باريس | لا تزال الفوضى تحوم فوق الحملة الأطلسية على العقيد الليبي معمر القذافي، حيث تتشابك المسؤوليات وتضيع في تفاصيل القرار ١٩٧٣ الدولي، الذي يبرز كلما مرت الأيام تفسير جديد له، في محاولات للالتفاف على الصعوبات التي تواجه التحالف على الأرض.
الأسباب كثيرة ومتعددة، إلا أنها كلها تصبّ حتى الآن في مصلحة إطالة فترة الحرب، التي اعتقد كثيرون، ومنهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أنها «رحلة قصيرة»، كما يقول منتقدوه الذين يعتقدون أنه لم يذهب إلى الحرب «إلا لاستعادة شعبيّته في الداخل الفرنسي».
يؤكد معظم الخبراء اليوم أنه لا يمكن معرفة متى ينهار نظام القذافي، لا بل يشك البعض في ما إذا كانت عملية «بروتكتور ينيفاي» (الحامي الموحد) في ليبيا، حسب تسمية حلف الأطلسي، يمكن كما خطط لها أن تصل إلى هذه النتيجة، في ظل القيود التي فرضها القرار على المتحالفين. النتيحة الأكيدة الوحيدة اليوم هي اتفاق الثلاثي الذي يقود العملية، أي باريس ولندن وواشنطن، على ضرورة «إنزال رجال على الأرض».
وأقرّت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بأنه يصعب على «قوة جوية وحدها» منع القذافي من التقدم. وفيما تشير المعلومات الآتية من لندن إلى أن بريطانيا تدرس «إمكان إرسال مرتزقة إلى ليبيا لمساعدة قوات المعارضة»، يرى القادة البريطانيون أن الحرب ضد القذافي لا يمكن كسبها عن طريق الضربات الجوية وحدها.
وكانت صحيفة «الغارديان» قد أشارت إلى أن «أعداداً صغيرة من المستشارين العسكريين البريطانيين، يُعتقد أنهم جنود سابقون في القوات الخاصة البريطانية، شُوهدوا في معاقل قوات المعارضة في بنغازي، ويدّعون أنهم مهندسون».
أما وزير الخارجية الفرنسي، آلان جوبيه، ففي معرض ردّه على انتقادات البعض لترك «مصراتة لمصيرها»، أجاب بأن قوات القذافي تجعل من الصعب على طيّاري التحالف تمييزها عن المدنيين باختبائها في مناطق مدنية، مضيفاً «الموقف غير واضح. هناك خطر الوقوع في مأزق».
إذاً كل التصريحات تذهب في اتجاه «إعداد الرأي العام» لنزول قوات على الأرض، بعدما تبيّن «عقم الضربات الجوية». فهل يضطر الحلف الأطلسي إلى المطالبة بقرار أكثر تشدداً من الأمم المتحدة يسمح بإنزال جنود على الأرض؟
المعلومات المتوافرة اليوم هي أن روسيا قد تستخدم حق «الفيتو»، في مساومة «مزعجة قد تلزم الغربيين بالإقرار بضعفهم»، حسبما يقول الخبير فرانسوا هيسبورغ، الذي يتخوّف أيضاً من أن «تحذو الصين حذوها»، ما قد يعقّد الأمور ويدفع نحو «مفاوضات تتجاوز مرحلة الحرب، وتطال مرحلة ما بعد الحرب وتقاسم الثورات»، كما يتخوّف دبلوماسي عربي في باريس.
وحتى في حال إرسال قوات برية، فإن كل الإشارات تدل على أن «تقبّل الأمر من قبل الرأي العام العربي ليس سهلاً»، حسبما أكد مصدر في الحلف الأطلسي، الذي ذكر أن «باريس حساسة جداً تجاه هذا البعد للحرب»، مشيراً إلى أن الحلف يتفهّم تخوّف الأوروبيين من استحداث عراق جديد على أبواب أوروبا الجنوبية.
ويؤكد هيسبورغ، من جهته، أن «الأميركيين انتبهوا إلى هذا الخطر»، لهذا لا يبدون حماسة زائدة للعودة إلى «سيناريو عراقي». وبسبب «استبعاد العودة إلى مجلس الأمن»، ليس فقط للعاملين الروسي والصيني، ولكن أيضاً بسبب «عدم ضمان أي إجماع عربي مقبل» في هذا الشأن، لا يرى دبلوماسي غربي سبيلاً سوى «تسليح الثوار وتدريبهم واستهداف رجال السياسة في محيط القذافي بغارات الحلف».
رغم كل هذا، لم يعد دخول قوات إلى الأراضي الليبية «حديثاً محظوراً». فبعدما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما توقيع قرار يجيز نشر رجال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» المسلحين في ليبيا، علمت «الأخبار» من مصدر موثوق أن الحلف الأطلسي يستعد لإرسال «٨٠٠ عسكري في مهمات إنسانية» إلى داخل الأراضي الليبية.
ولكن رغم هذا التوصيف، قال مصدر مقرّب من الأطلسي إن «مرحلة القصف بالطائرات الحربية انتهت لخلوّّ بنك الأهداف». وأوضح أن إرسال هؤلاء لن يكون سرّياً، وإن كان شقّ من مهمتهم سيظل سرياً. هذا الشق يشمل مجموعات قادرة على توجيه الضربات الجوية داخل المدن وخارجها، معروفة باسم (JTAC (Joint tactical attack controller، وهي فرق مؤلفة من خمسة رجال، ترفع «إحداثيات أهداف جديدة».
وشدد المصدر قائلاً «نحن في أشدّ الحاجة إلى حضور على الأرض»، بينما أكد مصدر في الاتحاد الأوروبي هذا «الخبر والرقم» بقوله إن الاستعداد له قائم منذ بداية الحملة العسكرية. وأشار إلى قرار للاتحاد، في أول نيسان، يطلب من مفوّض الشؤون الإنسانية الاستعداد لنجدة اللاجئين، والاستعداد لكل ما يلزم في هذا الصدد. ويشير إلى أن مركز الإعداد لهذا التدخل سيكون في روما، تحت إمرة الجنرال كلوديو غوديوزي.
حقيقة المأزق الغربي اليوم في ليبيا تتجسد في انقسام البلاد فعلياً، شرقاً وغرباً، مع استعداد بعض القوى الغربية لحل سياسي بمجرد «قلب ميزان القوى، ولو بنحو طفيف، لمصلحة الثوار»، حسبما قال لـ«الأخبار» مصدر عسكري غربي. وهو ما يصفه بعض الخبراء بأنه «تسوية مشبوهة نوعاً ما مع عائلة القذافي».