باريس | نجحت الثورات العربيّة في التأثير على الاتحاد الأوروبي، فها هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يضغط من أجل «تعديل اتفاق شينغن» بهدف منع وصول المهاجرين إلى فرنسا، رغم أن البابا بنديكتوس السادس عشر طالب في خطاب الفصح بـ«التضامن مع اللاجئين».
التعبئة والشحن في هذا الاتجاه نابعان من إقدام إيطاليا، على خطوة جريئة، تمثلا بإعطاء آلاف المهاجرين غير الشرعيين، معظمهم من تونس، أذون إقامات للضغط على الدول الأعضاء «للمشاركة في تحمل أعباء الهجرة غير الشرعية». إلا أن معظم التونسيين ما إن يحصلوا على هذه الأوراق حتى يتوجّهوا إلى فرنسا، حيث لديهم روابط عائلية. وبالطبع فإن ساركوزي، الذي يستعد للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سنة، غير مستعد للقبول بهذا الواقع، وخصوصاً أنه جعل من «وقف الهجرة غير الشرعية وخفض الهجرة الشرعية» هدفاً أولياً لكسب أصوات اليمين المتطرف، الذي يرى أن المهاجرين هم وراء «كل ما يصيبهم من تراجع القوة الشرائية والبطالة».
وتوضح مصادر في الإليزيه أن الهدف الأساسي ليس «فكفكة اتفاق شينغن، ولا حتى إعادة التفاوض عليه»، بل «السماح بتعليق بعض بنود الاتفاق» إذا ما تبيّن وجود خلل «في جوهر تطبيقه»، وهي الحالة السائدة اليوم حسب هذه المصادر.
ومن المتوقع أن يطلق ساركوزي ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني، في روما حيث يعقدان قمة اليوم (الثلاثاء)، دعوة الى «التفكير بالأمر». إلا أن ساركوزي لم ينتظر القرارات الأوروبية، بل بادرت الأجهزة الأمنية الفرنسية منذ أسبوع إلى وضع الحواجز أمام المهاجرين القادمين بأوراق رسمية على حدودها، وذلك عبر وقف القطارات على المعبر الحدودي في فنتيميليا (جنوب شرق) للمرة الأولى منذ ١٩٩٥. وترى باريس أن اتفاق شينغن يسمح للدول بوضع «استثناءات وطنية» في الحالات الطارئة عندما تعجز الدول عن ضبط الحدود، كما هي الحال اليوم مع إيطاليا في ظل الثورات العربية. وتشير إلى ثلاث حالات جرى بموجبها «تعليق الاتفاق»، وهي في عام ١٩٩٥ مباشرة مع البدء بتطبيقه نتيجة «موجة التفجيرات الإرهابية في باريس»، وفي عام ٢٠٠١ خلال قمة مجموعة الثماني في روما، وفي عام ٢٠٠٩ لمناسبة قمة الأطلسي في ستراسبورغ على الحدود الفرنسية الألمانية.
رغم هذه الخطوة الساركوزية الصادمة للرأي العام الفرنسي، والتي تحمل العديد من بذور «اليمينية المتطرفة» المطالبة بصراحة وعلى نحو دائم بـ«الخروج من الاتحاد الأوروبي والتخلي عن اليورو»، فإن استفتاءات الرأي لا تزال تشير إلى عدم قدرة الرئيس الفرنسي على تجاوز الدور الأول في الانتخابات الرئاسية المقبلة «أياً كان منافسه»، لا بل إن كل خطواته التي تذهب في اتجاه يمين الجبهة الوطنية تستفيد منه زعيمة هذه الجبهة مارين لوبن.
وقد أظهر آخر استفتاء أجرته مؤسسة «إيفوب» لحساب «لو جورنال دو ديمانش» الأسبوعية أن لوبن بدأت تستقطب الأوساط العمالية، إذ أعلن ٣٦ في المئة من العمال أنهم يختارونها «السياسي المفضل لديهم»، مقابل ١٦ في المئة لأي اشتراكي، بينما لم يحصل ساركوزي إلا على ١٥ في المئة. ويتفق الخبراء على أن قاطن الإليزيه الذي نال في الانتخابات الماضية ٤٠ في المئة من أصوات اليمين المتطرف بسبب شعارات «الأمن ومحاربة الهجرة والمهاجرين»، لن يستطيع تكرار العملية هذه المرة لأنه بعد ٤ سنوات لم ينجح في ضبط الأمن في الضواحي ولا في وقف الهجرة.