خاص بالموقع- بعد منفّذ الانقلاب في الأرجنتين عام 1976، الجنرال خورخي رفائيل فيديلا، الذي حكم عليه بالسَّجن المؤبد في نهاية السنة الفائتة، أتى أول من أمس دور رينالدو بينيوني، وهو آخر جنرال تسلّم مقاليد الحكم عامي 1982 و1983، أي من بعد هزيمة حرب مالفيناس حتى تسليم الحكم للمدنيين. وقضى الحكم بالسجن المؤبد لبينيوني ولعسكريين آخرين، وللمحقق البوليسي لويس باتي، وبالسجن لمدة 6 سنوات لمحقق بوليسي آخر. وأمرت المحكمة باعتقالهم في سجون عادية، بينما كان الادعاء قد طلب المؤبد للجميع.
وهذا الحكم هو حكم بينيوني الثاني، الذي نال السنة الماضية عقوبة 25 سنة سجن لـ «جرائم قمع» ارتُكبت في قاعدة عسكرية كانت تحوي 4 مراكز تعذيب ودار ولادة سرية، وإضافةً إلى هاتين القضيتين، بينيوني هو أيضاً أحد المتهمين الثمانية في قضية بدأت محاكماتها في شباط، وهي متعلقة بسرقة 35 رضيعاً.

وعلا التصفيق طويلاً لقرار المحكمة، فيما قالت إستيلا دي كارلوتو، إحدى زعيمات «جدات ساحة أيار»، التي كانت طرفاً في القضية، إن «اليوم يوم تاريخي لكل الأرجنتينيين الصالحين»، مضيفةً «يزداد شعور الاحترام إزاء الأرجنتين في العديد من الدول، لأننا رفعنا رايات الحقيقة والعدالة لـ«الـ30 ألف (مفقود)».
وكان بينيوني ـــــ وعمره 83 سنة ـــــ قد صرّح في مرافعته الأخيرة قبل ساعات من صدور الحكم، أنّ المحكمة «غير مؤهلة»، وأنه كان من الواجب أن يمثُل أمام محكمة عسكرية. أما المتهمون الآخرون، فرفضوا الإدلاء بأي تصريح قبل صدور الحكم في هذه القضية التي بدأت في شهر أيلول الماضي.

ومن بين القضايا التي جرى بتّها، عملية خطف مناضل من مجموعة الـ«مونتونيروس» اليسارية البيرونية في أول يوم من أيام الانقلاب عام 1976، وظهور جثته بعد أسبوع. وكذلك قضية نائب خُطف بعد سنة قبل رمي جثته في نهر، للإيحاء بأنه توفّي نتيجة حادث.

أما الشخصية الأخرى البارزة في هذا الحكم، فهي المحقق لويس باتي، الذي دخل عالم السياسة عام 1991وعمل مستشاراً لدى الرئيس السابق كارلوس منعم، ثم ترشح للنيابة عام 2006 بحثاً عن الحصانة، إلا أن النواب رفضوا بالإجماع في أول جلسة من ولايتهم قبوله في صفوفهم.
ولا تزال مسألة إحياء الذاكرة ومحاكمة مجرمي «الحرب القذرة»، حية في الأرجنتين، حيث جرت حتى الآن محاكمة 196عسكرياً ومقاضاة 810 آخرين.
جديد هذه المحاكمات أنه حُدّدت للمرة الأولى نهار الثلاثاء الماضي، معطيات رحلة من «رحلات الموت»، وهي وسيلة لجأت إليها الدكتاتورية الأرجنتينية مراراً برمي معتقلين أحياء، وأحياناً مخدّرين من الجو للتخلص منهم خلال رحلات لم تكن موثّقة، وكانت تقوم بها طائرات عسكرية.
وجرت الرحلة الموثّقة هذه المرة عام 1977، حيث رُميت راهبتان فرنسيتان من الجو.
والعثور على أمر الرحلة سيسمح باتهام طاقمها والاستماع إلى إفادته، إضافةً إلى عرض وثائق مصورة عن الراهبتين قبل الرحلة، في محاولة للإيحاء بأنهما في حوزة مجموعة كفاح مسلح يسارية. ومصور هذه اللقطات معتقل سياسي أُجبر على تنفيذ هذه المهمة ثم فرّ حاملاً معه أرشيفه المصور الذي سيستخدمه الآن في المحاكمة.

أخيراً، وقبل عشرة أيام، حُدّدت هوية الحفيد الرقم 103 لـ «جدات ساحة أيار»، وهي أيضاً إحدى أبشع ممارسات الدكتاتورية المجرمة، التي سرقت المئات من الرضّع الذين ولدوا في المعتقل، ثم كانت تصفّي أمهاتهم المعتقلات قبل أن تعيد توزيعهم على عائلات عسكرية.
وتحولت عملية استعادة هوية هؤلاء الذين لهم اليوم من العمر 30 سنة إلى قضية الجدات (أمهات المفقودين) الأساسية. وكانت الفتاة التي تحمل اسم ماريا (ولها من العمر 34 سنة) قد رفضت الخضوع لفحص الجينات، إلا أن المحكمة أجبرتها على ذلك، مشيرةً إلى «أن إرادتها الفردية لا تستطيع أن تلجم حق الأهالي في معرفة الحقيقة».