قبل أيام من انتخابات التجديد النصفي الأميركية في 3 تشرين الثاني الماضي، وحين عرف الديموقراطيون من استطلاعات الرأي أنّهم خاسرون لا محالة، خرجت أصوات من داخل الحزب تطالب بالوقوف في وجه ترشيح أوباما لولاية ثانية في 2012. حينها، قال بعض الديموقراطيين إنّه، في ضوء ما وصل إليه حزبهم بسبب سياسات أوباما، لا مانع من إقامة انتخابات حزبية يتنافس فيها الرئيس مع من يشاء من الديموقراطيين (وهو ما لم يحصل منذ الستينيات). وطُرح آنذاك اسما هيلاري كلينتون وراس فاينغولد منافسين محتملين.على ما يبدو، أصبح هذا الحديث وراء الديموقراطيين، إذ لم تصدر أي اعتراضات داخلية منذ الإعلان، قبل أكثر من أسبوع، عن قرار إطلاق حملة إعادة انتخاب أوباما للرئاسة في 4 نيسان الجاري. وسارت الأمور بسلاسة، إذ، تيمّناً بكون أوباما الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، أطلق شريطاً دعائياً للحملة بعد الرابعة بقليل من فجر الرابع من نيسان، لا يظهر فيه أوباما، فيما يتحدث مناصروه في مختلف أنحاء البلاد عن الأسباب التي تدعوهم إلى إعادة انتخابه. وتزامن ذلك مع إرسال رسالة إلكترونية إلى ناشطين ومناصرين لأوباما، كتبها بنفسه، يقول فيها إنّه لن يفقد تركيزه على وظيفته الحالية (رئيس) مع بدء الحملة. وتوّج اليوم الطويل باتصال مسائي بين الرئيس وعاملين في حملته في 2008، أعلن فيه حماسته الكبيرة للمعركة المقبلة.
ويعود سبب الاستعجال في إطلاق الحملة إلى رغبة الديموقراطيين في بدء جمع الأموال للتبرعات للحملة، التي قد تصل إلى مليار دولار، الأغلى في تاريخ الولايات المتحدة. وليس مستبعداً أن تكلف الحملة هذا القدر، بما أنّ أوباما جمع لحملة «نعم نستطيع» في 2008، ما يزيد على 750 مليون دولار. وبالفعل، قدّم مساعدو أوباما طلباً رسمياً للترشح يوم الاثنين لدى لجنة الانتخابات الفيدرالية، ما معناه أنّه كان باستطاعتهم بدء جمع التبرعات الثلاثاء. وأول موعد لذلك سيكون في الأسبوع المقبل (14 نيسان) في مدينة شيكاغو، ثم في لوس انجليس وسان فرانسيسكو، في الأسبوع الذي يليه. وتبدأ أسعار بطاقات الحضور بـ25 دولاراً للشباب، أي من يسميهم أوباما «جيل الـ44» (GEN44)، وصولاً إلى بطاقات الـVIP التي تكلف 2500 دولار.
ويبدو أنّ أوباما مؤمن باستطاعة فريقه القديم إعادة انتخابه، إذ يتكون فريق حملة 2012 من وجوه حملة 2008 ذاتهم، مع تغيير في المناصب. فمسؤول الحملة هو جيم ميسينا، نائب رئيس موظفي الأبيض سابقاً، الذي كان مسؤول الموظفين خلال حملة 2008. كذلك عاد رئيس الحملة الأولى ديفيد بلوف، ومستشار الرئيس السابق ديفيد اكسلرود، الذي استقال من منصبه منذ اشهر وتفرغ للحملة من شيكاغو، وحلّ مكانه بلوف في البيت الأبيض.
ويبدو أنّ بلوف سيكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، بما أنّه الى جانب الرئيس في البيت الأبيض. وقد يكون هناك دور لمسؤول التواصل في البيت الأبيض دان فايفر، في هذا السياق. ويعتقد بعض المراقبين أنّ الأسماء الفاعلة في حملة 2012 تشير الى إعطاء اوباما أهمية كبيرة لجهود إعادة انتخابه، وخصوصاً مع ميسينا واكسلرود، وجوليانا سموت، المسؤولة عن جمع التبرعات.
لكنّ الوجوه القديمة لا تعني أن تكون الحملة مشابهة لسابقتها، فقد اختفى شعار «نعم نستطيع»، وحلّ مكانه «البداية معنا»، وهو عنوان الشريط الذي بثه موقع الرئيس الرسمي. ولم يعد هناك ذكر لعبارات الأمل والتغيير. ويعني ذلك امراً واحداً: يعرف الرئيس ومستشاروه أنّه بعد فشله في تنفيذ قضايا أساسية وعد بها في 2008، سترتدّ عبارات مماثلة عليه. فلم يحدث أيّ تغيير في وضع معتقل غوانتانامو، ولا في إقرار أيّ إصلاح في قانون الهجرة. كذلك لم يحدث أي تقدم على جبهة الاحتباس الحراري، وإنهاء حربَي العراق وأفغانستان بأسرع ممّا يحصل فعلياً على الأرض.

حظوظ الرئيس

يرى بعض المراقبين أنّ حظوظ الرئيس في هزيمة أي مرشح جمهوري منافس كبيرة، نظراً إلى أنّه سيحظى بأصوات المستقلّين الذين، وإن كانوا يعارضون سياسات الديموقراطيين، يكنّون كرهاً للجمهوريين، ما يجعل أصواتهم شبه مضمونة. كذلك القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي قد يتأثر بسببها الرئيس، لا تؤثر، وفق أكثر من دراسة، على أصوات الناخبين الذين لا يغيّرون ولاءهم بين دورة انتخابية وأخرى.
ويقدّر بعض الخبراء أنّ لدى أوباما حظوظاً بين 60 و70 في المئة لإعادة انتخابه. ويستند هؤلاء الى أرقام استطلاعات الرأي التي تشير، منذ «نكسة» انتخابات التجديد النصفي، الى ثبات نسبة تأييد الرئيس في ما يتعلق بخلق الوظائف عند 47 في المئة. لكن هذه الأرقام لا تدلّ على شيء سوى قبل سنة على الأكثر، قبل الانتخابات، ما معناه وجوب انتباه أوباما إلى خطواته في الأشهر التسعة المقبلة.
ويبدو الجمهوريون غير متحمسين كفاية لمعركة 2012، ويعود ذلك ربما إلى أنّ أوباما لم يعد يبدو ضعيفاً، كما كان قبل أشهر، وإلى كثرة المرشحين في جانبهم، ما يجعل الأمور غير واضحة تماماً.
ثلاثة عوامل أساسية ستكون محدِّدة في نتيجة 2012: الاقتصاد، الأزمات الدولية، وشخصية المرشح الجمهوري. فإذا كان الاقتصاد يعاني ركوداً في عام الانتخابات، ما سيجعل الأسعار ترتفع مع انخفاض خلق الوظائف، فسيتأثر أوباما كثيراً، وقد يؤدي ذلك إلى خسارته (تماماً كما حصل في انتخابات تشرين الثاني 2010 النصفية). وقد يحتاج أوباما لذلك إلى أزمة دولية كبيرة، تكون عاملاً في حشد الشعب وراءه، وتنسيهم العراق وأفغانستان (وليبيا ربما). وقد يخسر الرئيس إذا كان منافسه يتمتع بشخصية جاذبة وشابة، على غرار ما كان عليه أوباما في 2008.
بانتظار المنافس الذي سيختاره الجمهوريون، يبدأ أوباما حملته الانتخابية من دون ضغوط ولا تأثيرات. لكن ذلك لن يجعله مرتاحاً تماماً، فهو في انتظار المنافس، سيبقى يتحدث عن نفسه، مع نفسه، من دون أن يحظى بفرصة مقارنة «إنجازاته» مع أحد.



المرشّحون الجمهوريون المحتمَلون

في الجانب الجمهوري أكثر من عشرة مرشحين محتملين. على رأس هؤلاء، المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس سارة بالين، والمنافس السابق على الترشيح الجمهوري ميت رومني. كذلك أعرب رجل الأعمال المشهور دونالد ترامب رغبته في انتزاع البطاقة الجمهورية، وقال خلال برنامج تلفزيوني إنّه قد يتخذ قراره النهائي في حزيران المقبل.
وحاكم أركنساس السابق مايك هاكابي والنائب عن تكساس رون بول يفكران بالموضوع. وسيقرر حاكم ميسيسيبي هايلي هاربور خلال هذا الشهر ما إذا كان سينافس على البطاقة الجمهورية، وكذلك حاكم إنديانا ميتش دانيالز.
ويفكّر حاكم بنسلفانيا السابق ريك سانتوروم في موضوع الترشح، ورئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش. وتسري شائعات عن أنّ سفير واشنطن الحالي لدى بكين جون هانتسمان، وهو بصدد ترك منصبه، يفكر بالترشح أيضاً. وقد يكون أبرز مرشحَين هما تيم بولانتي وميشيل باكمان. بولانتي هو حاكم مينيسوتا السابق، ويعمل منذ أشهر على استطلاع الآراء في ما يتعلق بترشيحه المحتمل. أما باكمان، فهي نائبة في مجلس النواب عن حزب الشاي، واستطاعت حشد دعم مالي كبير لحملة إعادة انتخابها العام الماضي إلى الكونغرس، وحاولت المنافسة على مناصب مهمة فيه.