باريس | وصلت ارتجاجات الثورات العربية إلى أوروبا وبدأت تثير انشقاقات في مسار الدبلوماسية الفرنسية وتفرض عليها مواقف جديدة، بعضها سهل التسويق، وآخر صعب بسبب التناقض مع السياسات السابقة. بالطبع لم يكن يمكن المعارضة إلّا أن تنتقد مواقف الحكومة الفرنسية، والتردد الذي رافق ثورتي تونس ومصر مع «التصرف غير المسؤول» لوزيرة الخارجية ميشال إليو ـــــ ماري، أكان ذلك بعرضها «خبرة فرنسا في حفظ الأمن» على نظام بن علي، أم بـ«التعامل التجاري» بين والديها وبين أفراد من حاشية بن علي، إلّا أن النقد الأشرس جاء من رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان، الذي دعا إلى «دبلوماسية ثورية»، بينما لا يزال الكي دورسيه يعالج آثار «الماضي القريب الذي فاجأ الجميع». ورداً على سؤال لـ «الأخبار» عن «شفافية التعامل الدبلوماسي» الفرنسي مع الأحداث في العالم العربي، أجاب دوفيلبان أنه «لم يصبه الهلع» من نشر البرقيات الأميركية المسرّبة عبر موقع «ويكيليكس»، التي حركت الشعوب العربية. وأضاف إن ويكيليكس «قلبت مفاهيم الارتخاء الدبلوماسي». ودعا إلى «دبلوماسية المخاطرة في سبيل الشعوب».
وانتقد دوفيلبان «العادات السيئة في وزارات الخارجية التي أفرغت الكلمات من مضمونها». وطالب بأن تمتلك الدبلوماسية «أنياباً». وشدد على أن المطلوب في عالم متألم أن نأتي بإجابات لا بلغات خشبية.
وبعدما أشار رئيس الوزراء الفرنسي السابق، المرشّح لمنافسة الرئيس نيكولا ساركوزي على مقعد الرئاسة، إلى خطر إعادة تحريك ملفات تتعلق بالإسلام في فرنسا، حذر من أن هذه «الثورة يمكن أن تصل إلى عقر دارنا». ورداً على سؤال عمّا إذا كان يمكن الثورة أن تصل إلى دول الخليج التي تربطها بفرنسا اتفاقيات تعاون ودفاع مشترك، أجاب بعدما نوّه بأن «كل شعب هو حالة قائمة بحد ذاتها»، بأن رياح الاحتجاج باتت منطلقة و«من المستبعد أن تشذ دولة واحدة عن هذا القاعدة». وتابع «لا نستطيع أن نضع العالم العربي في سلة واحدة، لكن الأكيد أن الرسالة باتت واضحة».
وفسر دوفيلبان هذه الرسالة بلغة بعيدة عن الدبلوماسية بقوله «كل قادة العرب الذين يستندون إلى أنظمة استبدادية وقمعية مهددون في أنظمتهم»، مشيراً إلى «الأسر المالكة العربية الغنية». وأنهى بأن طالب أوروبا بألّا تكتفي بعقد مؤتمرات المانحين «بل بأن تساعد الديموقراطية» بعيداً عن الضغوط الأميركية.
وفي المقابل، انتظر الناطق الرسمي للخارجية برنار فاليرو سؤالاً في مؤتمره الصحافي الأسبوعي حتى «يكشف» أنّ «فرنسا أوقفت شحن المعدات الخاصة بحفظ الأمن» لكل من البحرين وليبيا يوم الخميس. ومن المعروف أن عدة عقود تربط باريس والمنامة في مجال التعاون الأمني والعسكري. وقد علمت «الأخبار» من مصادر موثوق بها أن «التعاون مع اليمن معلق منذ مدة ليست طويلة»، بينما تعذر معرفة ما إذا كانت الاتفاقيات الأمنية مع الأردن قد عُلّقت، إلّا أن مصدراً قريباً من ملفات المنطقة أفاد شرط كتم هويته أن التعاون الأمني مع المملكة الهاشمية «يحتل مرتبة عالية جداً من الاهتمام الاستراتيجي الفرنسي» في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يبرر التكتم. رغم هذا فقد أسهب فاليرو في شرح الاتفاقات الأمنية، وأنها لا تقتصر فقط على «التدريب على قمع التظاهرات»، وأعطى مثالاً على تدريب فرق الكلاب البوليسية وتأهيل الشرطة لمتابعة الإرهابيين.
ويقول أحد المراقبين إن فرنسا، في هذا الصدد، «بعد هفوة إليو ـــــ ماري سوف تعلق اتفاق التعاون مع أيّ دولة تجري فيها تظاهرات، في إشارة إلى اقتراح وزيرة الخارجية الفرنسية خلال الثورة التونسية إرسال معدّات «مكافحة شعب» إلى نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ولمّح المصدر نفسه إلى حراك مرتقب في المملكة المغربية، مشيراً إلى التظاهرات المنتظرة غداً الأحد.