باريس | من المؤكد أن قاطن الإليزيه نيكولا ساركوزي لن يكون سعيداً البتة بإعلان صحافيي القسم العربي في قناة فرانس ٢٤ إضراباً مفتوحاً غداة انتهاء «الندوة حول العلمانية» التي ينظمها حزبه، والتي تواجه معارضة واسعة من السياسيين، وفي مقدمهم شريحة واسعة من حزب الرئيس تتخوف من قراءة هذه الندوة كمحاولة أخرى لاستهداف المسلمين الفرنسيين بعد مسألة الهوية الوطنية وقضية الحجاب. قد لا يمكن الربط بين «صراع عمالي»، حيث إن مطالب الصحافيين معروفة منذ افتتاح القناة، وبين «ندوة سياسية» أريد لها أن تكون انطلاقة للسباق الرئاسي.
إلا أنه لن يكون من السهل إقناع وسائل الإعلام الفرنسية، التي سوف تزخر بالتعليقات على الندوة العلمانية، بأن «إضراب القسم العربي في قناة الدولة الفرنسية» شيء مختلف عن الاستياء العام من التمييز ضد العرب والمسلمين، ولا سيما أن من ضمن المطالب التي يرفعها العاملون في «فرانس 24» «التناقض بين معاملة الصحافيين من أصول عربية وزملائهم في القسمين الفرنسي أو الإنكليزي». وكانت «الأخبار» قبل أشهر، وفي خضم «أزمة سابقة وتهديد بالإضراب»، قد طرحت على مديرة الأخبار العربية في «فرانس ٢٤»، ناهدة نكد، عدة أسئلة، منها سؤال عن التمييز بين العاملين، «فنفت نفياً قاطعاً حصول هذا الأمر». ورأت أن الأمر «يتعلق بسؤال عن دفع نصف ساعة عمل وأنه سوف يجاب عن هذا السؤال لاحقاً». إلا أنها شددت في تبرير ضغوط العمل على صعوبة إيجاد موارد بشرية لتوظيفها في القسم العربي، إذ قالت إنه «لا يكفي إيجاد الصحافي الملائم صاحب الكفاءة، لكن يجب استخراج أوراق إقامة له وتصريح عمل». إلا أن هذه النقطة كانت على رأس قائمة مطالب الصحافيين قبل إعلان الإضراب. وحسب أكثر من مصدر، فإن سياسة التوظيفات «مبهمة وغير مفهومة»، إذ إن عدداً من «الفرنسيين من أصول عربية» يعملون بعقود مؤقتة، بينما يستجلب عناصر من الدول العربية، وينتقد الزملاء هذه السياسة «التي تحاكي سياسة جلب العمالة المهاجرة»، فهي تبقي أعداداً من الصحافيين العرب الفرنسيين عاطلين من العمل، بينما تضع القادمين الجدد، الذين لا يحملون الجنسية الفرنسية، «تحت قوس الخوف من الطرد». لذا، فإن أبرز مطلب هو «إعلان سياسة شفافة لعروض العمل».
ويقول أحد الذين حضروا الجمعية العمومية، التي أقرت الإضراب، بحضور نكد، إنها «اتهمت بعض الفئات بالعنصرية وبتحريك غرائز عنصرية» بدل الرد على مطالب الصحافيين المفنّدة في ١٢ بنداً نقابياً مطلبياً لا يمكن أن يتردد بتطبيقها أي رب عمل في أي شركة فرنسية أخرى. وينفي أحد الصحافيين مسألة العنصرية، ويذكّر بأن نكد نفسها نفت هذا الأمر في سياق مقابلة مع صحيفة «المصري اليوم» بقولها «أرفض هذا الكلام، ومن يتكلم عن هذه القضايا هو العنصري». ويؤكد عدد من الصحافيين المضربين تعلقهم بـ«فرانس ٢٤» ورغبتهم في رفع مستواها المهني، إلا أنهم يؤكدون أن تحركهم هو «ضد المحسوبية وسياسة فرق تسد» التي تمنع هذه التحسينات.
ويأتي هذا الامتعاض الإعلامي العربي في فرنسا، في وقت يعاني فيه ساركوزي من تراجع في الشعبية، إذ أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «لوبارزيان» أن ساركوزي لم يعد المرشح المفضل لدى اليمين الفرنسي، إذ إن 57 في المئة باتوا يفضلون رئيس الوزراء فرانسوا فييون، بينما فقط 54 في المئة يريدون ساركوزي مرشحاً رئاسياً.
هذا الاستطلاع، الذي جاء بعد خسارة الحزب الأكثري للانتخابات المحلية، وقبل يومين من الندوة عن العلمانية، لا يمثّل إنذاراً فقط لساركوزي، الذي تشير كل الاستطلاعات إلى أنه «لن يتجاوز الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة» أياً كان منافسه، لكنه يرسل أيضاً إشارات إلى «تبعثر القوى» داخل الحزب الأكثري الذي بات أكثر من نصفه ينظر إلى «يمين اليمين»، كما قال أحد مسؤوليه الذي يخاف على الحزب من التحوّل لمصلحة اليمين المتطرف، الذي يرى في الإسلام «خطراً على نمط حياة الفرنسيين»، وفي المهاجرين «خطراً على فرص العمل للفرنسيين».
ومن هنا، سوف يسهل إضراب القسم العربي في «فرانس ٢٤» الربط بين ما يحدث في هذه الإدارة المهمة لصورة فرنسا، وما سوف تحمله الوكالات من تعليقات وانتقادات للندوة العلمانية وبين خبر إضراب زملائهم «العرب» في فرنسا، وخصوصاً أن التصريح العنصري لآلان بوزياك، رئيس القناة، المدير العام للإعلام السمعي والبصري الخارجي لفرنسا، عند إطلاق خدمة ٢٤ ساعة لا يزال يتردد في آذان الجميع: «نحن نريد أن نتكلم بالعربية، لكن لا نريد أن نفكر بالعربية».
يضاف إلى ذلك أن فرنسا تخوض اليوم حرباً في ليبيا، وأن الإعلام باللغة العربية هو «من ضروريات المعركة»، إذ إن الانتقادات بدأت تتصاعد لا في فرنسا فقط، بل في عدد من الدول العربية أمام القصف اليومي العنيف للأراضي الليبية، وبالتالي فإن «الوصول إلى العقل العربي» هو ضرورة سياسية وشبه عسكرية اليوم حتى لا ينفرط عقد الحلفاء مع الشعوب العربية. فهل تنجح إدارة «فرانس ٢٤» في إنقاذ ساركوزي من ورطته و«فصل إضراب صحافيّي القسم العربي» عن محاكاة استهداف العرب؟



عقبات الإعلام


قبل وصول نيكولا ساركوزي إلى الإليزيه، عملت السطات الفرنسية، بدفع من جاك شيراك، على اعتبار قناة «فرانس ٢٤» اليد الضاربة لباريس إعلامياً لمنافسة «سي إن إن» وإذا أمكن قناة «الجزيرة»، بعدما تبينت قوة الإعلام في حربي العراق الأولى والثانية. إلا أنه منذ أن بدأت القناة مسيرتها تحت سلطة وزارة الخارجية وهي تواجه عقبات من كل الأنواع. وقد زاد الطين بلةً الصراعات التي حكمت رأس الهرم الإداري بعدما أصبح ألان بوزياك، المقرّب من ساركوزي، رئيساً لـ«قطب الإعلام الفرنسي الخارجي» والصحافية المخضرمة، زوجة وزير الخارجية آنذاك برنار كوشنير، كريستين أوكرنت، مديرة عامة، وكلاهما له شخصية قوية وله «سند سياسي»، فالأول رجل الإليزيه، بينما الثانية زوجة الوزير المسؤول عن الإعلام الخارجي الفرنسي، ما انعكس مباشرة على عمل جميع الأقسام، وبخاصة على القسم العربي.