انتُخب المطرب الشعبي، ميشيل مارتيلي، الملقب بأسماء فنية، منها «سويت ميكي» أي ميكي السكّري نسبة لاسم فرقته الموسيقية و«تيت كالي» أي الرأس المحفور بسبب صلعته، رئيساً لجمهورية هايتي بعد الدورة الثانية من الانتخابات، التي أعلنت نتائجها التمهيدية أول من أمس. ونال مارتيلي أكثر من 67 في المئة من أصوات الناخبين فيما لم تنل منافسته ميرلاند مارتيغا إلا 32 في المئة.وتأخّر صدور النتائج الرسمية خمسة أيام بسبب حالات التزوير المتفشية، إلا أنّ الفارق الكبير بين كل من المرشحين، ثلثا الأصوات لمارتيلي وثلثها لمنافسته، يجعل النتائج شبه نهائية وغير قابلة للتبديل، مع أن للمرشحين فترة عشرة أيام للطعن بالنتائج قبل إعلانها رسمياً.
ولم يقض الزلزال، الذي أغار على أفقر بلد في أميركا وخصوصاً على عاصمته بورت أو برانس في أول أيام عام 2010، فقط على البشر والحجر، بل أطاح أيضاً النظام السياسي الهزيل الذي كان يسيّر شؤونه وربما مقومات استمرار مجتمع. وركلة الطبيعة وما نتج منها من كارثة إنسانية مثّلت الخلفية التي سمحت بأن يتحول المطرب المحلّي مارتيلي رئيساً. ولهذا الصعود فصلان متتاليان: الفصل الأول يبدأ في آب الماضي مع ترشح ويكليف جان، أحد كبار نجوم الموسيقى العالمية، إلا أن اللجنة الانتخابية العليا رفضت تسجيله بسبب مكان إقامته. وفي هذه الفسحة التي فتحها جان (أُصيب بطلق ناري في يده عشية الدورة الثانية وهو يشارك بمهرجان سياسي دعماً لصديقه) ترشح مارتيلي للانتخابات الرئاسية. أما الفصل الثاني فيبدأ مع صدور نتائج الدورة الأولى التي صنفت مارتيلي ثالثاً، قبل أن تؤدي الاعتراضات الشعبية وضغوط المجتمع الدولي إلى إعادة تأهيل «سويت ميكي» محولاً الرجل إلى «مطلب الجماهير» ضدّ محاولة تزوير السياسيين.
وولد ميشيل مارتيلي عام 1951 واعتنق مهنة الموسيقى، وهو من أشهر مطربي «الكومبا»: لحن تقليدي في هايتي. وكاد أن يعتنق مهنة الجريمة في شبابه لولا تأثير زوجته التي أشرفت على حياته الفنية، والآن على حملته السياسية. بسبب مهنته، يتقن مارتيلي تقنيات التواصل بين الناس. وعلى الرغم من جدّيته المستحدثة، وزّع أخصامه خلال الحملة أشرطة عديدة تصوره وهو يخلع كل ثيابه على المنصة، لكن دون جدوى. تاريخه السياسي ليس بالمشرّف، وهو كان من أنصار عائلة دوفالييه قبل إبعادها عن السلطة، ومن أصدقاء العقيد فرانسوا الذي قاد الانقلاب الدموي على أرسيتيد. يملك مؤسسة اجتماعية أسستها زوجته عام 2008. الثابت الوحيد في مواقفه السياسية هو معارضته لأرستيد. وقد غادر الجزيرة إلى ميامي عندما نجح هذا الأخير في العودة إلى السلطة. الآن، كلاهما عادا من منفاهما: دوفالييه الذي أحبه وأريستد الذي كرهه. وقد يحاكمان خلال ولايته، وها قد أصبح رئيساً، فهل ينجح المطرب حيث فشل السياسيون؟ هل بإمكانه إعادة بناء البلد ومحاربة الكوليرا واقتلاع الفساد؟ بعد السكرة ستأتي الفكرة. والخشية كل الخشية أن تساهم رئاسته، ولها كل مكونات الشعبوية، في عملية حرق للأوراق النادرة التي لا يزال يحتفظ بها البلد المنكوب.