قُتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في عملية كوماندوس. لكنّ الإعداد لهذه اللحظة استغرق وقتاً طويلاً، اضطر خلالها الرئيس الأميركي باراك أوباما ومستشاروه إلى مُعايشة القلق. لكن بعيداً عن هذا القلق، عملت أجهزة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» طويلاً للوصول إلى مساعد بن لادن، الذي قادهم بدوره إلى الأخير. صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية كتبت تحت عنوان «خلف اصطياد بن لادن» قصة عمل الاستخبارات الأميركية للوصول إلى زعيم «القاعدة»، وصولاً إلى تحديد موقعه والاستعداد للعملية التي قتل فيها أول من أمس. وقالت إنه «في نهاية تموز الماضي، تعقّب الباكستانيون الذين عملوا مع وكالة الاستخبارات الأميركية سيارة بيضاء من نوع سوزوكي، وسجّلوا رقم رخصة السيارة. الرجل الذي كان داخل السيارة هو نفسه مساعد بن لادن الموثوق به. بدأت أجهزة الـ«سي آي إيه» بتتبّع السيارة في باكستان، إلى أن وصلت في النهاية إلى مجمع محاط بأسوار أمنية عالية»، حيث كان يتحصّن بن لادن.
ويوم الأحد الماضي، بحسب الصحيفة، اجتمع أوباما ومستشاروه في غرفة «تقدير الوضع» في البيت الأبيض لمراقبة العملية. الوقت مرّ بصمت. قال أحد المساعدين إن وجه أوباما بدا «متحجّراً».
شاهد الرئيس ومستشاروه مدير وكالة الاستخبارات، ليون بانيتا، وهو يتحدث عبر شاشة. قال: «وصلوا إلى الهدف. رأينا جيرونيمو (الاسم الرمزي لبن لادن)». وبعد دقائق، أضاف: «جيرونيمو إيكيا» أي قتل العدو في العملية. استمر الصمت في الغرفة. وأخيراً تكلم الرئيس: «نلنا منه».
وفي السياق، أعلن مسؤولون أميركيون أن أوباما تابع مباشرة العملية التي أدت إلى مقتل بن لادن. وقال مساعد الرئيس لشؤون الإرهاب، جون برينان، إن أوباما وعدداً من المستشارين «اجتمعوا الأحد (الماضي) قبل بدء العملية، وتمكنوا من مراقبة تطورها بالوقت الفعلي» من بدايتها حتى نهايتها. ولمّح إلى تلقّي صور فيديو حية حين تحدث عن مشاهدة مروحية وقد تعطّلت، موضحاً «رؤية تلك المروحية في وضع يجب ألا تكون فيه، على الأقل بالنسبة إليّ وإلى أشخاص آخرين في الغرفة، أحدثت قلقاً من اضطرارنا إلى الانتقال إلى خطة الطوارئ».
وقبل الوصول إلى يوم الأحد (الماضي)، كان أوباما قد عقد اجتماعاً حاسماً يوم الخميس الماضي، ناقش خلاله مستشاروه ثلاثة خيارات للتعامل مع معلومات بالغة السرية بشأن مجمّع فاخر في باكستان، ربما بن لادن يختبئ فيه. وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، إنه «خلال اجتماع استغرق ساعتين في البيت الأبيض، ناقش إيجابيات وسلبيات شنّ مجموعة من القوات الأميركية الخاصة غارة على المجمع». وشرح أن الخيارين الآخرين «كانا شنّ هجوم أو انتظار وصول معلومات قد توفّر قدراً أكبر من الوضوح بشأن ما إذا كان بن لادن متحصّناً فعلاً داخل المجمع الذي يشبه القلعة، والواقع خارج العاصمة الباكستانية إسلام آباد».
وتابع المسؤول أن مستشاري أوباما انقسموا على أنفسهم خلال الاجتماع، وأخذ أوباما ليلة للتفكير في القرار. وفي صباح الجمعة (الماضي)، وقبيل زيارة أوباما لولاية ألاباما التي اجتاحتها أعاصير، كشف الرئيس الأميركي، بحسب المسؤول، لمجموعة صغيرة من المساعدين، أنه قرر تأييد شنّ غارة مباشرة.
وفي سياق كشف المعلومات المرتبطة بالعملية، أوضح مسؤول في الاستخبارات الباكستانية أن «18 شخصاً كانوا موجودين داخل المجمع وقت الهجوم، واحتجز الأميركيون شخصاً كان على قيد الحياة يُعتقد أنه أحد أبناء بن لادن، إلى جانب إحدى بناته، وثمانية أو تسعة أطفال آخرين ليسوا من أبناء بن لادن، وقيّدوا أيديهم». وقال إن «زوجة بن لادن اليمنية التي نجت من الهجوم ذكرت أنهم انتقلوا إلى المجمع قبل بضعة أشهر، فيما أشارت ابنته (13 عاماً) إلى أنها شاهدت والدها وهو يصاب بعيارات نارية».
ولا يبدو الحديث عن العمليات الانتقامية مجرد تقديرات، إذ أعلن حذيفة عزام، الذي رافق بن لادن سابقاً، أن «أيمن الظواهري هو الذي يقود فعلياً تنظيم القاعدة»، متوقعاً أن «يصبح التنظيم أكثر تشدّداً بعد مقتل زعيمه».
وحذر وزير العدل الأميركي، اريك هولدر، الأميركيين وأجهزة تنفيذ القانون من الاسترخاء بعد مقتل بن لادن، وقال «لا يمكننا الاسترخاء. المعركة لم تنته بعد».
وفي السياق، ذكرت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» أن مسؤولين أميركيين أعربوا عن تخوفهم من نشر تنظيم القاعدة تسجيلاً أخيراً لبن لادن، سيكون بمثابة «صوت من وراء القبر يدعو إلى الجهاد ضد الغرب». ونقلت شبكة «سي أن أن» عن مسؤولين أن محققي وكالات الاستخبارات الأميركية يعملون على فحص بيانات وأجهزة كمبيوتر خاصة ببن لادن، صودرت خلال الغارة على المنزل». وبالفعل نشرت صحيفة «الأنباء» الكويتية ما قالت إنها وصيّة بن لادن، التي كانت قد نشرتها في عام 2001، والتي طلب فيها من أتباعه «وقف قتال اليهود والصليبيين مؤقتاً، والانصراف إلى تطهير صفوفهم من العملاء والمتخاذلين». ودعا أولاده إلى عدم القتال في الجبهة وفي القاعدة.
بريطانيا جدّدت الإعراب عن تخوفها من الانتقام. وأعلنت صحيفة «ديلي ستار» أن «أمراء الحرب الإرهابيين صاروا مستعدين لشن هجوم بقنبلة نووية ضد بريطانيا انتقاماً لمقتل بن لادن»، فيما قال رئيس الوزراء البريطاني، دايفيد كاميرون، إن بلاده «ستواصل العمل مع باكستان لمكافحة التشدد»، داعياً إلى اليقظة. وفي فرنسا، كتبت «لوفيغارو» أن «من السذاجة الاعتقاد بأن مقتل بن لادن يفتح المجال أمام عالم تخلص من ابتزاز الإرهاب».
وكان الأبرز سعي إسرائيل إلى إظهار عمق علاقتها بالولايات المتحدة، لافتة إلى أن الأخيرة أبلغتها العملية فور وقوعها. وأعلن السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورن، أن البيت الأبيض أبلغه قتل زعيم تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، فور انتهاء العملية العسكرية وقبل إطلاع الجمهور الأميركي عليها.
وعمدت صحيفة «إسرائيل هايوم» إلى المقارنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، قائلة: «إسرائيل قد ترى أن تصفية بن لادن خارج حدود أميركا، من الناحية القانونية، يعطيها الضوء الأخضر للتحرك ضد الإرهابيين خارج حدودها»، فيما كتبت «هآرتس» أنه «نبأ سيّئ لنتنياهو الذي كان يريد أن يلعب ورقة الكونغرس ضد الرئيس».
من جهته، رأى رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، شاوول موفاز، أن الولايات المتحدة «تبنّت سياسة الاغتيالات الإسرائيلية بقتلها بن لادن»، داعياً إلى «استئناف عمليات اغتيال ناشطين فلسطينيين».
وفي ردود الفعل، رحّب كلّ من مجلس الأمن والصين والبحرين والسعودية والإمارات بمقتل بن لادن. وأمل وزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي أن «يساعد» مقتل بن لادن المساعي المبذولة في سبيل مكافحة الإرهاب.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز، الأخبار)