لا يمكن الجزم بما إذا كان التمرّد العسكري في بوركينا فاسو يحاكي الربيع العربي والثورات التي ولّدها، أو هو ردّ فعل على تدخّل فرنسا والأمم المتحدة في ساحل العاج. إلا أن المحللين يرون أن على الرئيس «الكابتن» بليز كومباوري إجراء إصلاحات عاجلة، إذا أراد تجنّب نهاية تشبه نهاية ديكتاتوريّي تونس ومصر. وحركة الاحتجاج الأخيرة في بوركينا فاسو هي «تمرّد عسكري» يمكن أن يذهب بعيداً لقلب نظام يتربّع عليه كومباوري منذ عام ١٩٨٧، أي منذ ٢٥ سنة. وتشهد بلاد «الإنسان المثالي»، وهو معنى اسم الدولة الأفريقية، منذ شباط، تظاهرات غاضبة تشمل القضاة والتجار وتلامذة المدارس وطلاب الجامعات، إضافة إلى النقابات والمجتمع الأهلي والمعارضة والعسكريين، أي كل شرائح المجتمع هناك.
إلا أن الخطر الكبير الذي يتهدّد النظام يأتي من العسكريين الذين يواجهون صعوبات معيشية، ويطالبون بالحصول على علاوات بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتراجع القيمة الشرائية في بلد يعيش نحو نصف سكانه، البالغ عددهم ١٦ مليون نسمة، بأقل من ألف فرنك أفريقي في اليوم، أي ما يعادل دولارين أميركيين.
وقادت الأمور إلى اندلاع حركة تمرد في العاصمة واغادوغو طالت حرس الرئيس كومباوري نفسه، قبل أن تتوسع لتشمل ثكنات أخرى في العاصمة، ومن ثم حاميات في سائر المناطق. وقد خرج الجنود الغاضبون إلى شوارع العاصمة يعيثون فيها نهباً وسرقة وتخريباً للمتاجر، وسرق بعضهم سيارات، ووصل الأمر إلى حدّ ارتكاب عمليات اغتصاب، وهو ما أثار التجار الذين كان ردّ فعلهم مهاجمة المباني العامة والحكومية، ما أدى إلى إصابتها بأضرار جسيمة، ووضع سكان العاصمة بين ناري العسكر والتجار.
ورغم تأكيد المتمردين أن «النظام غير مستهدف»، إلا أن عدداً من المراقبين يشكّون في إمكان «فلتان الأمور من عقالها»، وخصوصاً أن كومباوري قد ألّب عليه العديد من الخصوم طيلة فترة حكم طويلة.
وفي محاولة «لحل الأزمة»، عيّن كومباوري سفيره لدى باريس لوك ـــــ أدولف تياو رئيساً للوزراء خلفاً لتيرتيوس زونغو الذي أقاله. ويشار إلى أن تياو، الذي يبلغ من العمر ٥٦ سنة، هو صحافي سابق، كان سفيراً لبلاده في باريس، العاصمة ذات التأثير القوي على منطقة غرب أفريقيا. ولم تنجح الإجراءات التي اتّخذت في تخفيف التوتر، وامتدت حركة التمرد من العاصمة واغادوغو إلى ثلاث مدن أخرى، وشاركت فيها فرق عسكرية وأمنية، فيما شهدت مدينة رابعة تظاهرة عنيفة لشبان مناهضين لكومباوري.
ويرى البعض أن كومباوري يدفع ثمن «التدخل في الحرب العاجية» ودعم القوات الشمالية وتدريبها ومدّها بالسلاح، فيما جنوده يعانون من الأمرّين، إذ يتفق المراقبون على وجود هوة شاسعة بين أقلية من الأثرياء وباقي الشعب، وخصوصاً في الأوساط المقرّبة من الرئاسة، الذين يستفيدون من موقع بوركينا فاسو على تقاطع دول أفريقية غنية جداً.
ولتجنّب حصول ثورة، يرى مراقبون في واغادوغو أن على بليز كومباوري اتخاذ قرارات عاجلة في مسائل، مثل رواتب الموظفين وأسعار المواد الأساسية وإعادة الانضباط إلى صفوف الجيش، ولكن أيضاً الالتزام بعدم مراجعة الدستور بما يسمح له بالترشح لولاية جديدة في ٢٠١٥، الأمر الذي يثير جدلاً حاداً في البلاد، ويحاكي الحالتين التونسية والمصرية.