رحّب العالم بحسن تنظيم الانتخابات الرئاسية في نيجيريا، التي قادت إلى إعادة انتخاب غودولاك جوناثان رئيساً، بفوزه على منافسه محمد بوهاري، إلا أن هذه الانتخابات أظهرت فرزاً طائفياً خطيراً، إذ إن الجنوب المسيحي صوّت لجوناثان وهو من دلتا النيجر في جنوب البلاد، بينما صوّت الشمال المسلم لبوهاريو، الذي اتهم أنصاره الحزب الحاكم بالتزوير.
ويرى المراقبون أن هذا الاستقطاب يمكن أن يقود إلى توتر شديد. وقد انتشرت قوات الأمن في شوارع المدن الشمالية في نيجيريا، لضبط احتجاجات الجموع على النتائج، فيما نقل شهود، عبر الهاتف من مدينة جوس في وسط البلاد، أخباراً عن إطلاق الجنود النار، بينما كانت مروحيات تراقب المحتجين في الأحياء ذات الغالبية المسلمة، فيما تحدث البعض عن «فرار غير المسلمين من تلك الأحياء».
وفي عاصمة الشمال كانو (شمال)، فرّق الجنود بالقوة مجموعات من المحتجين، فيما لجأ عدد من سكان مدينة كادونا (شمال وسط) إلى حرق إطارات وإقفال طرق للاحتجاج على النتائج، وأُحرقت كنيسة في مدينة زاريا القريبة، فيما تحدثت أنباء عن «محاولة حرق مسيحية» في مدينة بوتسيكوم (شمال شرق)، ما سبّب نزوح ١٥ ألف نسمة من المنطقة، حسب تقارير للصليب الأحمر.
ويتهم أنصار بوهاري الحزب الحاكم بـ«حشو صناديق الاقتراع» في مناطق مؤيديه، حيث «سجلت نسب عالية جداً من المشاركة» بخلاف الانتخابات السابقة، إذ تظهر الأرقام أن إقليم أكوا إيبوم أعطى جوناثان ٩٥ في المئة من الأصوات، بينما حصل في مسقط رأسه على ٩٩،٦٣ في المئة. وقد أشارت بعض المنظمات الحقوقية، التي راقبت الانتخابات، إلى أن «مثل هذه النسب تثير أكثر من علامة تعجب».
وإلى جانب الشكوك في نتائح الانتخابات، يرى المراقبون أن «تحرك الشمال العنيف» يعود إلى أن إعادة انتخاب جوناثان «تكسر معادلة تداول السلطة بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي»، رغم أن جوناثان كان نائب الرئيس في عهد سلفه المسلم عمر يار ادوا، وتولى الرئاسة في أيار ٢٠١٠ بعد وفاة هذا الأخير بدعم من حزب الشعب الديموقراطي الذي يسيطر على الساحة السياسية.
وتختبئ مسألة «توزيع مردود النفط الموجود في الجنوب» خلف «الاصطفاف شمال ـــــ جنوب» في الانتخابات الرئاسية. وتوزيع النفط يمثّل منذ حرب بيافرا، في الستينيات، محور كل الصراعات التي بدأت إثنية لتنتهي طائفية.
وقد سمحت الانقلابات العسكرية للعسكر بـ«وضع يد الدولة الفدرالية» على مردود النفط وتوزيع ثرواته على المقاطعات الـ ٣٦ التي يتألف منها الاتحاد الفدرالي النيجيري. وكان الزخم السكاني في الشمال يجعل من المقاطعات الشمالية المسلمة المستفيد الأكبر. وقد عمدت الحكومات العسكرية إلى مصادرة أراض واسعة في الجنوب تتضمن حقول النفط ومناجم عديدة (قانون ١٩٧٣) لمنع الحكومات المحلية من سن قوانين للاستئثار بمردود النفط، ما كان يمكن أن يعيد إشعال الحرب بين الشمال والجنوب، لكن منذ أن وضعت الانتخابات (١٩٩٩) حداً للحكومات العسكرية، يطالب سكان الجنوب باسترجاع أراضيهم المصادرة، بينما يتخوف أهل الشمال من أن يقود هذا إلى حرمانهم الثروة النفطية. ويطالب سياسيو المقاطعات الثلاث، التي تنتج النفط (دلتا النيجر وبايلسا وريفرز)، بالحصول على القسم الرئيسي من المردود لنهضة اقتصاداتها.
وقاد هذا التباين إلى نزاعات سياسية في البداية مع «حركة دعم شعب أوغوني» (Mosop) دفاعاً عن تلويث شركات النفط الأراضي، قبل أن يحكم على زعيم الحركة كين سارو ويوا بالإعدام، ما دفع إلى إنشاء تنظيمات عسكرية أشهرها حركة تحرير دلتا النيجر (MEND) استهدفت على نحو رئيسي المنشآت النفطية في البلاد. وقد راجت عمليات «سحب النفط بخطوط متوازية لأنابيب الشركات وبيعه في السوق السوداء»، التي كانت كثيراً ما تقود إلى انفجار الأنابيب وحصول كوارث يذهب ضحيتها الكثير من السكان.
وفي عام ٢٠٠٩، أي في عهد نيابة الرئاسة لجوناثان وغياب الرئيس الأصلي بسبب المرض، وُقّع اتفاق بين الحكومة الفدرالية والتنطيمات العسكرية أُعلن بموجبه عفو عام وهدنة، إلا أن المراقبين يرون أن هذه الهدنة غير مستقرة، وأن الجنوبيين ينتظرون انتخاب جوناثان ليروا هل سيلبّي مطالبهم بتعزيز حصتهم من موارد النفط المستخرج في مناطقهم، وهو ما يخيف الشماليّين.
بالطبع يظل الجيش هو الحكَم بين الفريقين، إلا أن التخوف من حرب أهلية موجود بقوة، وخصوصاً أن الوضع في نيجيريا «يحاكي على نحو قوي الوضع في السودان قبل الانفصال». ويتخوف نيجيريون من أن تقود الأزمة إلى إفساح المجال للتدخل الغربي في شؤون نيجيريا، كما كانت عليه الحال إبان حرب بيافرا، وكما حصل أخيراً في ساحل العاج.