نيويورك | استخدمت إدارة باراك أوباما الفيتو للمرة الأولى منذ مجيء الرئيس الأميركي إلى السلطة قبل عامين دفاعاً عن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. وصوّت مجلس الأمن الدولي بغالبية 14 صوتاً، لكن المندوبة الأميركية سوزان رايس مارست حق النقض لإسقاط مشروع القرار. وقالت رايس إنها «تؤمن بالحاجة السريعة إلى حل على أساس الدولتين». ورأت أن السبيل الوحيد هو المفاوضات المباشرة، معلنةً عجز المجتمع الدولي عن التدخل في تطبيق قراراته.
مندوب لبنان نواف سلام، ممثّل المجموعة العربية في مجلس الأمن، تحدّث في بداية الجلسة عن أحكام القانون الدولي بشأن الاستيطان والرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية الذي يحرّم تحويل الأراضي والسكان لمصلحة الاحتلال. وأشار إلى قرارات الجمعية العامة وبيانات اللجنة الرباعية ومؤتمر أنابوليس 2007 التي تلزم إسرائيل تجميد الاستيطان، وأن مجلس الأمن تبنّى هذا الموقف في قراره 1850 عام 2008.
وكانت ضغوط دبلوماسية أميركية غير مألوفة قد سبقت جلسة التصويت على القرار العربي المدعوم من 120 دولة عضواً في الأمم المتحدة، والذي لم يطلب هدم المستوطنات غير الشرعية المقامة على أراض محتلة منذ عام 1967 في الضفة والقدس الشرقية، بل دعا إلى إلزام إسرائيل وقف توسيع هذه المستوطنات.
واستمرت الجلسة حتى ساعة متأخرة من مساء أمس بانتظار القرار من رام الله، فالمجموعة العربية المفككة جرّاء الزلازل الثورية، تركت القرار للقيادة الفلسطينية، التي اجتمعت وأكدت عزمها على المضي قدماً في مشروع القرار.
وفي أعقاب اجتماع عاجل للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلب واشنطن سحب مشروع القرار. وقال عضو اللجنة التنفيذية، واصل أبو يوسف، إن القيادة الفلسطينية قررت المضي في الذهاب إلى مجلس الأمن للضغط على إسرائيل لوقف الأنشطة الاستيطانية. وأضاف أن القرار اتخذ برغم الضغوط الأميركية.
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه، في مؤتمر صحافي في ختام الاجتماع، إن القيادة الفلسطينية قررت بالإجماع التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار القرار.
وعبّر عن أمل القيادة الفلسطينية في ألّا تعطّل الولايات المتحدة صدور القرار الذي رأى أنه «يعبّر عن المصلحة الوطنية ودعم الحرية للشعب الفلسطيني». وقال «حرية شعبنا ليست محل مساومة مع أحد، ومطالبنا هي من أجل الحرية ولن نخضع لأي ضغوط من أية جهة».
وكانت الضغوط قد بدأت باتصال من أوباما بالرئيس الفلسطيني مساء أول من أمس لمدة 55 دقيقة في محاولة لثنيه عن تقديم القرار للتصويت. ثم جرى اتصال طويل بين عباس ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس، قيل في نيويورك إنها هدّدت خلاله عباس بفرض عقوبات على السلطة إذا ما مضى قدماً في طرح القرار.
تهديدات أكّدها مسؤولون فلسطينيون، إذ قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني إن أوباما «هدد باتخاذ إجراءات ضدنا وهذا ليس جديداً، فمنذ أكثر من أسبوع نتلقّى تهديدات أميركية». وأضاف أن التهديد تضمّن أنه «إذا مضينا باتجاه مجلس الأمن فسندفع أوساطاً من الكونغرس إلى إعادة النظر في المساعدات الأميركية». وقال مصدر فلسطيني آخر إن أوباما هدّد محذّراً من عواقب تجاهل الطلب الأميركي على العلاقات الفلسطينية ـــــ الأميركية، «لا سيما أن لدينا مقترحات بديلة».
البديل الأميركي عبارة عن بيان رئاسي يعطي إسرائيل ذريعة الاستمرار في البناء بإدانة «كل أشكال العنف، بما في ذلك إطلاق الصواريخ من غزة». ويؤكد البيان «رفض الاستيطان بشدة من دون إدانته، ويعبّر عن إجماع مجلس الأمن، بما فيه الولايات المتحدة، وينتقد مواقف إسرائيل وخاصة عدم تنفيذ خريطة الطريق، ومواصلة الاستيطان فقط».
وعلّق أحد الدبلوماسيين على البيان، الذي جرى تداوله بين الدبلوماسيين فقط، بالقول «كان الأحرى بالأميركيين إيراد إدانة لشركة «كاتربيلار» الأميركية المسؤولة عن تدمير آلاف المنازل الفلسطينية والتي برهنت على فتك يفوق بكثير فتك كل القذائف الصاروخية الفلسطينية».
قبل عرض المشروع على التصويت سعت البرازيل، التي تترأس المجلس هذا الشهر وهي من الدول الراعية لمشروع القرار العربي، إلى تقديم بيان رئاسي منقّح وملطّف يشير إلى الآراء والمواقف الدولية من الاستيطان ويدعو إلى وقفها والامتناع عن هدم المنازل، ولا يتطرق لموضوع صواريخ غزة. فالبرازيل لا تود أن يحدث خلال ترؤسها للمجلس إحراج للشريك التجاري الأميركي بما يحمل أوباما على استخدام الفيتو.