الحرب قائمة في جنوب أوروبا على ليبيا، والحديث عن خطر «زحف المهاجرين» يطغى على أصوات الطائرات التي تقصف كتائب القذافي الذي هدّد بـ«فتح حنفية الهجرة غير الشرعية» للانتقام، ما دفع إلى العلن خلاف إيطاليا وشركائها على «تقاسم المهاجرين ومصاريفهم». في أقصى شمال أوروبا ترتعد فنلندا خوفاً من وصول المهاجرين إلى أراضيها التي تشارك القطب الشمالي في الصقيع. وقد يظهر هذا الخوف غداً (الأحد) خلال الانتخابات النيابية التي يمكن أن توصل إلى الحكم اليمين المتطرف الشعبوي الذي يخوض الانتخابات تحت تسمية «الفنلنديين الأصليين»، في إشارة إلى تقدم الطروحات الشوفينية اليمينية في مجمل الاتحاد الأوروبي.منذ سنة والحزب اليميني يقود «معركة الأفكار». فهو الذي وضع مسألة اليورو على بساط البحث، ولعب على أوتار الأزمة المالية التي عصفت بأوروبا، ليعيد طرح التشكيك في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، وهو ما يطبع الحركات الشوفينية اليمينية.
٧٨ في المئة من الفنلنديين يقولون إنهم سئموا الأحزاب التقليدية التي «تتداول الحكم كل أربع سنوات من دون أن يغيّر ذلك من واقع الحال». ينصبّ الانتقاد على المساعدات المالية التي دفعتها أوروبا لليونان وإيرلندا وتستعد لدفعها للبرتغال، وشاركت هلسنكي بقسم منها، وهو ما يثير ردود فعل سلبية تجاه الاتحاد الأوروبي من قبل الذين يدفعون أعلى نسبة ضرائب في العالم.
ويعود أصل تنظيم «الفنلنديين الأصليين» إلى الحزب الزراعي الذي تطور مع الوقت وجلب مؤيّدين بسبب فضائح الفساد التي عرفتها البلاد في السنوات الماضية، وهو يحمل طروحات شبيهة بـ«حزب الشاي» الأميركي، يلوّنها عدد من الشعارات العنصرية، إذ إن جل الطروحات في المعركة الانتخابية تصبّ اليوم في استهداف المهاجرين، علماً بأن نسبة المهاجرين في فنلندا الباردة لا تتجاوز ٢،٧ في المئة، وهي الأدنى في أوروبا، ويبلغ عددهم فقط ١٥٥ ألف مهاجر، بينما عدد السكان لا يتجاوز ٥،٣ ملايين نسمة.
وبالطبع لا تساعد الظروف الجوية ولا المسافات التي تفصل مناطق الصراعات عن بلاد الصقيع في جذب المهاجرين، إذ تظهر الإحصاءات التي وزعتها وزارة الداخلية أن أول جالية مهاجرة هي روسية (٦٩٩٢) ويليها الصينيون (٥٤٣٢) ومن ثم التايلانديون (٥٠٢٢) ويليهم العراقيون (٥٠٠٦) وبعدهم الأتراك (٣٩٨٧). وهكذا يتبيّن أنه ليس هناك «مجموعات إثنية كثيفة» يمكن أن تمثّل أي تهديد للعمالة الوطنية أو للموازين الاجتماعية. كذلك يبدو أنه بسبب النظام التربوي، فإن أغلبية أطفال المهاجرين متأقلمون مع العادات الفنلندية ومنسجمون اجتماعياً، وليس هناك أيّ تطرّف ديني لدى المجموعات الإسلامية، من دون أن يمنع هذا من وجود صعوبة لدى هؤلاء في الحصول على فرص عمل، غالباً بسبب أسمائهم، حتى ولو كانوا من الجيل الثاني أو الثالث، ما يدفعهم إلى صفوف البطالة. إلا أن وجودهم بأعداد كبيرة في إحصاءات البطالة يغذّي طروحات اليمين الذي يتّهمهم بـ«الكسل والاستفادة من النظام الاجتماعي»، في محاكاة للاتهامات العنصرية التي تطفو في أوروبا هذه الأيام.