تبدو إيران مشغولة هذه الأيام بملفين بالغي الأهمية، نتائجهما ستكون حاسمة في تحديد تركيبة السلطة في الداخل، ومستوى التوترات مع الخارج، العربي خصوصاً، حيث الجهود حثيثة لاستدراج الجمهورية الإسلامية إلى فتنة مذهبية ـــــ عرقية. الملف الأول مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقررة أواخر شباط المقبل، التي بدأ الإعداد لها عملياً منذ فترة. أما الثاني، فمرتبط بعملية احتواء تلك الحملة الشعواء التي تشنها السعودية بهدف دفع الدول العربية إلى استعداء إيران. ولعل الفريق الأكثر نشاطاً على مستوى الاستعدادات الانتخابية ليس سوى مجموعة الرئيس محمود أحمدي نجاد، التي بات واضحاً أنها تعد العدة للسيطرة على البرلمان العام المقبل، تمهيداً لطرح مرشح رئاسي في انتخابات 2013، يكمل مسيرة نجاد الذي ما عاد يمتلك الحق بالترشح بحكم أنه أمضى ولايتين في هذا المنصب. والجهد كله يتركز على تحقيق غالبية برلمانية تطيح الرئيس الحالي لمجلس الشورى علي لاريجاني، بما يضعف حظوظه الانتخابية إذا أراد الترشح، على ما هو مشاع، لانتخابات الرئاسة المقبلة. ومعروف أن لاريجاني ينتمي إلى معسكر المحافظين نفسه الذي ينتمي إليه نجاد، وهو كالرئيس الحالي من المقربين جداً إلى المرشد علي خامنئي، ومع ذلك تجمع بينهما خصومة عميقة على المستوى السياسي. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن شقيق علي لاريجاني، آية الله صادق لاريجاني، يمسك بالقضاء في البلاد بصفته رئيساً للسلطة القضائية.
ويسعى نجاد بكل جهده، على ما يفيد العارفون بشؤون إيران وشجونها، إلى إقصاء جماعة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني عن السلطة التشريعية، ومعها كل التيار الإصلاحي المعارض. وتفيد المصادر نفسها بأن القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي، الذي ترشح في مقابل نجاد في انتخابات الرئاسة الماضية في 2009، قد يكون مرشح مجموعة نجاد لرئاسة البرلمان في حال اكتمال عملية المصالحة بينه وبين الرئيس. وتكشف عن أن «رضائي عقد جلستين أو ثلاثة مع نجاد في إطار عملية المصالحة هذه والتشاور في المرحلة المقبلة».
وتقول أوساط الرئيس نجاد إنه «في هذا الإطار يجب فهم قرار الرئيس تعيين حميد بقائي نائباً له للشؤون التنفيذية بدلاً من اسفنديار رحيم مشائي»، مشيرة إلى أن الأخير «هو الذي اقترح هذه الخطوة على الرئيس للتفرغ لإدارة الحملة الانتخابية وتركيب اللوائح في أنحاء البلاد كلها».
وتوضح هذه المصادر أن «بقائي، الذي بقي يشغل منصبه السابق رئيساً لمنظمة السياحة والتراث الثقافي الإيراني، هو عملياً من أنصار مشائي ومساعديه، وقد أتى به رئيساً لمؤسسة رئاسة الجمهورية ليرفع بعض الأعباء عن مشائي لكي يطلق يد هذ الأخير في الحملة الانتخابية». وتضيف: «بذلك، تكون المهمات الرسمية لمشائي قد تقلصت، لكن نفوذه ازداد».
ومعروف أن منظمة السياحة والتراث الثقافي الإيراني تتبع لرئاسة الجمهورية، وأن رئيسها في مرتبة معاون للرئيس.
وكثر الحديث خلال الأشهر القليلة الماضية عن أن مجموعة نجاد تعدّ مشائي لخلافته في رئاسة الجمهورية في عام 2013. وعزز من هذه الفرضية حقيقة تكثيف مشائي لزياراته السياسية للمناطق، كذلك اعتاد منذ أشهر أن يسبق نجاد في زياراته للمحافظات بحجة الإعداد لها.
أوساط نجاد تقول إن القرار بترشيح مشائي للرئاسة سيتخذ في أعقاب الانتخابات البرلمانية، لا قبلها، فيما يؤكد العالمون بشؤون إيران وشجونها أن حظوظ مشائي للفوز بمعركة انتخابية كهذه تبدو ضئيلة، وأنه لهذا السبب تعمد مجموعة نجاد إلى الدفع بشخصيات أخرى إلى الواجهة.
وبات واضحاً أن تلك المجموعة، المدعومة من الحرس الثوري ومن الباسيج، من الصعب وضعها ضمن التصنيف التقليدي للأطياف السياسية في إيران، والمقصود الإصلاحيون والمحافظون. فهي، من وجهة نظر تنظيمية شكلية، تُعَدّ من الأصوليين، لكنها تحمل مشروعاً تغييرياً، لا يمكن وصفه إلا بأنه إصلاحي، وخاصة من ناحية محاربته للفساد وترشيد الإنفاق عبر وقف الهدر وتهميش الحوزات التقليدية ومحاربة الإقطاع الديني والسياسي والانحياز إلى الفقراء والمهمشين على حساب الأغنياء، وللأطراف على حساب المركز، فضلاً عن رفضه المعالجة الأمنية للمشاكل الأخلاقية.
ولا بد من الإشارة إلى أن مشائي، الذي تربطه علاقة مصاهرة مع نجاد، هو من السياسيين المثيرين للجدل في إيران. ولعل من أبرز مواقفه السجالية حديثه ذات مرة عن أن «الشعب الإيراني صديق للشعب الإسرائيلي» وأن «الإسلام لم يأخذ شكله الحضاري إلا عندما وصل إلى إيران». وهو من رموز التيار القومي في إيران، ومن أبرز مشاريعه السياسية العمل على جذب الدياسبورا الإيرانية المنتشرة عبر العالم، وخاصة في الولايات المتحدة حيث يعتقد أن طهران، إذا نجحت في جذب الأميركيين من ذوي الأصول الإيرانية، يمكن أن تؤلف لوبي في أميركا يتجاوز في نفوذه اللوبي اليهودي.
هذا على المستوى الداخلي. أما خارجياً، وخاصة بعد الأزمة المستجدة مع السعودية على خلفية اضطرابات البحرين والتفاف دول مجلس التعاون الخليجي حول الرياض في محاولة لاستعداء إيران، فتؤكد مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في إيران أن «الجمهورية الإسلامية تعمل على تجنب الانزلاق نحو أداء دور يحاكي ذاك الذي تؤديه السعودية التي تعمل على توتير الأجواء وجر المنطقة نحو اصطفاف مذهبي. هذه سياسة فاشلة تحاول إيران النأي بنفسها عنها». وتضيف: «بات واضحاً أن إيران تدعم انتفاضات العالم العربي. لكنه دعم يقتصر على الناحية الإعلامية فقط. أما من الناحية السياسية، وفي مواجهة الحملة الشعواء التي تشنها السعودية عليها، تحاول طهران أن تتحدث بعبارات مدروسة، آخذة في الاعتبار أن السلوك السعودي لا يفيد أحداً».
وتكشف هذه المصادر عن أن «الاتصالات حالياً مقطوعة مع السعودية. في المقابل، هناك اتصالات مع مصر تستهدف فتح قنوات تستهدف تطبيع العلاقات بين الجانبين. يجب إقامة نوع ما من العلاقات مع القاهرة، لكن لا تشاور في مواضيع أخرى».
«وحدها تركيا»، على ما تؤكد المصادر نفسها، «حيث قنوات الحوار والمشاورات تجري على نحو طبيعي، سواء في الأمور الاقتصادية أو في قضايا المنطقة». وتلفت المصادر إلى أن الكويت «تعمل بخطوات بطيئة لعودة الأمور إلى طبيعتها. سياسة خطوة خطوة على نحو تتجنب في خلاله أي انعكاس سلبي على علاقاتها مع طهران». وتضيف أن «موقف أمير الكويت واضح وصريح ويقوم على لا جدوى توتير العلاقة مع طهران وأنه يجب إبقاء شعرة معاوية معها»، مشيرة إلى أنه «بعث برسائل بهذا المعنى إلى القيادة الإيرانية، وذلك في مقابل تيارات كويتية تدفع باتجاه نزاع سياسي مع إيران بتحريض من السعودية». وتتابع «إن الأزمة التجسسية التي افتعلتها الكويت أخيراً ردت عليها إيران فوراً ومن دون مجاملة. كان الرد قاسياً، خلافاً لما اعتادته، ما خلق خلافاً داخل الكويت حول جدوى مواجهة إيران. لا بد أن قرب البصرة إلى الكويت والتركيبة الطائفية للإمارة حسما هذا الخلاف».
أما قطر، فتشير المصادر نفسها إلى أن «التواصل معها لا يزال موجوداً، لكنه تقلص إلى الحد الأدنى. لا مشاورات استراتيجية في وضع المنطقة. وجهة نظر السلطات القطرية أن التواصل مع طهران يبقى دائماً أفضل من المقاطعة، لأنه في الحالة الأخيرة ستكون بحاجة إلى وسطاء آخرين».
وفي وقت يبدو فيه أن الإيرانيين لا يزالون راضين عن مستوى التواصل مع سلطنة عمان، التي كانت حتى أيام مضت الحليف الأقرب في دول مجلس التعاون، تؤكد المصادر أن «الوضع مع الإمارات ليس جيداً. صحيح أن الحال تختلف مع كل إمارة، بمعنى أن العلاقة مع دبي والشارقة ليس بسوء العلاقة مع أبو ظبي، لكننا بعثنا برسائل للجميع، على نحو غير مباشر، تطلب من الإماراتيين ألا يغرقوا أنفسهم في متاهات أكثر، وخاصة أنهم أمعنوا في تجاوز دورهم الإقليمي».



نجاد يحذّر من فتنة مذهبيّة وقوميّة

شدد الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، من مدينة زاهدان التي شهدت اعتداءات طائفية مرات عدة، على التزام الجميع اليقظة بأن لا يلعبوا في ساحة أميركا، محذراً من الوقوع في فتنة قومية بين العرب والإيرانيين، وأخرى مذهبية بين السنّة والشيعة.
وقال نجاد، أمام التجمع الجماهيري الحاشد لأهالي سيستان وبلوتشستان (جنوب شرق)، إن «الكيان الصهيوني قد وصل الى نهاية المطاف، وإن شعوب المنطقة قد تيقظت، إلا أن عالم الاستكبار يسعى الى إثارة الخلاف بين دول المنطقة». وأضاف إن الشرق الأوسط الجديد سيتبلور في المستقبل القريب من دون حضور أميركا وإسرائيل وحلفائهما. وحذّر الرئيس الإيراني من أن «القوى المهيمنة تسعى الى إثارة النزاع الإيراني ـــــ العربي والشيعي ـــــ السني، أو منطقة ضد سائر المناطق في العالم، حيث ينبغي على الجميع التزام اليقظة في هذا المجال».
وقال إن المنهزمين أمام صحوة الشعوب الداعية الى التوحيد قد باعوا أسلحتهم وتسلّموا أثمانها، ويريدون عبر النفخ في نيران الحرب أن تستعمل تلك الأسلحة لتمتد الأيدي إليهم ثانية، ويبنوا بلدانهم عبر بيع الأسلحة
مجدداً.
(إرنا)