إسطنبول | مرّت أسابيع قليلة قبل أن تصل رياح الثورات العربية إلى ساحات أكراد تركيا، وذلك من البوابة السورية المجاورة لهؤلاء. فأكراد تركيا جرّبوا كل الوسائل لتحقيق أهدافهم ومطالبهم بالاستقلال أو الحكم الذاتي أو الفدرالية أو حتى مجرد الحرية في جمهورية مصطفى كمال، ولم يفلحوا. أمام هذا الواقع، فتحت الثورات العربية أمامهم أبواباً غير مطروقة، وأوحت لهم بأفكار جديدة، بما أنّ الطريقة الوحيدة التي لم يختبروها في نضالهم بعد، هي الانتفاضة الشعبية السلمية، بعد الكفاح المسلح والاغتيالات والحرب الأهلية والتفاوض مع الحكومة ومع حكومات دول الجوار وعواصم الدول الكبرى... ونظراً الى نجاح ثورتي تونس ومصر، واستمرار الحركات الاحتجاجية في كل من سوريا واليمن وليبيا، فإنّ قادة أكراد تركيا ارتأوا إسقاط التجربة العربية على حالتهم، لعلّها تجدي. وقبل نحو شهر من الانتخابات التشريعية الهامة للغاية في تركيا في 12 حزيران المقبل، أطلق 800 من قادة «مؤتمر المجتمع الديموقراطي»، الذي يضم معظم منظمات المجتمع المدني التركي والأحزاب ورجال الأعمال والمفكرين الأكراد، يوم الخميس الماضي، دعوةً عامة، تلت اجتماعاً استثنائياً لهم، لتحرُّك الشارع الكردي تحت شعار العصيان المدني، من خلال إقامة الخيم في ساحات المدن الرئيسية، واحتلال الشوارع بتظاهرات حاشدة، وخصوصاً أيام الجمعة، على نسق ما تشهده العواصم والمدن العربية بعد صلاة كل يوم جمعة. وسارع المراقبون إلى ملاحظة أنّ هذا القرار ليس مجرد حملة انتخابية لحزب «السلام والديموقراطية» الكردي، الذي يُعَدّ الجناح السياسي لـ«العمال الكردستاني»، بل هو يتعدى ذلك ليكون «محاولة لإيجاد وسيلة نضال سياسي تواكب الخريطة السياسية الجديدة، التي ترتسم معالمها في الشرق الأوسط كله». وقد أعلن بيان «مؤتمر المجتمع الديموقراطي» أنّ شرعية حزب «العدالة والتنمية» الحاكم انتهت بالنسبة إلى الأكراد، على قاعدة أنّه «لم يعد محاوراً صالحاً حيال المسألة الكردية»، داعياً إلى تحريك «المقاومة الشعبية حتى نصل إلى الهدف المنشود، وهو إقامة الحكم الذاتي الديموقراطي للأكراد». وصحيح أن جزءاً كبيراً من إعلان «مؤتمر المجتمع الديموقراطي» خُصِّص للدعوة إلى العصيان المدني، إلا أنّ شقاً لا بأس به منه تمحور حول الأوضاع في سوريا. وجاء في البيان أنّ «هناك حرية ربيع تهب على الشرق الأوسط، لكن هذه الحركات لا تملك قيادة ثورية. عندما يصبح لديها قيادة ثورية، سنعيش حقبة جديدة أساسها أنظمة ديموقراطية شعبية في المنطقة تقرِّب القضية الكردية من الحل». ورأى الإعلان نفسه أن التطورات في سوريا هي رسالة مفادها أن «هناك حالة لا يمكن الالتفاف عليها في هذا الجزء من كردستان، فحزب البعث السوري لا يمكنه الاستمرار أكثر من ذلك. إما أن يعترف بالحكم الذاتي الديموقراطي للأكراد، أو أنه سينهار».
وبحسب المحلِّل الاستراتيجي التركي نهاد علي أوزكان، فإنّه ليس مفاجئاً أن يتطرق الإعلان الكردي إلى التطورات السورية، لأن «هناك موجة جديدة تجتاح منطقة الشرق الأوسط، والأكراد يريدون الاستفادة منها. ففي النهاية، يبقى الهدف الأسمى لهؤلاء هو توحيد كردستان المقسَّمة، في رأيهم، إلى أربعة أجزاء». وجزم أوزكان لـ«الأخبار» بأنّ «العمّال الكردستاني لم يعد يرغب في مواصلة لعبة الأطفال داخل البرلمان التركي، لكونها لم تأتِ بأيّ مكاسب على حد اعتبارهم». وأشار إلى أنّ «القضية الكردية كانت قابلة للإدارة قبل اندلاع الثورات العربية، وأخشى أنها باتت تتجه بسرعة لأن تكون غير قابلة للضبط بتاتاً».
وكانت «الضرورات الانتخابية» قد ساعدت على انفجار قرار الغضب الكردي من خلال تصرفات وتصريحات وضعها المراقبون الأتراك في خانة الأخطاء الغبية، أو في إطار محاولة استمالة الأصوات القومية التركية. من جهة، جاء قرار اللجنة الانتخابية العليا، الذي منع 12 من أهم الشخصيات الكردية من الترشح للانتخابات، ليؤكد غياب رغبة حقيقية في التعاطي الإيجابي لحل القضيّة الكردية. ومن جهة أخرى، جاءت تصريحات رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان لتزيد الطين بلة، عندما قال، في إحدى أولى جولاته الانتخابية في مدينة موش، جنوب شرق الأناضول، إنّ «في هذه البلاد، انتهت القضية الكردية بالنسبة إليّ، لكن لا يزال هناك مشاكل عند أشقائي الأكراد». ولاقى تصريح أردوغان ردوداً عديدة، من بينها ما أطلقه الكاتب الشهير في «ملييت»، فكرت بيلا، الذي ذكّر بأنّ أردوغان كان أول رئيس حكومة يعترف علناً بوجود «قضية كردية في تركيا»، مشيراً إلى أن الاعتراف بوجود مشاكل تتعلق بالحقوق الفردية للأكراد يلغي وجود مشكلة حقوق كردية جماعية ومطالب بالحكم الذاتي بالنسبة إلى الحكومة. ولفت بيلا إلى أن مقاربة أردوغان تلزمه الاعتراف بحق الأكراد في التكلّم بلغتهم الأم في مدارسهم مثلاً. أما بالنسبة الى رئيس جمعية صناعيي ورجال أعمال جنوب شرق الأناضول، شاه إسماعيل بدرخان أوغلو، فإنّ الحزب الحاكم «يتبنّى خطاباً سلبياً إزاء المسألة الكردية بهدف اجتذاب أصوات محازبي الحركة القومية التركية» اليمينية المتطرفة. وقال بدرخان أوغلو لـ«الأخبار»، إنّ «العدالة والتنمية يدرك جيداً أن لديه قاعدة شعبية معينة بين الأكراد، ممن يؤيدونه تقليدياً وتاريخياً لأسباب عديدة، ويعرف أن هؤلاء سيصوتون لمرشحي الحزب الحاكم مهما حصل. وبالتالي، فإنه لن يتمكن من نيل المزيد من الأصوات الكردية التي تصوت عادةً للأحزاب الكردية المعارضة (اليوم السلام والديموقراطية)، لكن في المقابل يمكنه نيل المزيد من الأصوات القومية المتطرفة في كل المحافظات التركية الثمانين»، وخصوصاً في ظل حالة الوهن التي تصيب الحركة القومية التركية المهددة اليوم بعدم اجتياز عتبة العشرة بالمئة المفروض على أي حزب أن ينالها على المستوى الوطني ليحق له التمثل بصفته الحزبية في البرلمان التركي. ورأى بدرخان أوغلو أنّ هذا السلوك الانتخابي المتّبع من «العدالة والتنمية» أثار غضب الأكراد، وخصوصاً الجيل الشاب من هؤلاء، ما دفع بهم إلى التأكد من أنّ الحل الوحيد الباقي لقضيتهم قد يكون الانتفاضة الشعبية، بدلاً من تكرار الوسائل القديمة، تحديداً تلك التي تتحدث عن فرص لإيجاد حل على المستوى السياسي والحوار داخل البرلمان، في إشارة إلى فشل الخطة الحكومية الأكثر طموحاً لحل القضية الكردية بموجب ما عُرف بـ«خطة الانفتاح الديموقراطي» التي طرحها الحزب الحاكم قبل 3 سنوات، وانتهى مصيرها إلى الأدراج المقفلة للبرلمان من دون حتى التصويت عليها.
وكانت النائبة الكردية البارزة المطرودة من البرلمان التركي، أيصل توغلوك، قد تصدرت المشهد الكردي الداعي الى حالة الغضب، عندما حذّرت من أن «الأمور السيئة قد تحصل»، فيما بدا أنه ردّ على العبارة الشهيرة التي أطلقها الرئيس عبد الله غول في 2009 قائلاً إن «الأمور الإيجابية قد تحصل»، في إشارة إلى احتمال نجاح خطة «الانفتاح الديموقراطي» خلال ما بدا أنه بداية «الربيع الكردي» في حينها. واختصرت توغلوك في خطابها، الأسبوع الماضي، الشعور الكردي العام بكامله، عندما أشارت إلى أنه «عندما لا تفعل الدولة شيئاً لحل القضية الكردية، فعندها يصبح على الشعب أن يرسي ديموقراطيته الخاصة». وأضافت إنّ «شعبنا منظّم لدرجة كافية حتى يستطيع وضع نظام خاص بنا، لأن الاستمرار في الحياة من دون وضعية قانونية خاصة بالأكراد لا يمكنه أن تستمر بعد اليوم». وتابعت «لا نعلم ما إذا كان ذلك سيحصل على الطريقة السورية أو المصرية، لكننا سنحصّل حقنا وسندافع عنه مهما كلفنا الأمر». وكانت توغلوك قد فُصلَت من البرلمان التركي إضافةً إلى زميلها أحمد تورك من جانب المحكمة الدستورية التي حلّت حزب المجتمع الديموقراطي الكردي في عام 2009 بتهمة مناصرة حزب «العمال الكردستاني». واليوم، توغلوك وتورك مرشحان مستقلان لانتخابات 12 حزيران، علماً بأن كليهما قياديّ بارز لـ«السلام والديموقراطية»، لكن التكتيك الانتخابي المتّبع من جانب هذا الحزب مشابه لما كان يُتّبَع في السابق، على قاعدة الترشح بصفة مستقلة، على أن تؤلَّف كتلة برلمانية فور انتخابهما، نظراً الى عجز أي حزب كردي عن اجتياز عتبة العشرة في المئة المفروضة على الصعيد الوطني. وكلام توغلوك بالغ الأهمية، لأن النائبة المذكورة تكتسب مكانتها من كونها إحدى المحاميات المكلفات الدفاع عن عبد الله أوجلان. وبعد لقائها به في سجن إمرلي، الأسبوع الماضي، كشفت أن موكلها «فقد أمله بإمكان التوصل إلى حل من خلال الحوار مع الحكومة». وقالت إنها في اجتماعاتها السابقة مع أوجلان «لاحظتُ وجود أمل لديه بأننا قريبون من تحقيق السلام، لكن في المرة الأخيرة تنبهت إلى أنه فقد الأمل، لأن الدولة لم تقدم على أي خطوة إيجابية تجاه شعبنا، حتى تلك الخطوات الصغيرة والرمزية، واكتفت بإعلانات النوايا والوعود الفارغة». وهنا تتوقف توغلوك عند عدم تلقّف الحكومة مبادرة وقف إطلاق النار التي أعلنها حزب العمال الكردستاني منذ أشهر، وواصل جيشها وقواتها الأمنية عملياتهم التي «أدّت في الفترة الأخيرة إلى مقتل 30 كردياً بين مدني ومقاتل»، وهو الأمر «الذي أجّج غضب الناس». وكان «العمّال الكردستاني» قد خرق هدنته قبل أيام، عندما تبنّى هجوماً على موكب أردوغان الذي كان عائداً من إحدى جولاته الانتخابية في منطقة البحر الأسود، مبرراً العملية بأنها انتقام للتعاطي العنيف للشرطة التركية مع اعتصام كردي سلمي ومفتوح في عدد من المدن ذات الغالبية الكردية، بدأ تنفيذه منذ نهاية شهر آذار الماضي. وفي القرار الكردي التظاهر بعد انتهاء صلاة كل يوم جمعة، تحدّ متعدد الأوجه للسلطات التركية ولعقل جمهورية أتاتورك عموماً؛ فالمتظاهرون الأكراد، وبتوجيهات مباشرة من حزب عبد الله أوجلان، درجوا في الفترة الأخيرة على عدم التوجّه إلى المساجد، بما أن هذه الأخيرة تحدّد خطبها الدينية «مديرية الشؤون الدينية» الحكومية، كذلك حال أئمتها، الذين تعينهم هذه الجهة الحكومية. وبدلاً من ذلك، هم يؤدّون صلاة الجمعة باللغة الكردية في الشوارع، ويستمعون إلى خطب مسيّسة للغاية وبالكردية أيضاً، رغم أنّ «العمال الكردستاني» معروف بأنه حزب لا تزال العقيدة الماركسية جزءاً لا يتجزأ من هويته الفكرية. وظاهرة احتلال الشوارع الكردية أيام الجمعة بعد الصلاة تؤرق أردوغان جدياً، بدليل أنه قال بغضب شديد قبل أيام «هم يدّعون أنه لا يجوز أن يؤمّهم إمام معيّن من الحكومة. ما علاقتهم بالإسلام؟ ألم يعلنوا أن رئيس منظمتهم الإرهابية (أوجلان) هو نبيّهم؟».

عودة حزب الله التركي

وما كان ينقص الأزمة الكردية لكي تصبح خارجة عن أي سيطرة، هو ما حصل يوم الجمعة، وما تلاه أول من أمس، مع عودة ظهور طيف «حزب الله التركي»، وهو الحزب الأصولي التكفيري الذي تأسس بدعم من «الدولة العميقة» في تركيا في ثمانينيات القرن الماضي، بهدف محاربة «إلحاد» حزب أوجلان، قبل أن يخرج عن سيطرة الحكومة بجرائم موصوفة ارتكبها بحق المواطنين الأكراد في المحافظات التركية. واندلعت مواجهة مسلحة، أول من أمس، بين مقاتلي «العمال الكردستاني» وحزب الله في محافظة هكاري، قُتل خلالها أحد أعضاء حزب الله وجُرح آخرون.
وأول من أمس، صدر بيان موقع من حزب الله، ووزع على وكالات الأنباء، وتضمن تهديداً صريحاً لـ«العمال الكردستاني» ينبئ باحتمال عودة الحرب الأهلية الكردية ـــــ الكردية. وجاء في البيان التحذيري أنّ على حزب العمال تقديم تفسير لمقتل أحد عناصر حزب الله يوم الجمعة، وإذا لم يفعل، أو إذا تكرر الاعتداء، فإنّ «حزب الله سيفعل ما يجب فعله، وسينتقم، وهو ما قد تنجم عنه أضرار يصعب حصرها، وخصوصاً أن حزبنا يجد صعوبات في ضبط مناصريه».



أفلام جنسيّة «قوميّة»

عادت موجة فضائح أفلام الفيديو لتضرب بقوة في الحياة السياسية التركية عشية انتخابات 12 حزيران المقبل. وبعد الفضيحة الجنسية المصوّرة التي أطاحت رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، دينيز بايكال من منصبه، العام الماضي، جاء دور أركان حزب «الحركة القومية التركية» اليميني الفاشي، إذ أظهرت أفلام فيديو مسرّبة، قادةً ونواباً من الحزب يمارسون الجنس مع طالبات جامعيات، ويشتمون ناخبي حزبهم وعلويّي تركيا، ما أدّى إلى فتح تحقيق قضائي في الموضوع، إضافةً إلى استقالة عدد من مسؤولي الحزب ومرشحيه للانتخابات، بطلب من زعيم «الحركة القومية» دولت بهشلي. وبين الأفلام المسرّبة، يظهر النائب بولنت ديدينماز والمحافظ السابق لإسطنبول إحسان باروتشو يمارسان الجنس مع طالبة جامعية. تجدر الإشارة إلى أن أفلاماً مماثلة ظهرت الشهر الماضي، وكان أبطالها أيضاً النائبان عن الحركة القومية متين شُبان أوغلو ورضائي يلدريم. وكل «أبطال» هذه الأفلام استقالوا من مناصبهم، وسحبوا ترشيحاتهم للانتخابات المقبلة.