولوجية جديدة تحصل للمرة الأولى في العالمين العربي والإسلامي».
ولا بد للواقع التركي أن يفرض نفسه، في إطار زيارة غول الذي استقبله أمس في مطار طهران وزير الخارجية علي أكبر صالحي، على أن تبدأ الزيارة رسمياً اليوم باستقبال يقيمه على شرفه الرئيس محمود أحمدي نجاد.
«الدور التركي أكثر حساسية» حيال التطورات في مصر، تقول المصادر القريبة من أروقة صناعة القرار في إيران، مشيرة إلى أنه «دور مؤثر على الساحة السنية. حتى ولو لم تكن تركيا دولة دينية، هي تحمل الحمل السني». وترفض المصادر نفسها «مقولة إن مصر ستكون خارج اللعبة الإقليمية لفترة طويلة، إلى حين استكمال بنائها الداخلي. لا شك في أنها ستترك فراغاً سيملأه الأتراك. لكن تركيا لا يمكن أن تكون بديلاً لمصر، ستحاول أن تكون شريكاً لها. أنقرة يمكنها الاستفادة من القاهرة أكثر مما تستفيد الأخيرة من تركيا». وتوضح أنه «خلافاً للوضع في إيران حيث الاقتصاد في خدمة السياسة، فإن السياسة في خدمة الاقتصاد في تركيا التي ترى أن دخولها على الخط المصري سيقويها عربياً وسيسمح لها بإيجاد موطئ قدم في شمال أفريقيا، علماً بأن الأتراك مقبولون في المجتمع المصري، كذلك الأمر بالنسبة الى النموذج التركي للحكم».
وتعتقد المصادر نفسها أن «ترميم العلاقة المصرية الإيرانية بحاجة الى بعض الوقت. نحن نراقب التطورات. نراهن على مصالحة مع النظام الجديد ونمد أيدينا له. في كل الأحوال، لا شك في أن ذهاب مبارك يغير معادلات».
وبشأن المحاولات الغربية لتطبيق النموذج المصري في إيران، تقول المصادر «لقد سبق أن مررنا بهذه الطريق قبل 32 عاماً. لن يحصل شيء. أمنيات أميركا بأن تهتز إيران لن تتحقق. الأجواء الإيرانية مختلفة تماماً. النقاش الذي اندلع في أعقاب انتخابات الرئاسة انتهى. الاقتصاد في حالة جيدة جداً. والحكم حريص على تداول السلطة من خلال انتخابات كان هناك دوماً إصرار على أن تجرى في مواعيدها، حتى في ظل الحرب العراقية الإيرانية». وتضيف، عن إصرار المعارضة الإيرانية على التظاهر اليوم رغم رفض الترخيص للمسيرة، «لا مبرر للتظاهر الاثنين. جرت تظاهرة مؤيدة للثورة المصرية الجمعة. رفعت الأعلام المصرية في كل مدن إيران، في خلال الاحتفالات بذكرى الثورة الإيرانية، وصدحت الحناجر بالهتافات المعادية لمبارك».
وفي السياق، أكد رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، أن على «أميركا أن تعي أن شعوب المنطقة قد انتفضت وهي تسعى الى إقامة أنظمة ذات سيادة شعبية، لا أنظمة تابعة وذات ديموقراطية صورية»، فيما قال قائد ميليشيا «الباسيج» الإسلامية في إيران، محمد رضا نجدي، إن «أجهزة الاستخبارات الغربية تسعى وراء مختل عقلياً ليحرق نفسه في طهران واستخدام هذا العمل لاستنساخ أحداث تونس ومصر»، مضيفاً «إنهم (الغربيون) حمقى إذا رأوا أن بإمكانهم النجاح مع هذا النوع من الأعمال».
إلى ذلك، أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي أن السلطات الإيرانية عيّنت العالم النووي فريدون عباسي دواني، الذي نجا من تفجير في تشرين الثاني الماضي، رئيساً للوكالة الإيرانية للطاقة الذرية.