طهران | مع اقتراب موعد تقديم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تظهر مؤشرات غير مطمئنة على صعيد تنفيذ الاتفاق النووي. وبرغم أن مرحلة تنفيذ التعهدات الثنائية والإعدادات بين السداسية الدولية والجمهورية الإسلامية، وصلت إلى مراحل متقدمة، إلا أن شكاً ما زال يساور طهران يتعلق بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقرار مجلس حكام الوكالة بإقفال ملف Possible Military Dimension أو ما يعرف اختصاراً PMD أي «الأبعاد العسكرية المحتملة « للبرنامج النووي الإيراني، الذي كان وما زال يمثل عقدة أساسية على طريق إقفال الملف النووي.
في عام 2011، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقاريرها عن وجود شكوك ومعلومات بشأن أنشطة غير سلمية وتجارب عسكرية نووية إيرانية، استناداً إلى وثائق استخبارية مقدّمة من أجهزة أمنية غربية وإقليمية، ورفضت الوكالة حتى اليوم الكشف عن مصادرها لما تعتبره إيران فبركات لا تتعدى مشاريع وأوراق ومخططات اتهمت طهران بحيازتها. فقد رفض المسؤولون الإيرانيون هذه الادعاءات وأشاروا إلى إمكانية الحصول عليها من الإنترنت، مع غياب أي دليل حسي وملموس عن تجارب عسكرية حتى في منشأة «بارتشين « العسكرية، غرب العاصمة طهران.
جرى العمل حالياً في الإجراءات السريعة كإزالة أجهزة الطرد المركزي من منشأتي «فردو» و«ناتنز»


بعدها، جرى الدخول في سلسلة اتفاقيات مع الوكالة الدولية في عهد الرئيس السابق لها محمد البرداعي، واستُكملت مع الرئيس الحالي يوكيا أمانو، عشرات اللقاءات في إيران وفي مقر الوكالة، وُضعت خلالها خريطة طريق وإجابات وكالة الطاقة الذرية الإيرانية عن اثني عشر سؤالاً شكلت مواضيع اتهامية ضد إيران، بسعيها إلى الخروج عن الإطار السلمي لبرنامجها النووي.
الاتفاق النووي لن يقَر ما لم تنته عقدة الـ»PMD»، مصادر من الفريق النووي الإيراني أشارت إلى أن التزام طهران بالتنفيذ الكامل للاتفاق، منوط بإقفال هذا الملف والإعلان الرسمي عن أن لا نوايا عسكرية في البرنامج النووي، وقد جرت الإجابة عن الأسئلة كافة والكشف عمّا كان يُعرف سابقاً بالغموض النووي في الملف الإيراني. تقوم الجمهورية الإسلامية، حالياً، بتنفيذ تعهداتها عبر خفض أجهزة الطرد المركزي وتحديد نسبة التخصيب المنخفضة، كما تجهّز لإعداد التلزيمات الضرورية لإعادة هيكلية مفاعل آراك للمياه الثقيلة، الذي تشير المعلومات إلى أنه جرى الاتفاق على تغيير في آلية عمله، ليعمل على اليوارانيوم المخصّب بدلاً من اليورانيوم الطبيعي، ما يقلّل بشكل كبير إنتاجه للبلوتونيوم. وستسغرق إعادة الهيكلة خمس سنوات في السنة الأولى لوضع التصاميم، وبين ثلاث وأربع سنوات لبنائه بمشاركة صينية ــ أميركية.
إمضاء الاتفاقيات والتعهدات كلها منوط بالخامس عشر من الشهر المقبل، فإيران تريد أن يكون التقرير واضحاً وشفافاً وغير قابل للتأويل، وأيضاً تريده أن يشير بوضوح إلى إقفال الملف من دون ترك أي تلميحات أو الإشارة إلى مسائل عالقة. إذاً، لا استكمال لعملية تنفيذ الاتفاق ما لم تقفل الوكالة الدولية الملف نهائياً. ومن هنا يأتي الانتظار الإيراني في ما يخص إزالة أجهزة الطرد المركزي المتفق عليها، كما أن إيران لن تقوم بنزع القالب الحالي لمفاعل آراك، ولا إخراج اليورانيوم وبيعه للروس، قبل تأكدها من أن الملف قد أغلق.
تقضي الخطة الإيرانية بتنفيذ التعهدات على مرحلتين، ما قبل «PMD» وما بعده. وفي هذا الإطار، جرى العمل حالياً في الإجراءات السريعة، كإزالة أجهزة الطرد المركزي من منشأتي «فردو» و»ناتنز» ووقف عمليات التخصيب بنسبة عالية، وأوقفت الأنشطة المتفق عليها، والسبب يعود إلى أن العودة لاستئناف هذه الأنشطة لا يستغرق وقتاً، كما أنه في حال عدم إقفال الملف، بإمكان ايران فتح المنشآت، سريعاً، واستئناف أنشطتها النووية، فيما موضوع إخراج اليورانيوم وإزالة قالب مفاعل آراك سيترك إلى ما بعد تقديم تقرير الوكالة، في الخامس عشر من كانون الأول المقبل أو حتى قبل ذلك، لأن تنفيذ هذه التعهدات قبل التأكد من أن تقرير الوكالة الدولية على قدر الطموحات الإيرانية، يعني أن إعادة استئناف هذه الأنشطة سيستغرق وقتاً، كما أن إيران ستفقد هذه الورقة الضاغطة ولا يمكن العودة إليها سريعاً.
تكتيك نووي في التعاطي مع الاتفاق، فحتى الآن تجري الأمور بحسب ما هو متفق عليه، ليكون منتصف الشهر المقبل مفصلياً في عدة نقاط.
أولاً: إنهاء كافة الشبهات حول الملف النووي وإقفاله في الوكالة
ثانياً: البدء في تنفيذ الاتفاق وهو بحاجة لضمانات مكتوبة أميركياً وغربياً
ثالثاً: إخراج الملف النووي من مجلس الأمن، وعدم التهديد بعقوبات جديدة وعودة العقوبات السابقة تحت أي مسمى نووي أو غير نووي
هذه الأمور ستجعل من الأيام المقبلة مرحلة مفصلية في إمكانية المضي قدماً في الاتفاق من عدمه. فإذا جرت الأمور بحسب الرؤية الإيرانية دون عراقيل، سيقفل البحث في أكثر الملفات الدولية تعقيداً، وإذا لم يكن تقرير الوكالة على قدر الطموح الإيراني، فإن المرحلة ستحمل معها مواجهة جديدة قد تنسف كل شيء وتعيد الأمور إلى ما قبل عام 2013.