نيويورك| التظاهرات الشعبية الواسعة التي جرت في مصر أول من أمس تأييداً للقضية الفلسطينية، كانت الوحيدة ربما التي شهدتها ساحات الانتفاضات والثورات العربية. تظاهرات انطلقت من الجامع الأزهر، مدعومة من الحركات الإسلامية المصرية، التي مُنعت في السنوات الماضية من التضامن مع حركة «حماس».
هذه التظاهرات القومية ــ الإسلامية قد تفتح الباب واسعاً أمام تصويب حركة السخط العربية ضد الأنظمة المتحالفة مع إسرائيل. ورأى بعض المحللين الأميركيين أنها تأتي لتؤسس لمصاهرة بين الإسلاميين والديموقراطيين في المنطقة، الأمر الذي قد ينعكس وبالاً على الاستراتيجية الأميركية وحلفائها. ويرجح أن تكون ردود «حماس» على الاعتداءات الإسرائيلية بعمليات قصف صاروخية من قطاع غزة، إنما ترمي إلى تصحيح بوصلة الانتفاضات ومحورتها حول القضية الفلسطينية، بعدما تاهت في زواريب الأوضاع القطرية. عملية قد تلحق الضرر المادي بغزة وشعبها، لكنها تحقق انتصارات سياسية واستراتيجية لا تقدّر بثمن.
ورأى المحلل الاستخباراتي الأميركي، جورج فريدمان، في دراسة نشرها موقع «ستارتفور»، أن «أي هجوم واسع على غزة سيؤدي إلى تعزيز موقع حماس في المنطقة، ويوفّر لها دعماً سياسياً ولوجستياً إضافياً من مصر أولاً وتركيا ثانياً، وقد يؤدي إلى مشاركة حزب الله في حرب واسعة». وحذّر من أن «حرباً كهذه ستضعف بشدّة وضع الولايات المتحدة وحلفائها وأتباعها في المنطقة، وستساهم في تجذير الموقف الشعبي المصري، وتنال من قدرة القيادة العسكرية المصرية على ضبط الأوضاع كما فعلت في عدوان الرصاص المصهور على غزة قبل عامين». وأضاف «في تلك الحالة، ستخرج الجماهير المصرية إلى الشارع دعماً لحماس التي ستزداد قوة على حساب فتح، التي اختارت طريق المفاوضات المسدودة».
وفي ما يتعلق بتركيا، رأى فريدمان أن الأمور ستتجاوز التفكير في كسر الحصار المفروض على غزة، وإذا ما أضيف الموقف المصري إلى رفض الهيمنة الإسرائيلية وتبنّي مواقف أشد عداءً لإسرائيل، فإن ذلك، من دون التطرق للأوضاع في الأردن، «ربما يضع إسرائيل في وضع تحدّ عسكري شديد من جانب الولايات المتحدة». فالأخيرة التي تتخوف من حصول انهيار شامل لنظام تحالفها الإقليمي، قد تلجأ في هذه الحالة إلى فرض تسوية على إسرائيل لا تلبّي أحلامها.
وشكك المحلّل الأميركي في مقدرة الاستخبارات الإسرائيلية على معرفة أماكن تخزين الصواريخ في غزة، وبالتالي عجزها عن تدميرها، إضافة إلى إمكانية مواجهة الجيش الإسرائيلي مفاجآت في أي حرب شاملة على القطاع كما حصل في جنوب لبنان عام 2006.
وقدّر فريدمان أن الردود الفلسطينية والتحرشات الجسورة بالجيش الإسرائيلي قد لا تدع للإسرائيليين مجالاً سوى الانجرار إلى شن هجوم واسع على القطاع. فالإسرائيليون لا يستطيعون تجاهل سقوط أحد صواريخ المقاومة في غزة على بعد 20 ميلاً جنوبي تل أبيب. كذلك لم ينسوا بعد عملية القدس، وجريمة قتل عائلة يهودية في الضفة الغربية مؤلفة من خمسة أفراد، رغم أن التحقيقات لم تحسم بعد أو تؤكد تنفيذها على أيدي عناصر فلسطينية.
ورأى فريدمان أيضاً أن تركيا التي تستشعر مدى هشاشة النظام العربي، تدخّلت عبر سوريا من أجل إقناع «حماس» بوقف استخدام الصواريخ في قصف المواقع الإسرائيلية. وقال إن أنقرة لا تفضّل تلقّي الانتفاضات العربية زخماً إضافياً جراء حرب تشنها إسرائيل على غزة. كذلك تدخّل السعوديون، «المصدر الرئيسي للتمويل الذي يصل إلى حماس عبر سوريا». فالسعوديون يحاولون، حسب قراءته، ضبط الأوضاع وتهدئتها في المنطقة الممتدة من اليمن إلى البحرين، لكنها محاولات ليست مضمونة النجاح، ولا ترغب الرياض في صب الوقود على النار المشتعلة، «فتراجعت حماس». إلا أن فريدمان عاد واتهم الحركة الإسلامية بتصعيد الموقف في الأيام القليلة الماضية، من أجل الاستفادة مما وصفه بـ«فرصة حماس التاريخية». فالحرب في رأيه قد تلحق الأذى بـ«حماس»، لكنها «يمكن أن تحقق لها النصر السياسي».
ونفى فريدمان معرفته بمدى حدود صبر إسرائيل ولجم غضبها. وقال إن «القبّة الحديدية» تمنح الإسرائيليين بعض الشعور بالراحة النفسية، لكن «نشرها الكامل لا يزال بحاجة إلى مرور أعوام، فيما لا تزال فاعليتها مجهولة». ورأى أن «تراجع ريتشارد غولدستون عن بعض ما ورد في تقريره يمنح إسرائيل هامشاً أوسع للمناورة».
أما الولايات المتحدة، فتخشى حدوث تصاهر بين الحركات الإسلامية والديموقراطية، وترى حالة كهذة «خلطة متفجرة»؛ ذلك أن بقاء الديموقراطية بعيدة عن الحركات الإسلامية يحرمها من القدرة على عمل الكثير. وهذه الخلطة يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة وتقوّض قدرات الولايات المتحدة على مواصلة حربها على الحركات «الجهادية»، بحسب فريدمان. وخلص إلى أن حرباً أخرى قد لا تكون مستبعدة، لكن قرارها يبقى في يد «حماس» لا إسرائيل.